رفض الافراج عن سنية الدهماني    بودربالة يوجه الى نظيره الايراني برقية تعزية في وفاة إبراهيم رئيسي    فلاحون يستغيثون: فطريات ألحقت اضرارا فادحة بالطماطم المعدة للتحويل    الهلال الأحمر الإيراني يكشف تفاصيل جديدة حول تحطّم المروحية الرئاسية    أبطال إفريقيا: الكشف عن مدة غياب "علي معلول" عن الملاعب    وزيرة السعادة تحافظ على مركزها ال9 في التصنيف العالمي    تونس: عقوبات تصل إلى 3 سنوات سجنا لكل من يعتدي على أملاك الدولة    تقرير يتّهم بريطانيا بالتستر عن فضيحة دم ملوّث أودت بنحو 3000 شخص    مختص في الموارد المائية : تحلية مياه البحر هو خيار ضروري    تزامنا مع عيد الاضحى : منظمة ارشاد المستهلك توجه دعوة لقيس سعيد    كرة اليد: الهلالي يرفض تأجيل نهائي كأس كرة اليد ويحمل المسؤولية لجامعة كرة القدم    الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة تفادي النزول): برنامج مباريات الجولة الحادية عشرة    صفاقس اليوم الجهوي للحجيج    الشاعر مبروك السياري يتحصل على الجائزة الثانية في مسابقة أدبية بالسعودية    سيدي بوزيد: تواصل فعاليات الدورة 15 لمعرض التسوق بمشاركة حوالي 50 عارضا    نحو الترفيع في حجم التمويلات الموجهة لإجراء البحوث السريرية    فظيع: غرق شخص ببحيرة جبلية بجهة حمام بورقيبة..    القيروان: إنتشال جثة سبعينية من فسقية ماء بجلولة    قبلي: الإطاحة بمروج مخدرات وحجز كمية من المواد المخدرة    حاول سرقة محل تجاري بأسلحة بيضاء ...فوقع في قبضة أمن قرطاج    الجنائية الدولية تطلب إصدار مذكرة اعتقال ضدّ نتنياهو    الشاعر مبروك السياري والكاتبة الشابة سناء عبد الله يتألقان في مسابقة الدكتور عبد الرحمان العبد الله المشيقح الأدبية    وزارة التشغيل تمدّد في آجال التسجيل في برنامج مساندة المؤسسات الصغرى المتعثرة إلى غاية يوم 16 جوان القادم    البرلمان يعقد جلسات عامة للنظر في عدد من مشاريع القوانين    تونس : أنواع و أسعار تقويم الأسنان    غوارديولا يثير الشكوك حول مستقبله مع مانشستر سيتي على المدى الطويل    اشادات دولية.. القسّام تتفاعل وإعلام الكيان مصدوم...«دخلة» الترجي حديث العالم    هام/ هذه نسبة امتلاء السدود..    الأولمبي الباجي أمل جربة ( 2 1) باجة تعبر بعناء    انطلقت أشغاله الميدانيّة: التعداد السكاني دعامة للتنمية الاقتصادية    دول إفريقية مستعدّة لتنظيم عودة منظوريها طوعيا من تونس    فقدان 23 تونسيا في سواحل قربة ما القصة ؟    فيديو وصور يوثّقان المشاهد الأولى لحطام طائرة الرئيس الإيراني    تونس تقدم التعازي في وفاة الرئيس الايراني    استدعاء ثلاثة لاعبين لتشكيلة البرازيل في كوبا أمريكا واستبدال إيدرسون المصاب    سمير ماجول : ''القطاع الفلاحي هو مستقبل البلاد''    تونس تتوج ب 26 ميداليّة في المسابقة العالميّة لجودة زيت الزيتون في نيويورك    بداية من اليوم : إنطلاق تحيين السجل الإنتخابي للتونسيين المقيمين بالخارج    بينهم زعيم عربي.. زعماء دول قتلوا بحوادث تحطم طائرات    هذه أول دولة تعلن الحداد لمدة 3 أيام على وفاة الرئيس الايراني..#خبر_عاجل    عاجل/ وفاة رئيس ايران تنبأت به الفلكية ليلى عبد اللطيف قبل شهرين..وهذا ما قالته..!!    تحذير من موجة كورونا صيفية...ما القصة ؟    القصرين : الوحدات العسكرية تشارك أبناء الجهة احتفالاتها بالذكرى ال68 لإنبعاث الجيش الوطني التونسي    نهائي "الكاف": حمزة المثلوثي رجل مباراة الزمالك ونهضة بركان    البرلمان : يوم دراسي حول انضمام تونس إلى بروتوكول اتفاقية المنظمة العالميّة للتجارة بشأن حقوق الملكيّة الفكرية المتصلة بالتجارة    التوقعات الجوية لهذا اليوم الاثنين 20 ماي..    المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بسيدي بوزيد تستعد للموسم الثقافي والصيفي 2024    من هو المرشح الأول لخلافة الرئيس الإيراني؟    4 تتويجات تونسية ضمن جوائز النقاد للأفلام العربية 2024    في عيده ال84.. صور عادل إمام تتصدر مواقع التواصل    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    دار الثقافة بمعتمدية الرقاب تحتفي بشهرث الثراث    نحو 20 % من المصابين بارتفاع ضغط الدم يمكن علاجهم دون أدوية    إرتفاع قيمة صادرات المواد الفلاحية البيولوجية ب 24.5 بالمائة    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"مانديلا تونس" شاهد على عهد التغيير
نشر في الحوار نت يوم 08 - 01 - 2010


