لقد اتسمت الحياة السياسية والإعلامية في تونس بانغلاق تام حيث سادتها انتخابات شابها كثير من اللغط وبنهج من الملاحقات الأمنية باسم "قانون مكافحة الإرهاب " سيء الذكر وبحملة شعواء على الطيف الإعلامي والحقوقي ومضايقات وصلت إلى حالة من الإختناق بسبب انتصاب محاكمات تفتقر إلى كل ظروف الشفافية والإستقلالية أختممت بمحاكمة للعمل الإنساني والإغاثي وأصبح المجتمع بكل شرائحه ونخبه لا يلوي على شيء دون أن ننسى إقدام السلطة في تونس على إلغاء موسم الحج لهذه السنة. "الإنتخابات" الرئاسية والتشريعية لقد مثلت إعادة "انتخاب" زين العابدين بن علي (73 عاما) لولاية خامسة من أبرز المحطات في خضم الأحداث التي عاشتها تونس سنة 2009 الميلادية وحسب القانون الإنتخابي الذي عدّل عديد المرات وفصّل على المقاس الذي يمكّن بن علي من البقاء في السلطة فإن الولاية تنتهي سنة 2014 ميلادية .وقد حصل بن علي على حوالي 90 بالمائة من الأصوات في الإنتخابات التي أجريت يوم 25 اكتوبر ،وقد حصل "التجمع الدستوري الديمقراطي " الحزب الحاكم منذ "الإستقلال" على 75 بالمائة من مقاعد البرلمان البرلمان التونسي الجديد- القديم . وقد أجمع كل الملاحظين المستقلين المحليين والدوليين أن الإنتخابات سواء الرئاسية منها أو البرلمانية لم تختلف على سابقاتها من التي جرت في المناسبات الفارطة حيث سمح إلاّ لأحزاب الديكور كما تسميها المعارضة الجادة ووضعتها وزارة الداخلية التي تسيطر على كل مناحي الحياة السياسية حيث قالت الأستاذة مية الجريبي في تصريح لوكالة "ليونايتد برس أنترناشونال": إن ما شهدته تونس في 25 أكتوبر الماضي،لم تكن إنتخابات بالمعنى المتعارف عليه،وإنما كانت "مبايعة و تعيينات فردية أُقصي منها المواطن الذي لم يتابع لا مناظرات و لا تنافس". وأردفت بالقول" أن السلطة أفرغت العملية الإنتخابية التي طبعت الحياة السياسية خلال العام 2009 "من كل محتوى ،وفوتت بذلك على تونس فرصة الخروج من حالة الإحتقان و الجمود السياسي التي باتت تشكل السمة الأساسية للأوضاع في البلاد،و تعبر عن أزمة حقيقية بين الحكم و المجتمع".
قانون الإرهاب سيء الذكر مما يفتخر به النظام هو استصدار ما سميّ ب:"قانون الأرهاب"الذي كان سنة 2003 وواصل في تطبيقه سنة 2009 وقد أحيل بموجبه مئات الشباب إلى المحاكمات شكك كثير من المنظمات في صدقيتها حيث سيق كثير منهم إلى تحقيقات تخللتها وجبات من التعذيب أدت بالكثير منهم إلى أمراض عقلية وعاهات شبه مستديمة . كما أعادت الدكتور الصادق شورو (62 عاما) و(الرئيس السابق لحركة النهضة الممنوعة من النشاط) والمعتقل منذ سنة 1991 في إطار محاكمة رأت فيها كل التحليلات القانونية منها والحقوقية أنها غير عادلة.وقد قضت محكمة تونسية في الرابع من أفريل على الدكتور شورو بسنة سجن نافذة بتهمة ( الإحتفاظ بجمعية غير مرخص فيها. وقد رفضت السلطات التونسية كل النداءات المطالبة ب "إسقاط الإتهامات الجديدة القائمة بحقه"،أهمها نداء منظمة هيومان رايتس وتش المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان إلى جانب كثير من الجمعيات الحقوقية المحلية ك: "حرية وإنصاف" ،و"الجمعية الدولية للدفاع عن المساجين السياسيين" ،والجمعية التونسية لمقاومة التعذيب". وفي المقابل أصدر الرئيس التونسي عفوا على قيادات إنتفاضة الحوض المنجمي بمدينة الرديف (ولاية قفصةجنوب) والتي جدت فيها مظاهرات من أجل المطالبة بتحسين وضعهم المعيشي في خطوة مفاجئة أعتبرها محاولة من النظام إمتصاص سورة الغضب التي اعترت شرائح محترمة من المجتمع التونسي.
