لقد اتجه الشباب التونسي إلى استعمال الإعلام إلكتروني منذ فتح محلات الإنترنات العمومية وتفنّنوا في الخلق والإبداع في ميدان النشر والوسائط المتعددة، لأن فضاء الإنترنات حرّ ومفتوح وديمقراطي يمكّن الناس من استقاء المعلومات مجانا وبسرعة وسهولة، وتقول الإحصائيات الرسمية أن عدد المشتركين في الإنترنات في التدفّق العالي فاق اليوم 450 ألف مشترك وسيزيد عددهم بعد وجود إمكانية الربط بواسطة الجيل الثالث للهواتف الجوالة الذي يمكّن الناشطين السياسيين المستقلّين من الاشتراك باسم أقربائهم للإفلات من صنصرة وصلاتهم. لكن طبيعة الحكم في تونس الذي لا يقبل الرأي المخالف ولا يسمح بحريّة التعبير جعلته يستعمل أموالا طائلة لحجب المواقع والمدوَّنات وبعث مصلحة خاصة بمراقبة الإنترنات أعطاها المدوّنون كنية "عمار 404" تحاول – دون نجاح يُذكر – مواصلة احتكار الإعلام. فالشباب استطاع إنزال وتبادل برمجيات وعناوين البروكسي التي تمكّن من الدخول إلى المواقع المحجوبة وردّت السلطة بتدمير البروكسيهات الواحد تلو الآخر، وتتواصل لعبة القط والفأر إلى يومنا هذا. ثمّ اعتمدت السلطة وسيلة القرصنة بصورة واسعة وانتدبت لذلك مهندسين في الإعلامية ونوابغ في القرصنة وكلفتهم بإنجاز أعمال مخالفة للأخلاق واستطاعت بذلك قرصنة عديد المواقع مثل مواقع pdpinfo.org وtunisnews.net وغيرها من مواقع الأحزاب المعارضة والمنظمات الحقوقية، وقد أحصينا أكثر من مائة موقع محجوب. واشتهرت الحكومة التونسية في العالم وصنّفتها الجمعيات الحقوقية العالمية من بين أعداء الإنترنات الخمسة الأوائل. ورغم أن دستور البلاد يضمن سرية المراسلات فإن الرقابة تعتدي عليها، ولتفادي اغتصاب مراسلاتهم التي تمرّ عبر صناديق بريد تونسية لجأ المبحرون إلى فتح عناوين في البوابات العالمية مثل ياهو وهوتمايل وجيمايل وغيرها فعمدت الرقابة إلى قرصنة بريد ياهو في أفريل 2008 واستطاعت أن تمسح المراسلات السياسية والحقوقية وتعوّضها بجمل غير ذات معنى، ثم تلته قرصنة هوتمايل فالتجأ الناس إلى جيمايل الذي يسمح باستعمال بروتوكول https ممّا يمكّن من التعامل مع البريد تحت السرية التامة وخارج سيطرة الرقابة. ولم تتحمّل السلطة إفلات الناشطين السياسيين والحقوقيين من رقابة بريدهم عن طريق جيمايل فابتدعت في جانفي 2009 طريقة جديدة خاصة بهم وذلك بتحويل وصلتهم بالإنترنات من مسدي الخدمات المشتركين لديه إلى مسدي خدمات مجهول الهوية حيث يمكن للرقابة غلق جيمايل وفيسبوك وأي موقع آخر يدخلونه بكلمة سر، لأن كلمة السر تستعمل بروتوكول https. وأعطت هذه العملية أكلها فقد ألغى عدد كبير من الناشطين اشتراكهم لأن شكواهم إلى مسدي الخدمات لم تُجْد نفعا، ونتساءل كيف ستجابه السلطة الاشتراكات بواسطة الجيل الثالث. وفي سنة 2007 بدأت الرقابة تهتم بمواقع تقاسم الفيديو فأغلقت موقع ديليموشن ثم تلاه موقع يوتيوب في نفس السنة وفي اوت 2008 أغلقت موقع فيسبوك فانطلقت الاحتجاجات من كل حدب وصوب سواء من طرف الحقوقيين أو حتى ممّن هم قريبون من الحكم فتراجعت السلطة وأعادت فتح الموقع بعد شهر من غلقه واستغلّه الشباب لتبادل الفيديوهات والأغاني والدردشة والتعارف كما دخله النشطاء والأحزاب السياسية واستغله البوليس السياسي لكتابة مقالات بذيئة ضد المعارضين وخاصة الذين يتعدّون منهم خطوطا حمراء في فضح الفساد، كما استغلّه الحزب الحاكم للدعاية لمرشحه ل 2009. وواصلت الرقابة حجبها للمواقع التي قل زائروها لاشتغالهم في فيسبوك واستطاعت بفضل العدد الكبير من لمهندسين الذين يشتغلون في ميدان القرصنة والحجب أن تحجب بروفايلات المعارضين السياسيين، ونال الحزب الديمقراطي التقدمي في ذلك نصيب الأسد سواء تعلّق الأمر ببروفايل pdpinfo أو بروفايل أي مناضل معروف داخله. ويردّ الناشطون على حجب مدوّناتهم بفتح