حرية التنظّم
حرية الصحافة والإعلام
إستقلالية القضاء
سياسة الإنتقام والتشفي
عرقلة إتجاه التطور


مقدّمة

أصدرت مجموعة من العلماء منهم الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، والأستاذ محمد مهدي عاكف المرشد العام للإخوان المسلمين، والشيخ فيصل مولوي عضو مجلس أمناء الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، نداء الى السلطة التونسية من أجل الإفراج عن السجين السياسي الشيخ الدكتور صادق شورو، الرئيس السابق لحركة النهضة. وقد تزامن هذا النداء مع حملة حقوقية وإعلامية تضمنت عريضة وطنية لمئات المناضلين السياسيين والنشطاء الحقوقيين يتقدمهم أقطاب المعارضة التونسية وقيادات المجتمع المدني منددين بالمحنة التي طالت أكثر من 18 سنة، منها 14 سنة في سجن إنفرادي، ومطالبين بالإفراج الفوري عن الدكتور صادق شورو الذي أطلق عليه لقب "مانديلا تونس" بالنظر الى طول محنته التي تعد أطول فترة يقضيها سياسي تونسي في السجن منذ انتصاب الحماية الفرنسية وعلى امتداد تاريخ تونس الحديث، بالإضافة الى شجاعة الدكتور صادق شورو في تحمل أمانة الدفاع عن الحريات في تونس، وان تطلب ذلك عودته الى سجن لم ينته بعد من نفض غباره عنه.

إمتد سجن الدكتور صادق شورو لما يقارب العقدين، وهي نفس فترة حكم التغيير الذي جاء بالرئيس ابن علي الى السلطة، اذا حذفنا منها السنتين الأوليتين، حيث كانت الأولوية في تلك الفترة الى تثبيت دعائم الحكم الجديد، والبحث عن الشرعية للإنقلاب على الرئيس الحبيب بورقيبة. وبمجرد صدور نتائج الإنتخابات سنة 89، والتي كشفت حقيقة التغيير من خلال عملية التزوير الواسعة التي قام بها النظام الجديد سدا للطريق أمام التيار الإسلامي، تبنت السلطة خطة تجفيف منابع التدين، وبدأت الأجهزة الأمنية في تنفيذ خطتها الإستئصالية لإجتثاث حركة النهضة، كنموذج عملي يقدم للمنطقة في كيفية التعاطي مع الظاهرة الإسلامية، والتبشير بالحل الأمني في تفكيك التنظيمات الإسلامية، وإعتقال قياداتها وملاحقة اعضائها لتتوزعهم المنافي والمعتقلات.