2009 سنة الحملة على الإعلاميين أعلنت السلطة التونسية في أواخر كانون الثاني/ يناير إغلاق إذاعة "كلمة" الإلكترونية والتي تديرها الصحفية المعارضة سهام بن سدرين ( 58 عاما) بعد أربعة أيام من بثها في العاصمة تونس بدعوى( عدم الحصول على ترخيص قانوني). وفي 8 سبتمبر أصدرت محكمة تونس الإبتدائية حكما يقضي بإخلاء مقر أول نقابة مستقلة للصحفيين وتسليمه إلى مكتب تنفيذي جديد مقرب من السلطة مما عدّه الأعضاء النقابة الشرعيون "انقلابا مفضوحا". وقد تدهورت العلاقة بين السلطة والنقابة بعد إصدار هذه الأخيرة تقريرا ينتقد فيه تدهور الأوضاع الصحفية في البلاد والتضييق على الصحفيين المستقلين بمناسبة اليوم العالمي للصحافة بتاريخ 03 مايو 2009 . و استتباعا لذلك وفي يوم 9 نوفمبر أعلنت أحزاب «حركة التجديد» و«الدّيموقراطي التقدمي» و«التكتل الديموقراطي من أجل العمل والحريات» (معارضة قانونية) وقف إصدار الجرائد الأسبوعية الناطقة باسمها لمدة أسبوع احتجاجا على ما أسمته ب «التضييقات الحكومية غير مسبوقة». وفي 26 نوفمبر أصدرت محكمة بتونس على الصحفي توفيق بن بريك بتهمة كيدية بستة أشهر سجنا وكذلك على الحقوقي والإعلامي زهير مخلوف على خلفية إجراء شريط استطلاع عن المنطقة الصناعية لمدينة نابل مدة ثلاثة أشهر و" تخطئته بمائتي دينار وتغريمه بستة آلاف دينار لفائدة القائم بالحق الشخصي" وتواصلت سلسلة المحاكمات والتضييقات على الإعلاميين المستقلين وتواصلت معها موجة الانتقادات التي أخذت منحى آخر بإعلان العشرات من الصحافيين والحقوقيين والجامعيين التونسيين في العاشر من ديسمبر/كانون الأول الجاري عن تأسيس لجنة وطنية للدفاع عن حرية التعبير والإعلام تهدف إلى "تقديم المقترحات والحلول لإرساء إعلام مستقل وتعددي وحر". ودعوا السلطة إلى رفع يدها عن الإعلام ورفع التضييقات والإنتهاكات التي يتعرض لها المعارضون والصحافيون.
من سمات السنة إلغاء الحج إن من أهم الأحداث في تونس هي إلغاء تنظيم موسم الحج إلى الأراضي المقدسة بدعوى "التحسب من إصابة الحجاج بأنفلونزا الخنازير ونقلهم الوباء إلى البلاد وبذلك حرم حوالي 9 آلاف من الحجاج من ممارسة الركن الخامس ،مع العلم أن تونس هي البلد الوحيد الذي اتخذ هذا القرار . وقد دفع كثيرا من الإعلاميين بأن هذا الإجراء خطوة خاطئة وغير مسبوقة بحكم أن المرض قد استشرى في البلاد من طرق أخرى وقد تأثرت به قطاعات عديدة منها على وجه الخصوص قطاع التعليم إذ تعطلت كثير من المدارس الأساسية وحتى الثانوية ..
ختام سنة 2009 محاكمة العمل الإنساني في ليلة عيد الإضحى وبينما كان السيد لطفي داسي ينتظر الصباح ليفرح مع زوجه وأبنائه بالمناسبة العظيمة ويذبح الأضحية حتى انقطع حبل كل هذه الأحلام بدخول زوار الفجر ليخطفوه من بين عائلته ويوغلوا به في دياجير ظلام لا يعرف مؤداه إلاّ من كابده واصطلى بناره الحرّى . ما هو الذنب الذي اقترفه السيد لطفي حتى يحرم من قضاء فرحة العيد مع عائلته وأقاربه؟ ماالذي جناه في حق المجتمع؟ هل قتل مثلما يفعل المجرمون دون وازع من دين ولا ضمير؟ هل نهب المال العام كما يفعل بعضهم باسم القانون وتحت نظر الخاص والعام؟ كلنا نذكر الكارثة التي اجتاحت مدينة الرديف والفيضانات التي أتت على منازل وأودت بحياة الكثيرين وبقي العديد منهم دون مأوى وكالعادة كانت عملية الإنقاذ للأهالي والمتضررين متأخرة جدّا وذلك بشهادة أغلب المتابعين وبحكم أن السيد لطفي وجمع من الشباب من الجهة فقد أفزعهم ما حدث من دمار وخراب وفقدان كثير من العائلات لمنازلهم لبّى نداء وجهته إليه "جمعية مرحمة الإغاثية" بمدها بقائمة لحالات من المتضررين من الفيضانات ومن مدينة الرديف . والجدير بالذكر أن الجمعية المذكورة لم تجد جهة "إغاثية " للتنسيق معها لتنفيذ مشروع الإعانة في إطار من