مرصد مراقبة الإنتخابات في تونس يثير جدلا حول حياديته مختار اليحياوي: المرصد هيئة صورية والقضاء حاليّا في خدمة السلطة
إسماعيل دبارة - تونس إسماعيل دبارة من تونس: منذ أن أعلن في السابع والعشرين من يوليو الماضي عن تشكيل المرصد الوطني للانتخابات، بقيادة رئيس المركز التونسي للتحكيم المحامي عبد الوهاب الباهي، والجدل يحتدم حول استقلاليته والغاية التي دفعت بالحكومة لإطلاقه. ففي حين طعن عدد من الأحزاب التي أعلنت نيتها المشاركة في الانتخابات العامة المزمع إجراؤها في أكتوبر تشرين الأوّل المقبل ، رحبّت أحزاب أخرى تحسب على الموالاة بتشكيل هذا المرصد و اعتبرته " ضمانا لمراقبة دقيقة للحملات الانتخابية وعمليات التصويت في الانتخابات التشريعية والرئاسية هذه السنة". . ويتشكّل المرصد الذي تعهّد رئيسه "القيام بالواجب وفق ما يمليه القانون"من27 عضوا، 20 رجلا وسبع نساء يمثلون مختلف الاختصاصات من إعلاميين ورجال قانون وأطباء وأساتذة جامعيين وكُلّف المرصد ب" تفعيل الضمانات الدستورية والقانون الانتخابي مع متابعة سير العملية الانتخابية في مختلف مراحلها وتدوين ذلك في تقرير يرفع في النهاية إلى رئيس الجمهورية ويتضمن كل التفاصيل بما في ذلك الخروقات التي قد تشهدها مختلف مراحل العملية الانتخابية". وشجب عدد من أحزاب المعارضة القانونيّة وغير القانونية تعيين الرئيس بن علي لرئيس المرصد وهو أحد المُرشحين ، دون استشارة بقية منافسيه ، إلا أنّ عبد الوهاب الباهي مدير المرصد قال في تصريحات صحفية "إن تعيينه من قبل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي سيترشح لولاية جديدة لن يؤثر في حياديته. فبن علي دعا إلى تشكيل هيئة وطنية للانتخابات ليس بوصفه مترشحا وإنما بصفته رئيسا للدولة". إلا أنّ أطيافا من المعارضة اعتبرت المرصد محاولة للالتفاف على هيئة رقابية حقيقية ترصد التجاوزات وتكون ممثلة لجميع الأطراف ، إذ إنّه في كل انتخابات تكون هناك منافسة بين أطراف سياسية مختلفة فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتولى طرف من المتنافسين تعيين المرصد الذي سيراقب المسار الانتخابي. بل إنّ الحزب الديمقراطي التقدّمي اعتبر المرصد على لسان أحد قيادييه "هيئة حزبية تابعة لطرف معيّن على الرغم من تطعيمه ببعض الشخصيات المستقلة، وسيكون عمله نسخة من تقريره في الانتخابات السابقة أي تبرير مطلق للتجاوزات التي يرتكبها الحزب الحاكم ضد منافسيه". عمليّا ،شرع أعضاء المرصد الوطني للانتخابات في القيام بزيارات ميدانية تهدف إلى مراقبة عملية ترسيم المواطنين بالقائمات الانتخابية وتسليم البطاقات الانتخابية ، في إطار المهام التي أوكلت إليهم لمتابعة مختلف أطوار الانتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2009. وزار مدير المرصد رفقة عدد من أعضاء المرصد بعض المحافظات وأجروا لقاءات مع الهياكل الإدارية المعنية بالانتخابات الرئاسية والتشريعية وقاموا بتحقيقات ميدانية بالبلديات والمعتمديات ويقول أعضاء المركز إنّ وظيفتهم تتمثّل في "التثبت من حسن تطبيق مقتضيات المجلة الانتخابية في كل ما يتصل بتأمين مبدأ المراجعة الدائمة للقائمات الانتخابية، تجسيما لحق كل مواطن في طلب ترسيمه بهذه القائمات وتسليم البطاقات الانتخابية إلى مستحقيها". علاوة على " الاهتمام بمراقبة حسن سير الإجراءات المتعلقة بتطبيق مقتضيات القانون المتعلق بتنقيح الفصل 20 من الدستور والتخفيض في سن الانتخابات إلى 18 سنة بغية التأكد من تأمين ترسيم المواطنين البالغين 18 سنة بالقائمات الانتخابية." واهتم أعضاء المرصد كذلك بعمليات مسك الدفاتر وتوزيع بطاقات الانتخاب للتأكد من توحيد الطرق المعمول بها في مختلف المناطق ومطابقتها للإجراءات المحددة بالمجلة الانتخابية، إلى جانب التأكد من حسن تطبيق مقتضيات المجلة الانتخابية المتعلقة بعمل الآليات المتعهدة بفض النزاعات عند الاقتضاء. يقول القاضي السابق مختار اليحياوي في تصريحات خصّ بها "إيلاف" إنّ وسائل الإعلام في تونس تعاملت مع خبر إطلاق المرصد بما