قبل أيام قليلة تنفست بلجيكا الصعداء نسبيا عندما وضعت قوات الأمن اليد على صلاح عبد السلام بعد مطاردة دامت أكثر من أربعة أشهر للاشتباه في أنه لعب دورا لوجستيا محوريا في الهجمات التي هزت العاصمة الفرنسية باريس يوم 13 نوفمبر/تشرين الثاني وتبناها تنظيم الدولة الإسلامية. في أعقاب تلك الهجمات الدامية، اتجهت الأنظار إلى بلجيكا وتحديدا حي مولنبيك في العاصمة بروكسل لأن أغلب المشتبه فيهم انطلقوا من هناك، ولأن ذلك الحي التي تقطنه غالبية من المهاجرين كان خلال السنوات الماضية منطلقا لكثير من الهجمات في مناطق متفرقة من العالم. اليوم تعود بروكسل إلى الواجهة، لكن في قلب الحدث بسقوط عشرات القتلى والجرحى جراء سلسلة انفجارات استهدفت عدة نقاط حساسة بينها مطار زافينتم، ومحطة لقطار الأنفاق وسط ما يعرف بالحي الأوروبي وتحديدا بين مقري المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي. حالة رعب في بروكسل بعد سقوط عشرات القتلى والجرحى في سلسلة تفجيرات (الأوروبية) سؤال الأمن وتجدد تفجيرات اليوم التي شلت كثيرا من جوانب الحياة في القلب الإداري لأوروبا وتداعت لها الكثير من بلدان الجوار وخاصة فرنسا، طرح سيل من الأسئلة حول قدرات التنظيمات "المتطرفة" وحول نجاعة المقاربات الأمنية في أوروبا وغيرها في مكافحة ما يسمى الإرهاب. ومما يزيد من حدة تلك الأسئلة أنها تأتي في وقت تواصل السلطات البلجيكية البحث عن مشتبه بهم آخرين قالت إنهم جزء من شبكة جديدة محورها عبد السلام (26 عاما) وبعد أيام من تصريح وزير الخارجية ديديي رايندرز بأن الشاب المعتقل كان "يخطط لشيء ما في بروكسل". وجاءت أحداث اليوم بينما تخوض باريسوبروكسل معركة قانونية حامية الوطيس بشأن تسليم عبد السلام لفرنسا ومكان محاكمته، وامتدت تلك المواجهة إلى وسائل الإعلام بالبلدين ما دفع أحد المعلقين بصحيفة "لوسوار" البلجيكية إلى السخرية من الموقف قائلا إنه بينما يتخاصم الجاران يتسلل المسلحون لضرب أبناء البلدين. وتؤكد تفجيرات اليوم أن سؤال الأمن بات مسألة عالمية وأن التفجيرات أصبحت لغة عابرة للحدود وقادرة على الانتقال من قارة لأخرى، فقبل أيام قليلة كانت الجزائر مسرحا لهجوم على حقل غاز تبناه تنظيم الدولة بعد سلسلة عمليات في دول أخرى بقارة أفريقيا كان أكثرها دموية في مدينة بنقردان جنوبتونس سقط فيها عشرات القتلى. خافيير سولانا دعا أوروبا قبل نحو عام لإلقاء "نظرة فاحصة على نفسها" (الأوروبية) ما العمل؟ ومع تجدد دوي التفجيرات وتوسع دائرة الرعب والهواجس في قلب أوروبا، يتجدد طرح السؤال حول المطلوب من القارة العجوز التي ترتبط تاريخيا وثقافيا وجغرافيا ببلدان تشهد اضطرابات شديدة وحروبا ضارية (خاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) . وقبل نحو سنة تقريبا، كان خافيير سولانا وهو الممثل الأعلى السابق لشؤون السياسة الخارجية والأمن لدى الاتحاد الأوربي، واضحا في رؤيته للملف. فقد دعا أوروبا لإلقاء "نظرة فاحصة على نفسها" و"إدراك أن الجيلين الثاني والثالث من المهاجرين عُرضة لإغراءات المنظمات الإرهابية الآن، لأن المواطنة الأوروبية لم تترجم إلى اندماج اجتماعي واقتصادي حقيقي". كما حث الدبلوماسي المخضرم أوروبا على الذهاب إلى ما هو "أبعد من الدفاع عن حرية التعبير، وتحسين التنسيق الشرطي لوضع الحلول الدائمة الكفيلة بعلاج التهميش الاقتصادي والاجتماعي الذي يعيشه أتباع هذه الحركات، مع تجنب المواجهات الثقافية والاعتماد على القمع وحده".