وفي سياق هذه الحملة أعتقل " مانديلا تونس" الدكتور صادق شورو رئيس حركة النهضة آنذاك، وتواصل سجنه الى اليوم، رغم إطلاق سراحه السنة الماضية لمدة 27 يوما فقط، ولكنه أعيد الى السجن مرة أخرى، شاهدا على أن شيئا لم يتغير في عهد التغيير، وهو ما يدفعنا إلى إعتباره خير شاهد على هذا العهد، وأحد العناوين الرئيسية للأزمة التونسية التي لم تجد طريقها الى الحل، منذ أعتقاله في بداية التسعينات الى اليوم.



حرية التّنظم

في مقدمة الحديث عن الحريات السياسية تأتي قضية حرية التنظم وهي حق دستوري لكل التونسيين، ولكن السلطة تصر على إحكام ضبط الإطار القانوني بما يناسب هيمنة الحزب الحاكم، ويمنع تواجد الأحزاب الجماهيرية والجادة مثل حركة النهضة وحزب العمال وحزب المؤتمر من أجل الجمهورية، بالإضافة الى حرمان العديد من الجمعيات و منظمات المجتمع المدني المستقلة من الإعتراف القانوني، مثل المجلس الوطني للحريات و منظمة حرية وانصاف والجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين، و الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب، وجمعية الصحفيين.

ورغم اجتهاد السلطة في صناعة ديكور ديمقراطي عبر الأحزاب المجهرية، أو ما يطلق عليه " بأحزاب الموالاة"، فإن سقف الحريات لا يكاد يستوعب حتى هذه الأحزاب عندما تتجاوز دورها في تزكية سياسات النظام القائم، فتتوهم "استقلاليتها" وتتجرأ على "النقد" الذي يقتضيه مقام المعارضة، بحثا عن قدر من المصداقية المفقودة. ولقد نجحت السلطة عبر رشاوى الإلتحاق بالبرلمان، والدعم المادي والمعنوي في دفع هذه " الاحزاب" للتنافس فيما بينها في إظهار موالاتها للنظام القائم وتزكية سياساته، بل و التهجم على قيادات المعارضة و المجتمع المدني بالعزف على وتر التخوين والإستقواء بالأجنبي والعمالة للصهاينة، تمهيدا لتصفيات جسدية لاحت نذرها فيما تعرض له عبد الرؤف العيادي نائب رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، ورسائل التهديد التي استلمها بعض المناضلين في المهجر في الأيام الأخيرة.

لقد رفع الدكتور صادق شورو منذ بداية التسعينات مطلب الحريات وفي مقدمتها حرية التنظم للجميع، وأعادت السلطة إعتقاله السنة الماضية بتهمة "الإحتفاظ بجمعية غير مرخص فيها"، وهي نفس التهمة التي أعتقل بموجبها الالآف من التونسيين مع بداية عهد التغيير، مما يعني أن الوضع التونسي في ظل النظام القائم لم يستطع تجاوز معضلة حرية التنظم السياسي، بإعتبارها احدى العقد الأساسية في الأزمة التونسية، و أن الحل الأمني الذي بشر به التغيير لما يقارب العقدين، فشل في تجاوز هذه القضية التي نجح الدكتور صادق شورو في رفع لوائها عاليا عند أول حوار صحفي، لينبه الجميع الى أن هناك قضية مركزية لم تحل بعد، وأننا منذ عقدين لم نغادر المربع الأول، وأن تفكيك التنظمات بقوة البطش لايمكن ان يكون بديلا عن حق المواطنين الدستوري في التنظم في الأحزاب والجمعيات والمنظمات التي يختارونها بإراتهم الحرة.

كما نجح الدكتور صادق شورو في التعالي عن جرحه وألمه الشخصي رغم سنوات المحنة التي قد تورث عند البعض حقدا وتطرفا ونزوعا الى الإنتقام، فأعلن صراحة تمسكه بالمبادئ التي تأسست عليها حركته ومنها رفضها للعنف، وتمسكها بالنّضال السلمي المدني، وقبولها بالديمقراطية والإحتكام لصناديق الإقتراع، ممّا أحرج النظام القائم الذي دأب على تشويه سمعة الحركة الإسلامية بإعتبارها حركة إرهابية، تمثل تهديدا لمكاسب الحداثة التونسية، ولا تختلف عن الجماعات الإسلامية المقاتلة، وأن الفضل لخطته الأمنية الإستئصالية التي حمت البلاد و الضفة الجنوبية للمتوسط من "طالبان تونس والملا صادق شورو".

