مؤلمة أبعاده ذلك النداء الذي أطلقه الدكتور الصادق شورو لعلماء الأمة، فأن يخرج الرجل باستغاثة من الحيّز الوطني إلى حيّز أكبر وأن يطلق صوته من داخل أسوار السجن إلى خارج أسوار الوطن السجين، هذا أمر يحمل دلالات كبيرة لا يمكن المرور عليها مر الكرام. نحن لسنا أمام تصفح لنوايا ومقاصد الرجل فأفعاله القوية الثابتة أفصحت منذ الأمس البعيد وليس اليوم عن سريرته الطيبة وطبيعته الصافية الخالية من الطفيليات المعدّة أصلا لكبار المهام وجسامها، مهام كبرت في عين صغارها وصغرت في عين هذا الثابت في وجه الزبانية.
مفصل الحديث يدوراليوم حول الأداء الباهت للنخب التونسية في نصرة الصادق من مستقلين وأحزاب وجمعيات حقوقيّة ونقابيّة وعلميّة على اختلافها.. فالرجل مثلما تقلب بين حنايا النضال السياسي فقد عرفته الساحة الدعوية ومجالات البحث العلمية وغيرها مما قدّم فيها - القليل كان أو الكثير- .
مختلفة ومتعددة تلك الدوائر التي هبّت لنصرة صحفيّ أو حقوقيّ أو نقابيّ.. واستماتت في الذود عنه ولم تتعبها الأيام، كما لم تنل العوائق من حيوية اندفاعها نحو مراكمة النضال ومواصلته بنسق متصاعد ومتتابع حتى كان أو كانوا خارج أسوار السجون.
لقد شاهدنا وتابعنا وأسهمنا في الذود عن الأستاذ عبو، ولم تتعب الأقلام ولا ماكينة النضال، ولا هي اعتراها الخلل والعطب، وكانت السيدة زوجته في قلب الحدث مُناصرة ومُؤازرة من لدن العديد من الفعاليات جمعيات وافراد... ثم إنّ القضية لم تغب عن الأقلام والمنابر الإعلامية ودوائر النضال لتبقى هاجس السلطة تشاغبها وتعكر عليها مزاجها، كذا الأمر مع الصحفي المتميز سليم بوخذير الذي ما زلنا نذكر كمية الضغط المتواصل التي مارستها العائلة السياسيّة والحقوقيّة والإعلاميّة على النظام وعدم استسلامها لسياسة الأمر الواقع التي انتهجتها السلطة في مجمل انتهاكاتها حيث تمتصّ الهبة الأولى ثم ترسّخ الحالة كأمر واقع.
السيدات سهام بن سدرين، أم زياد، راضية النصراوي، فاطمة قسيلة.. والسادة العياشي الهمامي، عبد الرؤوف العيادي، عمر المستيري، عدنان حاجي.. وقائمة طويلة من ضحايا النظام سجنا وعنفا وقذفا وتحرشا وحالات أخرى وجدت عند محنتها مُؤازرة مكثفة من لدن المنظومة التي تمردت على عباءة السلطة وانخرطت في نضال جاد ينتصر للمظلوم مهما كانت مشاربه.
فيا حبذا لو تركنا النضال الحقوقي بلا عناوين فرعية وجنبناه التدقيق في هوية المظلومين وأطلقناه في فضاء رحب يسع الجميع بعيدا عن خلفياتهم الفكرية والأديولوجية والسياسية... لا ننسى أنّ للصادق دين في عنق الكل، من نخب وطنه المخلصين إلى أبناء حركته وحتى مؤسساتها الذين ربما اعتقدوا إلى حين أنّهم أنصفوا الرجل حقه.. لم يحدث هذا ومازال الوقت مبكرا حتى نقرّ بذلك ، فالرجل أكبر مما قُدم له بكثير، لقد قدم هذا الصابر خدمة جليلة للحركة الإسلامية وللطيف السياسي التونسي ككل،،، كان ذلك حين خُيّر بين أن يكون شخصا مجردا.. رجلا في الزحام.. رقما في الشارع.. تتخذه السلطة مطية لتفريخ الانبطاح أو أن يكون خلف قضبان سجانيه بشخصه وصفته، يؤنسه ما أطلقه عليه جلادوه "احتفاظ بجمعية غير مرخص لها"، فاختار بشجاعة نادرة أن لا يقطع مع ماضيه وأن يوصل سبعينيات القرن الماضي بالعشرية الأولى للألفية الثالثة.
إنّ الحقوق الدنيا للإنسان لا تخضع لمعادلة توازن القوى، وإنّ أبسط حقوق الآدمية لا يمكن لها أن تترقب تصاريح لا تأتي من مخافر البوليس، وأنّ كثيرا من النضالات والإنجازات والمكتسبات ذهبت سدى نظرا للعقلانية المفرطة والحذر المتورّم.
إنّه وإن يستهين النظام اليوم ويعبث بأبسط حقوق رئيس حزب معتبر بما يحمله من ثقل سياسيّ وعلميّ وأخلاقيّ .. غدا يهون ما بعده فإن استبيحت كبارها فما الذي يحبس الجلاد عن صغارها.
إنّ النزول تحت الدرجة الدنيا من النضال يعتبر شكلا من أشكال العبث، وإنّ "التغيير" بطابوره وحاشيته يريدون من الصادق وغيره أن لا ينطقوا حتى: ب أ ،،ب،، ت ،،ج ،،ح...لا،، نعم ،،من ،،في ،،متى،، كيف،، لعل،، ربما ...
إنّنا أمام نظام يخوض حربا نفسية ومادية على النخبة والعوام ويستدرجهم ترغيبا وترهيبا خارج طينة الآدمية ليزج بهم في حظائر الأنعام حتى يتعلموا المواء والغثاء والصهيل والرغاء ثم يتفرّغ لتعديد إنجازاته بل "معجزاته" دون تنغيص ولا تشويش.
لا تريد السلطة إلا كلمة "هوسسسسس" صمتا وتركيزا وتدبرا وتمعّنا في مسيرة التغيير وإنجازاتها الجسام، النظام يريد منّا أنّ نعشق،، نذوب،، بل نهيم في يوم،، في فجر،، في لحظة السابع من نوفمبر، في كلمة إنّهم يريدون اختزال تاريخ تونس من العصر الحجري إلى يوم الناس هذا، في "الزعيم" يريدون أن يصبح الشعب بأسره قيس وكثير وابن زيدون وعنترة والبراق وليلى وعبلة وعزّة وولادة ولبنى.. رجل التغيير.
ولكم أيّها السادة المناضلين سديد النظر في اليقظة من عدمها،،، في التجرّد من الإمعان في الإزدواجية.