الشفافية فماكان منها أن تتصل بالسيد لطفي داسي بحكم أنه من المنطقة . هذا هو الجرم الذي اقترفه السيد لطفي داسي عنوانه "إغاثة الملهوف وإكساء العريان " فما كان من السلطة أن كافأته بما هي معتادة عليه ،إعتقاله ومنعه من إدخال السرور على العائلات المحرومة بدعوى أن الأموال قد جاءت من الخارج وقد قدّم للمحاكمة هو وثلة من المناضلين في آخر يوم من سنة 2009 بتهمة "جمع أموال بدون رخصة" وحسب بيان "للجمعية الدولية للدفاع عن المساجين السياسيين" فقد كانت أسئلة القاضي تدور حول "توزيع أموال على أعضاء من حركة النهضة دون الحصول على رخصة فكانت إجابة السيد لطفي واضحة جلية :" أنه لم يقم بأي عمل ممنوع وأن الجمعية التي تلقى منها الأموال هي جمعية عالمية للإغاثة ولا تختص حسب علمه بمساعدة التونسيين فضلا عن الأشخاص الذين تم تجميع هوياتهم بنية مساعدتهم لا ينتمي أي منهم لحركة النهضة بل هم مواطنون عاديون من ضحايا الفيضانات التي شهدتها منطقة الرديف مؤكدا أن كل تحركاته كانت تحت أنظار البوليس وأن اتصالاته كانت علنية مضيفا أن فعل الخير لا يحتاج لرخصة من أحد . و لدى سؤاله عن علاقة هذا النشاط بحركة النهضة أجاب بأن هذا العمل لا علاقة له بأي شكل من الأشكال بأي طرف سياسي في الداخل أو في الخارج و أن ما ورد في المحاضر بخصوص هذا الموضوع كانت من إبداع أعوان أمن الدولة و لا علم له بمضمونها لأنه لم يتمكن من الإطلاع عليها " حسب ما ورد في بيان الجمعية بتاريخ 09.12.31 من خلال هذه النهاية غير السعيدة التي يختم بها النظام التونسي سنة انقضت يجدر بنا إبداء الملاحظات التالية : أولا: إن طبيعة النظام البوليسية والعمل الدؤوب على مواصلة القبضة الأمنية تجعل منه يضيق ذرعا بكل عمل لا يمر عبر مسالك الوصاية والرقابة فكان من الطبيعي أن يخنق كل نفس مستقل وديمقراطي وبالتالي فإن تغييرات في كل البنى المجتمعية في العام القادم لا تتم بتغيير رقمي بل بإرادة حقيقية نحو مزيد من الإنفتاح في مجال الحريات وبسط مدى للعدالة الإجتماعية . ثانيا: لم يسلم من بطش البوليس ومن سيف " القضاء" حتى العمل الإنساني البحت ومحاكمة يوم الخميس الواحد والثلاثين من كانون الأول/ديسمبر لمجرد إغاثة متضررين من كارثة خير دليل على ذلك. ثالثا: أمام هذا المشهد الحالك والمغلق من قبل النظام يعجب المرء من بعض االناس الذين يأملون في استقبال عام 2010 لمجرد خطوة من قبله تشوبها كثير من الملابسات والغموض "نثمنها وأنها تستحق التقدير" . كيف نثمن خطوة جزئية يعتريها الإبتزاز ويكتنفها كيل من الشروط والمجتمع يستقبل سنة بمحاكمات لأناس أرادوا المساهمة في عمل إنساني محض ؟ فمن نغالط لما يقول أحدهم منتشيا بحصوله على وثيقة إدارية -هي حق لكل تونسي يتسلمها دون قيد أوشرط - :"أعتقد أن هذه الخطوة تستحق التقدير والتثمين ،وأرجو أن تكون فاتحة خير لجميع المحرومين من هذا الحق ،وتجسيدا لما تضمنه خطاب رئيس الدولة بقوله قلوبنا مفتوحة وأيدينا ممدودة لكل التونسيين دون استثناء او إقصاء" وحبر كاتبة القاضي "فوزي الجبالي " لم يجفّ بعد ولم يسدل الستار على آخر محاكمة طرفها الأول في سنة 2009 وطرفها الآخر في 2010؟ أنقول للطفي وزهير مخلوف وتوفيق بن بريك وكل النشطاء من المعيب عليكم يد السلطة ممدودة إليكم لكنكم تركتموها معلقة في الفضاء ؟ من المعيب على الصادق شورو تصريحاته لقناة الحوار الفضائية ويد السلطة تأبى أن تنزل حتى تنتشله من "المعصية" التي دامت حوالي عشرين عاما . صدوقني لم أر إلا عصا غليظة قد هوت على كل من قال لا للظلم نعم لدولة القانون والمؤسسات الفاعلة التي تحترم كرامة الإنسان وتنتفي فيها ازدواجية المعايير. هذه سنة انقضت ونستقبل سنة جديدة فماذا نستشرف منها لبناء مستقبل يحدوه الأمل لعلنا نفيض فيها مقالا آخر يكون مكملا لما سبقه.