وبقدر ما نجحت دول اسلامية عديدة من اندونيسيا الى المغرب في استيعاب الظاهرة الإسلامية، فإن الحالة التونسية تشكل شذوذا ونشازا حتى في جوارها العربي، رغم سبق الحركة الإسلامية التونسية المشهود في الساحة الإسلامية في التأصيل لقيم الحداثة والحرية، وتبنيها منذ تأسيسها سنة 81 للخيار الديمقراطي الذي كان غريبا على الساحة الإسلامية في ذلك الوقت، مما يعني ان التطرف في الحالة التونسية لا علاقة له بالتيار الإسلامي، وانما في الدولة التي تخضع بالكامل لهيمنة الجهاز الأمني، و تستغلها قوى يسارية استئصالية معادية لكل ما هو اسلامي، حتى طالت موسم الحج الذي انفرد النظام التونسي بمنعه دون العالمين، بعد ان تعدى على آيات الله تعالى بسنه قانون 108 الذي يمنع ارتداء الحجاب، وتمتع بحصانته الى اليوم مجرمي ادارة السجون ممن دنس كتاب الله. ذلك ما يفسر نجاح دول الجوار مثل الجزائر وليبيا في رأب الصدع بين الدولة والجماعات الإسلامية، رغم الدماء التي سالت في الجزائر وخلفت آلاف القتلى، في حين تعذر قيام المصالحة في تونس، لغياب الإرادة السياسية لدى السلطة، رغم النقد الذاتي الذي نشرته الحركة الإسلامية التونسية و تكاد تنفرد به عن جميع التيارات السياسية في العالم العربي، وتبنيها العلني لخيار المصالحة الشاملة منذ مؤتمر 95 الى اليوم.



حرية الصحافة والإعلام

لا يمكن للحياة السياسية أن تشهد تطورا مشهودا في غياب حرية الصحافة والإعلام. لقد كان إصرار الدكتور صادق شورو على التعبير عن رأيه في وسائل الإعلام، رغم التهديدات التي وجهت له والمصير الذي ينتظره، فاضحا لسقف حرية التعبير في تونس، ولوضع حرية الإعلام والصحافة الذي يسير في اتجاه تراجعي منذ بداية التغيير الى اليوم. فقد أعيد الدكتور صادق شورو الى السجن بتهمة "نشر أخبار زائفة" تتعلق بتصريحاته حول التعذيب الذي تعرض له سجناء حركة النهضة، ولا يزال سجناء السلفية من الشباب المتدين يتعرضون له، وقد تجاوز عددهم بحسب الجمعيات الحقوقية 2000 معتقل. فسياسة السلطة تهدف دائما الى التعتيم على واقع الحريات في تونس، وخاصة ممارسات التعذيب المنهجي في السجون التونسية، والذي تصر على انكاره رغم اجماع المنظمات الحقوقية الدولية والوطنية على اتهامها بالتورط فيه، ووفاة حوالي 60 سجينا سياسيا، بعضهم تحت التعذيب، وبعضهم بسبب الإهمال الصحي الذي تعرضوا له طوال سنوات السجن.

والمتأمل في المشهد الإعلامي بتونس ، يشهد تراجعا كبيرا بالمقارنة مع سنوات الثمانينات من القرن الماضي، حيث كانت صحيفة "الرأي" و"المستقبل" والمجلة "المغرب العربي" منابر إعلامية تتيح قدرا من الحرية، وتفتح للخطاب السياسي المعارض مجالا للتعبير بات اليوم معدوما، وقد تعرضت صحيفة "الموقف" للحزب الديمقراطي التقدمي، الى مضايقات وملاحقات أمنية، دفعت مديرها ورئيس تحريرها الى الإضراب عن الطعام، احتجاجا على تلك المضايقات، فيما دفع الحصار المضروب على الصحيفة الأمينة العامة للحزب مية الجريبي للنزول الى الشارع بنفسها لتوزيع الصحيفة. ولقد نجحت السلطة في تدبير انقلاب على جمعية الصحفيين الشرعية، و تمادت في إعتقال الصحفيبن ( زهير مخلوف وتوفيق بن بريك) وأطلقت يد أجهزتها الأمنية للإعتداء بالعنف في المطار، استقبلا لكل من تسول له نفسه الحديث في وسائل الإعلام الدولية وخاصة الجزيرة، عن واقع الحريات في تونس.

