في مفتتح السنة القضائية: هل يمكن لرئيس الجمهورية الثناء على دور القضاة ووصف القضاء بالمستقل؟ الأستاذة نجاة العبيدي يتوجه يوم السبت 3 أكتوبر إلى قصر العدالة بتونس رئيس الجمهورية بصفته رئيس المجلس الأعلى للقضاء ليعلن عن افتتاح السنة القضائية، وقد دأب رجال القانون والحقوقيون والسياسيون والشعب... الاستماع إلى كلمة تشيد بمجهود القضاة وبدورهم الريادي في إرساء النظام الجمهوري بشفافية وإرساء قيم العدل إلى ما لا نهاية.. كلمة تكون منظومة معنى ومغنى حتى أنها تكاد تحاكي الملحمة اليونانية أو المثالية الأفلاطونية حتى نكاد نخال أنفسنا في عهد سيدنا عمر حيث الفضيلة المطلقة والحقيقة المطلقة ، فهل مثلا بعد جلسة يوم 30 سبتمبر 2009 بالدائرة الجناحية الرابعة بالمحكمة الابتدائية بتونس تحت رئاسة القاضي محرز الهمامي في القضية عدد 18429 أن نتحدث عن نزاهة القضاء واستقلال وعدالة القضاة بعد حكم ''جائر'' يقضي بسجن بعض الشبان لمدة سنة كاملة من أجل عقد اجتماع بدون رخصة، بينما وفي نفس الجلسة وفي القضية عدد 18430 يقضي نفس رئيس الدائرة من أجل تهم الانضمام إلى تنظيم إرهابي والدعوة للقيام بأعمال إرهابية وإجراء تدريبات عسكرية وانتحال اسم قصد التعريف بتنظيم إرهابي يصدر حكما بسنتين مع تأجيل التنفيذ؟؟؟؟ أذكر بقول الرسول صلى الله عليه وسلم عندما طلب منه أبا ذر أن يؤمّره على بعض البلاد، فقال له: ''إلي يا أبا ذر، إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلاّ من أخذها بحقها''، وقال: ''لا يقضي حكم بين اثنين وهو غضبان'' (رواه الجماعة)، صدق رسول الله يا سيد رئيس الدائرة الجنائية. إذن وفي نفس الإطار فقضاتنا يحرمون: يحرم إذا المتهم من حقوقه في محاكمة عادلة قد حكم فيها حاكم دون مرافعة محاميه في إهانة صارخة للسان الدفاع تؤكد تصريحات الموقوفين في قضايا قانون ''الإرهاب'' اللاّدستوري بتعرضهم للتعذيب. نظرا لأنّ التجاوزات الحاصلة في الجهاز القضائي عديدة ومتعددة بل لا تحصى ولا تعد ونظرا لأنّ هذا الجهاز القضائي يمثل ركيزة من ركائز دولة القانون وهو جهاز ينبغي له ألا يفصل في المسائل المعروضة عليه دون تحيز على أساس الوقائع ووفقا للقانون ودون أية تقييدات أو تأثيرات غير سليمة أو ضغوط أو تهديدات أو تدخلات مباشرة كانت أو غير مباشرة. طبقا لمبادئ الأممالمتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية، عديدون هم الذين لم يستطيعوا التوصل عبر اللجوء إلى القضاء لحقوقهم وحتى لا نُتهم بالتجريح في القضاة والجهاز القضائي وتزييف الحقائق أو الكذب أو الافتراء نذكر البعض من أمثلة كثيرة، إذ أنّ لجوء المواطن رمزي بالطيبي إلى القيام بإضراب جوع لخير دليل على أنّ الجهاز القضائي يحتكم في عديد القضايا إلى المحسوبية ويفتقر للنزاهة والشفافية، فجملة القضايا التي قام بها محامي هذا المواطن إما حُكم فيها بالرفض أو لم تنفذ أو لم ترقن أو سُرق ملفها من خزينة المحكمة..... !!!!!!!!!!! فإذا كان قضاؤنا قضاء عادلا، قضاء يوازي بين قرائن الإدانة وقرائن البراءة فيمحص ويدقق ويبحث ويلتجئ إلى الخبراء لما كانت التجأت والدة السيد محمد منصف البغدادي إلى رئيس الدولة لتقديم مطلب عفو ملتمسة إعادة النظر في قضية ابنها، وحيث اعتبرت محاميتها أنّ القضاء لم ولم ينتدب خبيرا ويتثبت من المحجوز المتمثل في مواد تنظيف وإصلاح الهواتف الجوالة لتعتبره عناصر لصنع متفجرات وتدينه على أساس ذلك ويحاكم بالسجن لمدة سبع سنوات في القضية عدد 19954 وثمان سنوات في القضية عدد 19554 مع العلم أنّ هذه الأم الثكلى لم تتلق إجابة على مطلبها أو ردا يخفف من مأساتها ومعاناتها. كثيرات هنّ الأمهات والزوجات اللواتي يبكين أبناءهن وأزواجهن وهم يختطفون ويعذبون من طرف أعوان أمن الدولة ويحالون في النهاية طبقا لنصوص قانون ''لا دستوري" ويحاكمون في ظل محاكمات لا تُحترم فيها الشروط الدنيا لحقوق الدفاع. ولو كان الجهاز القضائي في تونس جهازا يحتكم للشفافية والحيادية لما تم إبعاد وهرسلة أعضاء المكتب الشرعي لجمعية القضاة، كل هذا وذاك يدعونا لذكر قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم: "إنّ الله مع القاضي ما لم يجر (يظلم) فإذا جار تخلى عنه ولزمه الشيطان" (رواه الترمذي وابن ماجة). وتبقى القضية الأم ويبقى الشاهد على جور القضاء زعيم الأمة وعالمها وعميد سجنائها الدكتور الصادق شورو، لذا وحتى ننعم بقضاء مستقل نزيه وحتى نثني بحق على مجهودات القضاة وجب التوجه لهم في منقدح هاته السنة القضائية بكلمة تبين الرشد من الغي والخيط الأبيض من الخيط الأسود حتى نحقق كلمة الله في الآية 26 من سورة ''ص'': "يا داود إنّا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله". وحتى نضمن حماية حقوق الإنسان وعلوية النصوص القانونية من الدستور والمواثيق الدولية ذات الصلة المصادق عليها من طرف الدولة التونسية وجب التوجه نحو تأمين قضاء مستقل.