مدونات جديدة بإضافة رقم بعد الاسم القديم فتقوم الرقابة بغلق المدوّنة الجديدة بعد مدة لا تطول، ووصل قصف وغلق مدونة الصحفي زياد الهاني أكثر من 45 مرة منذ سنة. وقد هاجت الرقابة في شهر أفريل الماضي وخاصة في الأسبوع الأخير منه وبلغت حدّا غير مقبول فأقدمت على غلق قرابة ثلاثين موقعا ومدونة كانت مفتوحة قبل ذلك وشمل الغلق كل المواقع المعروفة لتبادل الفيديو وإحدى عشر مدونة دفعة واحدة ومواقع صحف أجنبية وتونسية مثل نوفال اوبس ورو89 و20مينوت والطريق الجديد إلى غير ذلك، كما أغلقت في نفس الفترة بروفيلات المعارضين على موقع فيسبوك وأصبح لا يمكن فتحها إلا بإضافة حرف آس في بروتوكول http ليصبح https مع الإبقاء على بقية العنوان. الإنترنات مستعملة في العالم بشكل واسع للبث الإذاعي والتلفزي وفي تونس كل الإذاعات التونسية سواء العمومية أو الخاصة تبثّ برامجها عبر النات، كما توجد عدة إذاعات خاصة بعثها تونسيون تبث على الإنترنات سواء من مشجّعي الفرق الرياضية أو من مساندي السلطة وما زالوا يبثّون برامجهم إلى اليوم. ودخلت منذ أكثر من سنة إذاعتين مستقلتين (كلمة وتونس 6) تبثان أخبار الحريات في تونس فحجبتهما الرقابة دون غيرهما، لكن المبحرين ضلوا يستمعون إليهما باستعمال عديد الطرق التي تمكّن من الاستماع إلى الإذاعات، ولإسكاتهما نهائيا عمدت السلطة إلى السطو على محلاتهما واحتجاز أجهزتهما الإعلامية بتعلّة استعمال ذبذبة بدون رخصة مع العلم أن القاضي رفض أن يمدّ أصحاب الإذاعتين بمقدار الذبذبة المعنية بقرار الحجز، لأنه عاجز عن ذلك لكون الإذاعة من خلال الإنترنات لا تستعمل أيّ ذبذبة هرتيسية. ولم تسلم بعض مواقع الراديو والتلفزيون الأجنبية من الرقابة التونسية فقد بقي موقع قناة العربية محجوبا لمدة ثلاث سنوات تقريبا وحُجب موقع الجزيرة مند مدة بجانبيه المكتوب والمرئي وما يزال. ميدان الإعلام الإلكتروني واسع وإمكانياته متعدّدة والسلطة تحاول احتكاره لفائدة الحزب الحاكم ولفائدة أشخاص قريبين منها وتستعمل وسائل عدّة لمنع استعماله بحريّة من طرف الآخرين، وكل من لا يطأطئ رأسه يعتدي عليه بطريقة ليّنة (صوفت) في أغلب الأحيان ولكنها ترتقي إلى التهديد ثمّ الاعتداء بالعنف الخفيف والشديد بواسطة السواعد المفتولة كما وقع لزياد الهاني وزهير مخلوف والى السجن كما وقع لزهير يحياوي ومحمد عبّو وزهير مخلوف وغيرهم. الدخول للمراكز العمومية للإنترنات يتم من جهته بالاستظهار ببطاقة التعريف الوطنية وقد يُمنع بعض النشطاء من الدخول إليها، وأصبح الوضع يشبه ما نقرأه في قصة 1984 لجورج أوروال التي كتبها سنة 1949 والتي يصف فيها نظاما شموليا يتدخّل في كل حركات الناس وسكناتهم وحتى في أفكارهم ويراقب الجميع تحت شعار "الأخ الأكبر يراقبك". لقد أصبحت تونس وكأنها تعيش في الخيال العلمي. الشباب ضاق ذرعا بهذا الوضع وبدأ صوت احتجاجه يعلو شيئا فشيئا، فاحتجّ بالإضراب عن التدوين ثم برفع شعارات الاحتجاج على صفحات الفيسبوك ولم يحرّك ذلك ساكنا للسلطة، فقرر أخيرا عدد كبير منهم (أكثر من عشرين ألف) الاحتجاج بمسيرة سلمية يوم 22 ماي الجاري في شوارع العاصمة تحت شعار "سيّب صالح" احتجاجا على الحجب المستمرّ لمدوناتهم وصفحاتهم وقصفها وقرصنتها وتدميرها أحيانا. وقد تقدّم الأسبوع الماضي مدوّنان شابان سليم عمامو وياسين عياري إلى وزارة الداخلية لإعلام الوزير بالمسيرة حسبما يقتضيه القانون فلم يُسمح لهما الدخول إلى مكتب الضبط وتمّ توجيههما إلى إدارة الأمن التي وجّهتهما بدورها إلى الولاية ولم يسمح لهما هناك أيضا بالدخول إلى مكتب الضبط، ووقع توجيههما من جديد إلى إدارة الأمن. ففهما أن الإدارة تريد تسويفهما فأرسلا إعلامهما بواسطة البريد مضمون الوصول مع الإعلام بالوصول وبذلك تكون مسيرة 22 ماي قانونية. نقلا عن صحيفة الموقف