لا شكّ أنّ كل ذي حس ديني أو وطني أو إنساني يصيبه شعور بالعجز والقهر ويتملكه إحساس بالعار وهو يشاهد هذا الفصل الطويل من مأساة سيئة الإخراج رديئة الأداء لا يكاد المشاهد يفرق بين عناصرها.. فقد اختلط الممثلون بالمتفرجين وتداخلت الأصابع المحركة بالدمى المتحركة واختل نظام الأشياء كلها.. وكلهم يلعب دور الممثل حينا ودور المخرج أحيانا.. يعتلي الركح تارة ويختلط بالجماهير تارة أخرى.. وجميعهم لا يحسن وضع الأقنعة.. ووحدها غزة في المشهد ثابتة تشير في كل اتجاه.. مصوبة إصبعها بصمت وبحدة وكأنها تدين أو تحاكم، تنتظر أن يلتزم الباقون بالنص..صورة ملؤها العزة والعنفوان يسطع النور منها فيكشف الوجوه الغريبة والقريبة ويفضح ما يدور في الكواليس..غزة المحاصرة التي قاومت الحصار وتحملت تجارب الأسلحة المدمرة وتجارب السياسة الدولية الفاسدة.. تسطر وحدها صفحات المجد ببسالة كبارها وبطولة صغارها.. واقفة وحدها بدمارها ودمائها ودموعها وشموعها.. يتقاسم أهلها شرف الشهادة بينهم بعدل ويتشح المؤمنون الصادقون فيهم بالإباء والكرامة.. وعلى ضفاف غزة المحاصرة تتكسر "الصاد" وتأبى أن تكون "مفتوحة".. ويتحول الجدار المضروب حولها مرآة كبيرة تعكس حقيقة صورنا فنرى أنفسنا أمامها داخل الحصار ونكتشف أنّ غزة تحاصرنا.. فهل الصورة غير ذلك.. والحقيقة أنّ بعضنا تحاصره العمالة والخيانة وبعضنا تحاصره المصالح الدنيوية والمطامع الشخصية وبعضنا سجين الخوف والتردد أو العجز أو اللامبالاة.. فما نحن غير أمة محاصرة ومفتاح فك حصارها في غزة المحاصرة(*).