حتى يكون الجميع على بيّنة... تفاعلا مع خارطة الطريق وأخواتها
محمد سعيد الرحالي
إنّ الّذين يروّجون للأماني والأوهام الّتي لم نرها على الواقع والّتي أصبح يطبّل لها حتّى بعض قيادات رّسميّة لحركة النّهضة في مقالات على مواقع الانترنت كالذي تكرم به السادة النجار والنوري والبلدي أو ما جادت به من قبل قريحة عبعاب وجماعته، ليعطي انطباعا فضيعا عن عدم النضج السياسي والجهل المدقع بأصول وفنّ مقتضيات هذا العمل. فقيم وقناعات النّهضة رغم النّزيف الدّامي لا يمكن أن يُتنازل عنها، كما لا يحق أن تُباع بثمن بخس!! معاناة أطفالنا وحرمان ذوينا وشهدائنا الذين نحسب أنهم لا يرضون عن التلاعب بهذا التراث العظيم وطرحه على أرضية البلاط لقاء مكاسب حقيرة لبعض الأفراد سواء من الذين سئموا حياة الهجرة فرغبوا في التمتع بالإمكانيات السياحية لبلدهم بعد أن ملوا التجوال في مصائف أوروبا والشرق الأوسط أو من الذين مكنهم "ذكاؤهم الوقاد" من "الحفاظ على سلامتهم" في الداخل ورأوا سنين العمر تمر دون أيّ مغانم تذكر. فقد استيقظ هؤلاء - الذين ما قصرت الجماعة في رفع قدرهم في الشرق والغرب يوما - على "مكرومات" لنظام تونس لم يشهدوها على الساحة من قبل، مقابل أخطاء وأزمات داخل جماعتهم لم يتفطنوا لها أثناء نومهم أو بالأحرى أثناء تأسيسهم الجدي لحياتهم ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم.. خاصة إذا ما علمنا أنّ العالم اليوم يمر بأزمة اقتصادية حادة فلا اقل من "الأعمال الفاضلة" هذه الأيام للتقرب بها من النظام: من إعانته على "البناء" والعمل الجمعي معه لما "تتطلبه المرحلة من توحيد لجهود كل القوى الوطنية من اجل تخفيف انعكاساتها (الأزمة) السّلبية على مسيرة التنمية، وتحصين ركائز اقتصاد بلادنا". مثلما دعا إليه مجموعة 19 وأكده الد. النجار في خارطته المطروحة!! ويكون بذلك الإجماع "ضرورة وطنية"... وما عودة بعض الوجوه "الإسلامية" التي غابت عن الساحة خلال السنوات الطويلة الماضية وتخلت عن إخوانها وتبرأت من حركتها وهي اليوم تمتطي صهوة "قضية المصالحة" والتبرؤ من مسيرة العمل الماضي والتبرم من سلوك بعض القيادات لتزايد بها على العالمين وتتخذها قميص عثمان تحقق به نقاطا تنظيمية ومكاسب سياسية إلا إرهاصات لما هو آت... إنه حراك محير حقا ومريب في كل طياته .. "وهو يُشبه عمليّة انقلابية داخل الحركة لأنه يقفز فوق قرار المؤسسات ويوشك أن يُعلن عن شرعية بديلة!! فهل غاب عن أصحاب هذا الرأي وجود مؤسسات للحركة؟ أم هو التشكيك في أهليتها وتزكية النفس، وهو مسلك فاسد قد كان سلكه جماعة اليسار الذين لم يشكوا في أنّ الأغلبية ضدهم ولكنهم شككوا في كفاءتها.. فآل أمرهم إلى ما هو معروف."لقد غابت عن هؤلاء المتهافتين آخر المشوار حقيقة مجربة عند السابقين.." فالذي يُفلس في سربه فلن يكون حظه أوفر في سرب غيره.. ولا تغرنّكم مكانتكم فإنما هي (كانت) بتزكية الجماعة فإذا سحبتها بسبب قعودكم لها، مفرقين ومخذلين، فلن تكونوا شيئا مذكورا خارجها أبدا. ولا يغرنّكم عندئذ تصفيق وتهليل أجهزة القمع والنخب المعزولة لعملكم، فذلك كسب ضئيل مؤقت. اعتبروا باليسار الإسلامي وما آل إليه أمره حتى وسط النخبة التي صفقت له!! فلو أن المنتظم القانوني فيه سعة لاتسع لغيركم من ذوي القربى للنظام وحتى ممن ساهموا في بناءه"!! فقانون طبيعة الأشياء يُؤكد أن كل كيان سياسي اصطدم بصخرة الدولة، إلا وذهب شظايا وأكلته الانشقاقات والانقسامات، إن لم يكن في أتون المحنة فعند اقتسام المغانم. ويبدو أن النهضويين الذين عصمتهم بقايا دين من التشتت والانقسام في أتون المواجهة والمحنة، هم بصددهم إلى الفشل في امتحان المصالحة بعد أن نجحوا في امتحان المواجهة. انظروا إلى هؤلاء الذين يطلون برؤوسهم على الملإ الآن، فيهم من يُنظر لتأسيس صحوة إسلامية ثانية تختلف تماما في "العقليّة والمضمون" عن صحوته الأولى التي ربته واحتضنته وجعلت منه رمزا وعلمته الرماية، حتى إذا ما اشتد ساعده رماها.. وما تأكيده على "تسلمه" لجواز سفره "دون شرط" وعزمه على رجوعه إلى تونس بهويته "الإسلامية" لدليل على نية الانفصال وفق ما خفي ربما من تفاصيل مسبوقة وغير معلومة. في حين راح آخرون في