يبعث على الاعتقاد أن الأمر يتعلق بمؤسسة دستورية جديدة لدعم شفافية الانتخابات و حيادها ومصداقيتها. كما ساهمت تصريحات الرئيس المُعين لهذه الهيئة في هذه المغالطة الإعلامية حول حقيقة الطبيعة القانونية لهذه المؤسسة التي أمره بتشكيلها أحد المرشحين للانتخابات الرئاسية القادمة و تم تعيين أعوانها دون تدخل أو استشارة غيره و تعهد بمفرده تمويل نشاطها كما أنه حدد الغرض منها في إعداد تقرير تقدمه لشخصه دون غيره بعد نهاية أعمالها وهي بالتالي أقرب للشركة الخاصة منها للمؤسسة السياسية". و يتساءل اليحياوي :" ماذا سيحصل لو قام كل مترشح من المرشحين للانتخابات الرئاسية القادمة بتكوين مرصد خاص به لهذه الانتخابات و كلفه بتقديم تقرير له عندما يصبح رئيسا للجمهورية؟ ويرى المختار اليحياوي وهو ناشط حقوقيّ عزل من منصبه كقاض بعد أن طالب في رسالة وجهها إلى الرئيس بن علي بضمان استقلالية القضاء التونسيّ أنّ "المفارقة الأغرب في وضعية هذا المرصد ليست في كونه قائمًا على أساس غير قانوني فحسب و لكن في كونه قائمًا على انتحال صفة لا يملكها و لا يمكن أن يدعي امتلاكها أي عضو من أعضائه ، فالقانون التونسي الذي ينضم بدقة ووضوح العملية الانتخابية وسير عملية الاقتراع و تشكيل مكاتب التصويت وعدد وصفة و دور المراقبين خلالها ، لم يتعرض في أي فصل من فصوله إلى هيئة باسم “مرصد مراقبة الانتخابات” و بالتالي لا يمكن لهذا المرصد أو لأعضائه مجرد دخول مكاتب الاقتراع فضلا عن التدخل في مراقبة سير الاقتراع داخلها ". وحول وجهة نظر رئيس المرصد الذي ذكر أنّ تعيينه من قبل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي تمّ ليس بوصفه مترشحا وإنما بصفته رئيسا للدولة يقول اليحياوي :"رئيس الجمهورية هو خارج عن كل اعتبار شخصي ، مؤسسة قبل كل شيء ينحصر دورها في ممارسة السلطة و لكن كل ما يقوم به لا يدخل في إطار ممارسة السلطة الرئاسية، لأن هذه السلطة تمارس وفق ضوابط و شكليات وإجراءات محددة ولا يمكن الخروج عنها لذلك حتى يكون أمره بتشكيل هذا المركز مناطا بممارسته لسلطته الرئاسية يجب أن يتم بموجب قانون أو مرسوم رئاسي أو غيرها من الأشكال التي تتخذها القرارات الرئاسية. و على حد علمي لا وجود لشيء من هذا القبيل بخصوص تشكيل المرصد أو تعيين رئيسه و أعضائه. لذلك عندما يقول السيّد الباهي إن من عينه يحمل صفة رئيس الجمهورية غير صحيح ، لأن تعيينه هو ومركزه لم يتم وفق شروط ممارسة السلطة الرئاسية. إنها عملية ديماغوجية قائمة على المغالطة ، نحن أمام هيئة صورية ،الهدف منها تعطيل المؤسسات الحقيقية و من بينها القضاء و المجلس الدستوري من الاضطلاع بكامل دورها في العملية الانتخابية". من جهة أخرى ترتفع الأصوات في تونس داعية إلى ردّ الاعتبار إلى سلك القضاء وما له من دور في مراقبة العملية الانتخابيّة والإشراف عليها والبتّ في نتائجها النهائيّة، خصوصا مع تكرّر ما يسمّى "الإجراءات التعسفيّة" ضدّ القضاة أعضاء الهيئة الشرعية لجمعيّة القضاة التونسيين (جمعية قانونيّة تشكو انقساما حادا بين قضاة مستقلين و آخرين يقال إنهم موالون للسلطة التنفيذية) بنقلهم إلى المحافظات الداخليّة ومنعهم من الاجتماع ، إلا أنّ القاضي اليحياوي يرى أنه "ليس من المفروض أن يكون للقضاء دور في الإشراف على الانتخابات لأن القضاء المستقل لا يتدخل في السياسة و لكن فقط في السهر على حسن تطبيق القانون و من خلال قيامه بهذه الوظيفة ينظر في النزاعات التي تثار حول الانتخابات كما ينظر في غيرها من النزاعات وهو ما يعطيه سلطة تصل إلى حد إبطال الانتخابات أو إبطال نتائجها جزئيا أو كليا. و لكن وضع القضاء حاليا يجعل منه مجرد جهاز في خدمة السلطة القائمة و مسيّرا وفق أوامرها. الحلّ بحسب اليحياوي لإعادة تحقيق هيبة القضاء هو تكريس حكم القانون فكلما كرّس القاضي سلطة القانون واحترم مقتضياته ورفض الخروج عنها أصبح قضاء مستقلا ومهيبا تستوي أمامه السلطة أمام أبسط المواطنين لأن القانون هو الذي يحكم و ينحصر دور القاضي في النطق بحكمه"، على حدّ تعبيره