ولأن مسار التدهور لا نهاية له، فقد بلغ التدهور الإعلامي في تونس الى حد تجنيد الصحافة القريبة من السلطة، و التي باتت تسمى "بصحافة المجاري" الى تشويه سمعة المناضلين السياسيين والنشطاء الحقوقيين، والنيل من أعراضهم، واتهامهم بالخيانة والإستقواء بالأجنبي، والعمالة للصهيونية تشجيعا على تصفيتهم.



إستقلالية القضاء

رغم كل الإدعاءات التي تدعيها السلطة حول استقلالية القضاء و دولة القانون والمؤسسات ومساواة الجميع امام القانون، فإن المتابعين للشأن التونسي يعلمون مدى توظيف القضاء في القضايا السياسية ومحاكمات الرأي وخضوعه بالكامل الى سلطة الأجهزة الأمنية. وفي سياق الهيمنة على سلك القضاء دبرت السلطة كعادتها انقلابا على جمعية القضاة، وبات القضاء سيفا مسلطا على رقاب المناضلين السياسيين والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان، توظفه السلطة لتصفية حساباتها السياسية مع خصومها.

فقد أحيل الدكتور صادق شورو في بداية التسعينات وهو على رأس تيار سياسي ودكتور بكلية الطب على القضاء العسكري، رغم احتجاج المحامين بعدم صلاحية المحكمة بالنظر في القضايا السياسية. وقد قضت المحكمة بسجنه مدى الحياة في غياب الأدلة المادية التي تدينه، و دون تحقيق في التعذيب الوحشي الذي تعرض له، فمن عادة القضاء التونسي تجاهل شكاوى التعذيب، بل إن الإعتداء بالعنف على المتهمين تم احيانا في قاعة المحكمة، و أمام انظار القاضي وأهالي المتهمين من الشباب السلفي، الذي قدم قربانا على مذبح المشاركة في المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب، ولم تشفع حتى الإعاقة الذهنية لبعضهم للنجاة من هذا الجحيم.

لقد تجند السنة الماضية اكثر من 30 محاميا للدفاع عن الدكتور صادق شورو، وإثبات أنه لا يصح عقلا اتهامه بالإحتفاظ بجمعية منفردا، و لا يمكن له واقعا العمل على الإحتفاظ بجمعية غير مرخص فيها وهو المحاصر في بيته من قبل البوليس السياسي منذ يوم خروجه الى تاريخ اعتقاله، ومع ذلك أثبت القضاء التهمة دون دليل مادي، وقضى بالسجن النافذ لمدة سنة بتعلة واهية، أصبح بمقتضاها جرم الإحتفاظ بجمعية عملية ذهنية، يمكن اقترافها داخل بيت محاصر بثلاث سيارات للأمن على مدار الساعة!



