د.أحمد القديدي (*) قرأت تقريبا كل ما كتبه الأستاذ عبد الوهاب المؤدب التونسي الأصل والفرنسي جنسية وثقافة حول الإسلام وكنت دائما أضع أفكاره ومقترحاته ضمن تصوره للعلاقة بين الدين والحداثة أي في إطار الاجتهاد التنويري والتجديدي الذي تتطلبه حضارة المسلمين. مثله مثل الأستاذ الفاضل عبد المجيد الشرفي. وتابعت تدخلات هذا المثقف في إذاعة (فرانس كولتير) وفي منابر أخرى أبرزها حواره مع طارق رمضان. ولكني أعترف أني صدمت صدمة عميقة حين طالعت الحديث الذي أدلى به عبد الوهاب المؤدب هذا الأسبوع لمجلة (لوبوان) الأسبوعية الباريسة على صفحتين 82 و83 بمناسبة تفكير السلطات الفرنسية في منع البرقع بالقانون، وهو حق هذه السلطة في بلادها. أما سبب صدمتي فهو ما لمسته من تحول المؤدب المفاجىء من فكر التنوير إلى دور التحقير والتدمير إزاء الإسلام، ولعل غاية الكاتب هي مع الأسف كسب تعاطف اليمين المتطرف في الغرب وفي فرنسا بالذات باستعمال اللغة التي تدين وتهدم وتنسف عوض التمسك بالمنهج الأكاديمي الذي ينير وينقد و يقارن! وحتى لا أظلم الرجل سأدعو القراء الأفاضل أن يكونوا شهودا للحكم بنزاهة على بعض الأفكار الغريبة الواردة في الحديث المذكور في حالة لم يكذبها السيد عبد الوهاب أو يصححها في العدد القادم من المجلة. يقول الكاتب حرفيا: "إنّ الإسلام اليوم غبي ومكروه ولديه الوسائل ليكون ذكيا ومحبوبا"! وهذا الرأي مناف تماما للعقل الأكاديمي العلمي، إذ مهما بلغ حقد الرجل على دينه فمن الغباء اتهام الإسلام كحضارة وكدين سماوي محترم بالغباء وإضافة وصمة كونه مكروها! فهذا الاتهام الغريب للإسلام كله بكونه غبيا ومكروها يستحق إما التوضيح أو التصحيح لأنّ شتيمة كهذه لا يمكن أن تصدر عن باحث جامعي ومسلم ويخاطب الغرب بلغته. في فقرة أخرى من هذا الحديث يقول السيد المؤدب حرفيا أيضا: "في زمن قديم كانت الحضارة محمولة على اللغة العربية كان المفكر (أبيلار) الأوروبي ينصح الأوروبيين قائلا لهم: تعربوا! أما اليوم فإنّ الحضارة غربية ولذلك أقول للمسلمين: تغربوا" وهذا الرأي - النصيحة - فيه إجحاف بالحقيقة التاريخية ودعوة المسلمين لقبول الهزيمة الحضارية وهو ضد مبدإ تداول الحضارات للقوة والضعف والتدافع الطبيعي بينها. فهو إذن رأي مردود على صاحبه لأنه مخالف لمنطق تعاقب الأمم منذ فجر البشرية إلى اليوم. فالدعوة لتغرب المسلمين (مع الراء المشددة) هي في الواقع دعوة لذوبان أمتهم في الغرب... ثم أي غرب يدعونا السيد المؤدب للذوبان فيه؟ هل هو غرب البربرية التي فضحها أكبر مفكري الغرب المثقف الفرنسي من أصل بلغاري (سفيدان تودوروف) في كتابه الأخير (الخوف من البرابرة) ذلك الغرب الذي أنجب الحروب الصليبية والنازية والعنصرية والاستعمار وحروب الإبادة العرقية والعبودية وإلقاء قنابل ذرية على المدن اليابانية والقنابل العنقودية على العراق وأفغانستان والمنتهك لكرامة المسلمين في غوانتنامو وأبو غريب وباغرام؟ أم هو غرب القيم الإنسانية والعلمية والديمقراطية التي لا نحسب تاريخ المسلمين خاليا منها لأنّ السيد المؤدب يبدو منكرا على الأقل في نصوصه لكل ما أضافه المسلمون للحضارة الإنسانية والغربية بالذات. وينهي الكاتب حديثه للمجلة بدرة فريدة أدهشتني شخصيا وهي نعت الإسلام بمعاداة السامية وهي شبهة ينسبها الرجل لقناة الجزيرة! التي حسب رأيه "تغذي" كراهية المسلمين لليهود!" ثم يختم حديثه بالقول حرفيا: "إنني أذكر كل مسلم بأنّ الإسلام هو وليد اليهودية! وبأنّ اليهود لا يمكن أن يكونوا أعداءنا لأنهم آباؤنا...!" هذه بعض مقتطفات من كلام رجل مسلم كان والده رحمه الله مدرسا لعلم القراءات في الجامعة الزيتونية الشيخ المختار المؤدب. وأنا ما أزال معتقدا بأنّ السيد عبدالوهاب ربما سيصحح هذه الأفكار المغلوطة التي ربما ألصقوها به. أما إذا كان الرجل يؤمن بما جاء في حديثه فهو مطالب بأن يقدم الحجج والبراهين على صحتها لأنها لا تستند إلى حق، ولم يقلها حتى ألد أعداء الإسلام! (*) رئيس الأكاديمية الأوروبية للعلاقات الدولية بباريس