تعرف تونس هذه الأيام أمطاراً غزيرة تحولت إلى فيضانات مدمرة، خلفت أضرارًا مادية وبشرية جسيمة، جعلت البلد في حالة استنفار قصوى، و أدخلت الهلع في نفوس المواطنين الذين غير البعض منهم عاداته اليومية وضبطها على إيقاع الأمطار. النشرة الجوية و توقعاتها اليومية صارت قبلة كل المستمعين، حيث يحجم البعض عن الالتحاق بمراكز عملهم خوفا من الأمطار، ولعل خير دليل علي حالات الذعر التي أصابت التونسيين عموما تجسد فعلا يوم الأربعاء الماضي، حيث أعلن الرصد الجوي توقع حدوث عاصفة ظهرًا بمنطقة العاصمة تونس و ما جاورها، و بانتشار الخبر تقرر رسميًا السماح لكل الموظفين بمغادرة مقرات عملهم و البقاء في البيوت، و هو ما أحدث بلبله و خوفا شديدا.. وعاش سكان العاصمة ليلة ترقب و انتظار خوفًا من أن يتكرر ما حصل في جنوب البلاد قبل يومين. و في مثل هذه الحالات الاستثنائية، يبتكر الناس العديد من الطرق التي يتصورونها ناجعة و قادرة على التصدي لمثل هذه الكوارث الطبيعية ، كإغلاق الشبابيك جيدا باستعمال المسامير أو وضع الحجارة الثقيلة في أمكان محدده وغيرها من الطرق التي تعبر أولا عن الخوف، و تؤكد من ناحية أخري أن البنية التحتية للطرقات لا تبعث على الاطمئنان في نفس المواطن الذي يدرك جيدا ما مدى الدمار الذي يمكن أن تخلفه أمطار الخريف في تونس. و هذه الأمطار الخريفية عادة لا تخلف موعدها مع تونس، وننتظرها دوما تقريبا في نفس الفترة وتطلق عليها تسمية خاصة " غسالة النوادر "، ومعناها التي تأتى فتغسل الأرض والبيوت والناس و تخلف ورائها دوما أضرارا قد لا تصل إلى حد الدمار و الموت ولكنها عادة أضرار مادية لا يستهان بها، و هي أمطار موسمية تدوم عادة يوما واحدا وتكون شامله لأغلب مناطق الجمهورية، أما ميزتها هذه السنة استمرارها لأكثر من يوم، ثم هطولها في مناطق الجنوب وهي مناطق صحراويه وجافة ونادرا ما يهطل فيها المطر. وسجلت مناطق الجنوبالتونسي أرقاما قياسية تجاوزت 150 مليمترا في زمن قياسي في مناطق تعانى عادة من نقص في الأمطار، وغير مؤهلة من حيث البنية التحتية لمثل هذه الكميات الغزيرة من الأمطار وهو ما جعل الأضرار كارثية، و بلغت حسب آخرالمصادر17 قتيلا و 8 مصابين إلى جانب عدد آخر من المفقودين غير محدد، وإن قدر تقريبا بثلاثين مفقوداً إلى حد الآن، وقد تركزت اغلب هذه الخسائر البشرية في مدينه "الرديف" ( 340 كلم) جنوب غرب تونس العاصمة و تجدر الإشارة، أن هطول الأمطار بدأ مساء الثلاثاء 23 من الشهر الجاري منتصف الليل واستمر إلى حدود الساعة الرابعة بعد الزوال من يوم الأربعاء 24، وهو ما يفسر حجم الأضرار التي سجلت. و حسب المعهد الوطني للرصد الجوي ، من المتوقع هطول كميات إضافية من الأمطار الأيام القادمة على العاصمة و ضواحيها أي منطقة" تونس الكبرى "، و قد بدأت فعلا الأمطار في الهطول، و أنا اكتب حاليا مقالي هذا على إيقاعها الجميل. عادت إذاً " غسالة النوادر" في موعدها الخريفي الثابت، إلا أنها هذه السنة جنوبية الهوى تزحف بخطى ثابتة نحو العاصمة في أسبوع المطر الخريفي الأكثر صعوبة في تونس. مصدر الخبر : a href="http://www.facebook.com/sharer.php?u=http://alhiwar.net/ShowNews.php?Tnd=599&t="غسالة النوادر" تُغرق الجنوب&src=sp" onclick="NewWindow(this.href,'name','600','400','no');return false"