بلى لقد أبدع الشيخ النّائب العفّاس لكنّه لم يتفرّد ولا هو البوصلة التي يجب أن يتمّ استنساخها واتباعها بتفاصيلها من كلّ المشفقين على الهويّة وكذا على الثورة. أبدع لأنّه أقدم على خطوة ردم بها الهوّة بين الشيخ والنّائب، فلا رهبانيّة في الإسلام، دين يتدفّق بسلاسة في كلّ مناحي الحياة، في منبر المسجد كما منبر البرلمان كما الشارع الطويل، حيثما كنتم سيروا وسبّحوا لله.. ولا يمكن للكوفيد الثقافي أن يزجّ بالمسلمين في المسجد ويغلق الباب خلفهم ثمّ يتكاثر حول المساجد ليمنع أيّ حركة للإسلام خارج أسوار الجامع، وذلك تمهيدا للسيطرةالمطلقة على الفضاء الخارجي ومن ثمّ الدخول إلى المسجد من الداخل والشروع في الإجهاز على الدعوة المحصورة بين الجدران. قدِم العفّاس إلى ثغرة فسدّها، في الوقت الذي يعمل غيره على سدّ ثغرات أخرى، وهذا دأب الدعوات الناجحة فهي تنوّع من مصادر المقاومة كما تنوّع من مصادر التمدّد، تلك بيضة حرّة إلى جانب بيض آخر كثير لا يجب أن يوضع في سلّة واحدة، ثمّ أنّنا لا نبارك تصريحات العفّاس فقط لأنّها ثمّنت المرأة التونسيّة المسلمة وبجّلتها وأرشدت إلى نوعيّة مرضيّة من النّساء لعلّ الدولة والمجتمع وسائر المؤسّسات يتكافلوا فيجفّفوا تلك البؤر حتى تتمكّن الأمّ العازبة من زواج شرعي يحفظ كرامتها ويدرجها ضمن الفطرة التي فطر الله النّاس عليها، ويجنّبها الذئاب الذكوريّة الشرسة التي تبحث عن لقمة ملوّثة لا تبعات لها، وتنّقل غرائزها بين ضحاياها.. وإنّما وايضا نثمّن تصريحات الشيخ الدكتور النّائب لأنّه هشّم تسلسل خطّتهم الخبيثة، فهم يسعون إلى هرسلة كلّ من يقترح الفاتحة تحت القبّة أو يتّخذ غرفة صلاة في وزارة أو يبسمل في خطاب أو يدعو إلى صلاة الاستسقاء أو يستشهد بآية أو بحديث خارج المسجد او يدعو الى صلاة العيد في الفضاء الخارجي، تلك خطّتهم التي يقفون عليها بانتباه كبير ويهبّون هبّة مسعور واحد حين يتجاوزها أحدهم، لذلك ممتاز بل ممتاز جدّا أن يقطع عليهم الأحرار خطّتهم ويعطّروا الفضاءات الرسميّة من الحين إلى الآخر بذكر الله وبالصّلاة على رسول الله وباستعراض مسلّمات الرّسالة الخالدة. فقط لا يجب أن ننساق خلف الحشو العاطفي، ويشرع البعض في نهش بقيّة النوّاب الاحرار لأنّهم لم يقتفوا أثر العفّاس!!! لأنّ ذلك سيتحوّل إلى عمليّة عفس ورفس وخبط عشواء، فنحن أمام معركة مفتوحة وطويلة تحتاج إلى التخصّص والتنوّع والكثير من الفطنة، فالدعوة التي نخشى عليها من الضباع لم تقم على صدق لهجة أبي ذرّ فحسب، بل قامت على عدل الفاروق ودهاء ابن العاص وأمانة أبي عبيدة وتضحيات سميّة وجرأة الصبيّة أسماء بنت أبي بكر وثبات بلال وكرم الصدّيق وأموال عثمان وحضن خديجة لمّا تزمّل وتدثّر وتأخذ الحبيب من يده ثمّ تيمّم شطر دار ورقة بن نوفل... شكرا للعقول المتخفّفة من التشنّج والارتجال، شكرا للشيخ النائب الدكتور العفّاس، شكرا للعقول التي تفقه الواقع ولا تحرق مراكبها ولا تختزل الدعوة وتحشرها في صورة واحدة، شكرا للمرابطين كلّ على ثغرته، شكرا لمن جابه ولمن هادن، شكرا لمن لوّح بالعصا والآخر الذي لوّح بالجزرة، شكرا لكلّ من اجتهد لتثبيت ثوابته والانحياز إلى هويّته وحماية ثورته...لكلّ منهاجه وسبيله ما حسنت النيّة وخلص العمل. *سؤال وجوابه.. سؤال عابر يستحق إجابة أكثر من عابرة: لماذا صعّدوا الآن وبالتحديد من مؤامراتهم وهاجوا فجأة ودون سابق إنذار؟! الجواب أبسط ما يكون، الكلّ يدرك أنّ قافلة العبيد تتحرّك على إيقاع سيّدها، هو وحده من يرسم المعارك ويقرّر حدّتها ويحدّد مواسمها، والكلّ يدرك أيضا أنّ سيّدهم في الإليزيه مرّ إلى السرعة القصوى وأعلنها حربا مفتوحة كاسحة وبلا هوادة على الإسلام، ثم وها هي القافلة تقتفي أثر مجنون باريس. نصرالدّين السويلمي