سياسة الإنتقام والتشفي

تحدثت وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية التونسية والدولية عن سياسة الإنتقام والتشفي التي يتعرض لها السجناء السياسيون في تونس، بداية من التعذيب والسجن الإنفرادي، وصولا الى تلويث الطعام ووضع السجين السياسي مع سجناء الحق العام الذين تجند الإدارة بعضهم للإعتداء عليه. وقد كان للدكتور الصادق شورو النصيب الأوفى من كل هذه الممارسات اللاقانونية، غير أن سياسة الإنتقام والتشفي، لا تتوقف عند انتهاء فترة السجن، وإنما تستمر الى ما بعده، وقد كانت فترة اطلاق سراح الدكتور صادق شورو، والتي لم تتجاوز 27 يوما، كافية لتسليط الضوء على احدى المظالم المنسية في عهد التغيير، فقد أصر الدكتور صادق شورو على ممارسة حقوقه كاملة غير منقوصة كمواطن تونسي دفع ثمن حريته غاليا، مسلطا الضوء على مظلمة صامتة لآلاف المواطنين يتجرعون مرارة التمييز في وطن لا يتحدثون فيه عن حق الإنتخاب أوالترشح أو التنظم والتعبير عن الرأي، وإنما مجرد عودتهم و أقاربهم الى أعمالهم - الدكتور عباس شورو الأخ الشقيق للدكتور صادق شورولممنوع من العودة الى عمله في الجامعة التونسية رغم حيازته على دكتوراه دولة في الكيمياء - والحصول على جواز سفر وحرية التنقل داخل البلاد أو السفر بحثا عن مورد للرزق أو العلاج - البروفيسور منصف بن سالم عالم الرياضيات المعروف دوليا ممنوع من السفر للعلاج-

لقد كان صوت الدكتور صادق شورو مدويا في التمسك بحقوق المواطنة كاملة غير مشروطة، و مفاجئا للسلطة التي اعتادت من ضحاياها الذين انهكتهم سنوات السجن والتعذيب التكيف مع شروطها الظالمة، فأعادته الى السجن بعد ان أسقطت حكم السراح الشرطي ليقضي سنتين سجنا، وبذلك تبلغ سياسة الإنتقام والتشفي ضد الدكتور صادق شورو حدودها القصوى، مستنفذة حقدها الدفين، لتجعل منه في تعاليه عليها زعيما وطنيا يطاول نلسون مانديلا، وقائدا إسلاميا يقف في الصف الأول لمجاهدي هذه الأمة.



عرقلة إتجاه التطور

بقدر ما كان الدكتور صادق شورو شاهدا على تكلس الحياة السياسية في تونس لما يقارب العقدين بسبب إنغلاق السلطة، فإنه كذلك شاهد على تطور نوعي في صفوف المعارضة والمجتمع المدني، برز جليا في محاكمته الأخيرة التي تطوع فيها حوالي 30 محاميا من مختلف الإتجهات الفكرية والسياسية للدفاع عنه، كما اجمعت المنظمات الحقوقية التونسية وفي مقدمتهم الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في بيان مشترك على التنديد بالمظلمة التي تعرض لها الدكتور صادق شورو، والمطالبة بإطلاق سراحه فورا دون قيد او شرط، وهو ما لم يحدث في بداية التسعينات أثناء محاكمته الأولى، مما يشير الى تطور نوعي في الساحة التونسية لا تخطئه العين، خاصة لدى النخبة السياسية المعارضة التي باتت ترفض الإقصاء بعد أن وقفت على نتائجه الكارثية على الجميع، وأصبحت ترفع مجتمعة مطلب الحريات، الذي كان ينادي به الدكتور شورو منذ بداية التسعينات، مما يعني ان الساحة الوطنية قد تهيأت بكل مكوناتها تقريبا لإحتضان هذا المطلب والتجند للدفاع عنه، فلا مجال أمام السلطة اليوم سوى الإرتقاء الى مستوى النخبة السياسية المعارضة بالعمل على بسط الحريات، والإعتراف بكل مكونات الشعب التونسي مهما اختلفت توجهاتهم الفكرية والسياسية، أو الإستمرار في نهج الإنغلاق هروبا من مواجهة استحقاقات باتت ضرورية، وتتسع دائرة المدافعين عنها يوما بعد يوم. ومن الحكمة أن تضع السلطة نفسها في مسار تطور التاريخ بإطلاق سراح "مانديلا تونس"، وبسط الحريات للجميع، بدلا من أن تظل عائقا أمام تطور الحياة السياسية في البلاد، وإهدار الطاقات في صراعات لا طائل من ورائها، سوى عرقلة مسار التطور الى حين، ولكنه لا قبل لها بصده الى ما لانهاية عن بلوغ غايته، ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا.
مصدر الخبر : الجزيرة نت
a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=3397&t="مانديلا تونس" شاهد على عهد التغيير&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.