الانتخابات هي وسيلة من الوسائل المتبعة في البلدان الديمقراطية للتداول على الحكم ولم تكن في يوم من الأيام عنوانا للديمقراطية الحقيقية. فالكثير من بلدان العالم تتشدق بالديمقراطية من خلال تنظيم انتخابات صورية ومزيفة ومفبركة على قياس السلطة الحاكمة وهي التي تحكم بالحديد والنار في بيئة يغلب عليها انعدام حرية الصحافة وإبداء الرأي المخالف والمعارضة. والأمثلة في العالم العربي كثيرة فكل من يحكم لا يريد التخلي عن السلطة طواعية وعن طريق الانتخابات النزيهة والشفافة ، فالانتخابات التي يشرف عليها الحاكم ليست لها مصداقية في ظل التحكم القهري لذوات المجتمع البشرية والإمكانيات المادية بحيث تشترى الذمم وتسكت الأفواه بالقوة والبطش والضغوطات. فحتى المراقبون الدوليون الذين يأتون للمعاينة لا يشاهدون شيئا كالمغفل في الزفة لأنهم لا يفقهون الألاعيب الشيطانية التي يحذقها أهل البلاد والتي تمر من تحت الطاولة وكأنها من أفعال الجن. فالانتخابات كانت مسرحية بأتم معنى الكلمة دون طعم ورائحة تستعمل فقط لهدر المال العام والتظاهر المزيف بنشوة الانتصار المغشوش وذر الرماد في عيون المغفلين ورفع العتب من طرف الدوائر الأجنبية المساندة للحكام المتربعين على العروش منذ زمن طويل كالملوك والأمراء. ففي ظل التخلف على المستوى المادي أي عدم إمكانية العيش دون تدخل من السلطة الحاكمة والتي بإمكانها حجب الجرايات والوظائف عن الناس المعارضين لها والتضييق عليهم وهي المالكة للإدارة والمتمكنة من السلطات الواسعة والقاهرة وصاحبة القرارات التي لا يرد لها سلطان وفي ظل بيئة من التخلف على مستوى الوعي الفكري والسياسي والإرادة الحرة التي تمكن الفرد من حسن الاختيار فلن تكون الانتخابات معبرة بصدق عن الإرادة الشعبية ولن تؤدي حتما للديمقراطية الحقيقية. فالديمقراطية التي يتحدث عنها الساسة اليوم هي ديمقراطية النخب بعيدا عن الإرادة الشعبية والانتخابات هي الطريق نحو توزيع المناصب والكراسي المعروضة حتى لا تعم الفوضى واقتسام الغنيمة أي ثروة البلاد وليس الاتجاه نحو الديمقراطية الشعبية وتحقيق أهداف وطموحات الناس والدليل على ذلك ما نراه من تكالب على القائمات الانتخابية دون البحث في البرامج والمشاريع والمخططات. فالديمقراطية المتخلفة هي الغاية في الوصول إلى الكرسي بأي وسيلة كانت وقد تجمعت الأحزاب في شلل ونحل هنا وهناك والكل يبحث عن مظلة يحتمي بها ورافعة تقذفه نحو السؤدد أو المجهول ويتباكى عن حال الشعب والذين ماتوا على يد الارهاب خلف أحراش الشعانبي. فحتى النظام الانتخابي المتفق عليه فقد اختير على أساس القائمات وليس الأفراد أي أن رئيس القائمة هو سيدها المحظوظ وقد تمت تزكيته من طرف رئيس الحزب بحيث الولاء والطاعة والمحسوبية وبهذا فقد تم تقريبا الاختيار المسبق للفائزين في الانتخابات ويبقى تنظيمها مجرد عملية صورية لا غير. كما أن المال الفاسد في ظل الفقر والبطالة وقلة الوعي لدى غالبية السكان سيكون هو المحدد لاتجاه اختيارات الناخبين إن ذهبوا طوعا لصناديق الاقتراع وغالبوا الضغوطات المفروضة عليهم ونوازعهم الشخصية والوعود المعروضة أمامهم. وقد تأكد لكل المراقبين من خلال التجربة الماضية أن الانتخابات لن تؤدي إلى الديمقراطية الحقيقية وهي الغائبة في أحضان الأحزاب المقدسة للزعامات الاسطورية وفاقد الشيء لا يعطيه كما يقال، كما إنها لن تؤدي إلى التنمية وتحقيق أهداف الشعوب في ظل طبقة من النخب الانتهازية اللاهثة وراء المناصب والكراسي والمحترفة للدجل السياسي. وقد يكون الناس محقين في العزوف عن الانتخابات التي لم تمكن المجتمع من التقدم والاتجاه نحو الرفاهية والعيش الكريم بل زادت الطين بلة وأفقرت الطبقة الوسطى وجلبت الارهاب والقلاقل وهم يرون بأم أعينهم النخب تتقاسم الكعكة وتتكالب على الكراسي وغبار حرب الزعامات والقائمات يحجب الرؤيا ويشتت الوعي. وقد نكون حالمين أكثر من اللازم ونحن نلعب بالمفردات والضالعين في الميتافيزيقا السياسية لنصدق أن الانتخابات المقبلة ستأتي لنا بالديمقراطية على طبق من ذهب دون تضحيات وتغيير جوهري على مستوى العقليات والممارسات الفعلية اللهم هناك من يعترف بالمقولة الشهيرة '' معيز ولو طاروا''.