تقييم أداء نظام تونس إلى مربعات بيضاء وسوداء دون أن يكون لحركته أي شيء يُذكر على مدى عقدين من الزمن، والتي أصبحت في منظوره لا تجيد إلا ثقافة "المظلومية" و"الهدم" التي "استولت على النفوس فأغفلنها عن استشراف البناء للمستقبل"، وبفعل غشامة قيادتها التي "تصدر التصريحات والمواقف متتالية تكرّس نفس المسار السابق.. فإذا هو تصعيد للتدافع في اتجاه الصدام" فآليات التحليل واضحة عند أصحاب هذا الاستخلاص: عدونا ربح المعركة ربما للأبد بسبب شطارته، ونحن خسرنا المعركة ربما للأبد بسبب غشامة قيادتنا وتصريحاتها العنترية! إنه تبسيط مخل بالحقيقة مضلل لكل تخطيط سليم، نهايته إما الانزواء والانكماش واليأس أو الوقوف على أعتاب العدو للاعتذار أملا في إنقاذ ما يمكن إنقاذه!! مقابل إظهار عجز قيادة الحركة الواضح حسب فهمه لها عن* *"* *أن تجلس مع الذات في لحظة صدق تحاسب فيها نفسها بصرامة عما يمكن أن تكون قد اقترفت من خطأ"* *وهو ما سارع السيد عبعاب لتوضيحه من خلال ما حبر* *حتى يكشف لنا مدى "ظلم الضحية وتهورها" و"براءة الظالم وحلمه" المتمثل حسب رأييه في* *تمادي حركة النهضة في "التعتيم على خيار العنف الذي انتهجته أو سمحت به هذه القيادة، خلال أوائل التسعينات والذي لا يمكن تبريره مهما كانت ردود الطرف المقابل (الدولة)" والتي من وظائفها حسب زعمه، "ضمان الاستقرار والأمان" حتى ولو كان بالسلخ والقمع المؤبد وسلب الحريات؟ ..* *انه جلد للذات ودفع غير واع إلى التحلل واليأس وتبرئة للعدو من جرائمه.. مع أن الحركة إذا كانت قد أخطأت والمؤكد أنها قد أخطأت فليس خطؤها بحال يتعلق بمشروعية مواجهة النظام فهو جدير بالمواجهة والعداء. وإن ما تؤاخذ عليه ويؤسف على عدم حصوله هو أن هذه المواجهة لم تفض إلى تخليص الشعب من هذا الكابوس الذي مثله ولا يزال حزب الدستور اللعين وجهاز القمع المتوحش والعصابة المتسلطة. إذا، فنحن في انتظار أن يسفر الخلاف عن خلفياته الحقيقية وقد أشار إليها السيد لعماري أخيرا على مواقع الحوار نت وتونس نيوز: انه لم يعد يؤمن بضرورة حركة إسلامية باعتبار"إن طبيعة انتشار التديّن وتعلق الناس بالمظهر والسلوك الإسلامي في البلد المسلم، يُمكن أن يحصل دون حاجة لوجود حركة حزبية إسلامية" لا، بل اتضح له بعد هذه السنين العجاف أن الإسلام الذي تهيمن عليه الدولة "وتشرف على مؤسساته التعليمية، وتنظم شعائره هو الأكثر تسامحاً وقبولا من طرف الخاصة والعامة، والأقدر على حماية المجتمع من الفتن الدينيّة" وعليه ومن هذا المنطلق يكون "قانون المساجد في تونس المنظم لشؤونها تدريسا وإمامة ونفقة على القائمين عليها، مكسبا وطنيّا وجب دعمه والمحافظة عليه" فهل هذا التلاقي والتكامل بين هؤلاء جاء صدفة؟
فالأمر في تقديرنا لن يطول حتى ينكشف.. ووعود هؤلاء إن كانت صادقة فهي لغو لأنه لم يفوضهم أحد بذلك وإن كانت للاستهلاك السياسي فالأمر أدهى وأمر إذ يكشف عن أن البعض لم يعد يفرق بين الحلال والحرام وكلاهما بيّن، وهو في كلا الحالتين افتئات على حقوق إخوانهم المصابين وتلاعب بمصيبتهم لا يشفع له حتى "نبل" الهدف.. فعلى النهضويين أن يحفظوا هذه الأسماء التي تمدح بن علي اليوم ليتابعوا نهاياتها بعد حين، حين يكتمل مسارها فتغير مداراتها كما فعل صنوانهم من نهازي مجموعة آفاق الذين تعجّ بهم الدواوين الحكومية خدم عند الديكتاتورية وماسحي أحذية العسكر. الأمل في عقلاء النهضة وكبرائها في الداخل والخارج أن يتداركوا الأمر ويخرجوا من الغيبوبة الإرادية التي دخلوا فيها تاركين الساحة قفرا تنعق فيها الغربان...في وقت كاد الإفلاس التام يحيق بنظام الفسق والفجور والاستبداد ومأزقه وعزلته وعجزه وانفضاض الناس من حوله ونفورهم التام واجتراء حتى أطفال المدارس عليه.... ولا يفوتني أخيرا، أن أوجّه نداء حارّا لكلّ من لم يعد يتحمّل فاتورة النّضال القاسية بعد هذه السّنين الطّويلة، أن يبحث عن حلّ فردي لنفسه ولأهله فقط.. وسيثمّن كلّ العقلاء في الجماعة شجاعته في ذلك، لأنّه لم يلجأ إلى أساليب دفع المجموعة للتّنازل عن المبادئ والأهداف الاستراتجيّة الكبرى لحركتنا القيميّة والّذي من أجلها دخل أفواج كثيرون السجون والمنافي منذ عقود طويلة وقاسية.