مع ظهور بوادر لانفراج الأزمة بين اتحاد الشغل والحكومة التونسية إثر اعتذار رجل الأعمال خليل الغرياني عن تولي منصب وزارة الوظيفة العمومية والحوكمة عوضا عن النقابي السابق عبيد البريكي المُقال، تنبئ المؤشرات على أرض الواقع بمزيد من الخلافات بين الطرفين، وفق مراقبين. وكان رئيس الحكومةيوسف الشاهد أقال النقابي القيادي السابق باتحاد الشغل عبيد البريكي بعد تلويحه بالاستقالة واقترح تعويضه بالقيادي في منظمة أرباب الأعمال خليل الغرياني، لكن يبدو أن تلويح اتحاد الشغل بالتصعيد عجّل برفض الغرياني للمنصب. وتعليقا على هذه التطورات المتسارعة، يقول الأمين العام المساعد باتحاد الشغل محمد علي البوغديري إن اعتذار الغرياني عن قبول "الوظيفة العمومية" إحدى الوزارات الحساسة بالقطاع العام "خطوة جيدة من شأنها أن تنزع فتيل الأزمة وتنهي حالة الاحتقان". ويوضح البوغديري ل الجزيرة نت بأن رفض اتحاد الشغل منذ البداية تعيين رجل أعمال على رأس وزارة الوظيفة العمومية كان نابعا من مخاوفه من حرمان الموظفين الحكوميين من حقوقهم، في وقت تشهد فيه مفاوضات الزيادة في الأجور بالقطاع الخاص تعطلا مستمرا. وكان اتحاد الشغل عقد اجتماعا طارئا لمكتبه التنفيذي عقب إعلان رئيس الحكومة تعيين الغرياني، وأجرى مشاورات مع الأحزاب الداعمة للحكومة للتحذير من "وجود توجه حكومي بناء على توصيات صندوق النقد الدولي للتفريط في مؤسسات القطاع العام على غرار البنوك المملوكة للدولة". لكن يبدو أن الأمور بدأت تتعافى بعد تجاوز أزمة إقالة البريكي وتعيين الغرياني. علما بالشاهد قرر إلغاء منصب وزير الوظيفة العمومية والحوكمة وتعيين كاتب دولة مكلف بإدارة شؤون الوزارة. وفي هذا السياق، يرى البوغديري أن "اتحاد الشغل حريص على تجنيب البلاد الانزلاق نحو التوترات وإيجاد الحلول". وفي مؤتمر صحفي عقده أمس لتوضيح ملابسات إقالته، تحدث البريكي عن تقصير حكومي في محاربة الفساد وغض الطرف عن رجال أعمال "فاسدين" وملفات تهرب ضريبي بملايين الدولارات. زوبعة عابرة وتعقيبا على هذه التطورات، يقول المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي إن بوادر انفراج الأزمة بين الحكومة واتحاد الشغل بدأت تلوح، مؤكدا للجزيرة نت أن "هذه الزوبعة ستزول تدريجيا مع مرور الوقت إذا استمر الطرفان في تهدئة الأوضاع وإيجاد مخارج مقبولة". ويرى الحناشي أن تجاوز أزمة وزارة الوظيفة العمومية قبل استفحالها أكثر سيعطي دفعا جديدا للطرفين لترميم العلاقة وإيجاد تفاهمات حول القضايا الخلافية القائمة. يُذكر أن الأزمة بين الطرفين لا تقتصر على التعديل الوزاري فحسب، إذ تصاعدت مؤخرا معركة "لي الذراع" بين نقابة التعليم الثانوي ووزير التعليم ناجي جلول. لكن، في خطوة مفاجئة، قررت النقابة إلغاء إضراب مفتوح للأساتذة نهاية هذا الشهر. خلافات متوقعة ورغم أن بوادر الانفراج بين اتحاد الشغل والحكومة بدأت تظهر تدريجيا، يرى الخبير الاقتصادي معز الجودي أن هناك أسبابا عميقة من شأنها وضع الطرفين في مواجهة جديدة بسبب تباين رؤاهما حول الإصلاحات الاقتصادية التي يجب اعتمادها لإصلاح الوضع الاقتصادي. ويقول الجودي للجزيرة نت إن هناك "تباينا تاما" في مواقف الطرفين حول مضامين الإصلاحات. ويرفض اتحاد الشغل مثلا توجه الحكومة إلى خصخصة مؤسسات عمومية على غرار البنوك، كما يرفض الرفع الإجباري في سن التقاعد كحل لأزمة الصناديق الاجتماعية.
ويؤكد أنه لا يوجد توجه واضح للحكومة في مسار الإصلاحات ما خلق أزمة الثقة بينها وبين اتحاد الشغل، محذرا من خطر تعثر الإصلاحات لأن "البلاد تعيش وضعا اقتصاديا خانقا بسبب اختلال التوازنات وتراجع النمو وارتفاع نسبة التداين و البطالة والفقر وغيرها ".