مسيرة بالعاصمة للحزب الدستوري الحر للمطالبة باطلاق سراح رئيسته عبير موسي    حمة الهمامي يرفض مشروع الطلاق بالتراضي وإعادة تعدد الزوجات    البرلمان يدعو إلى تعزيز حقوق المرأة وصون كرامتها بمناسبة عيدها الوطني    عيد المرأة: تميّز نسائي في سلك الديوانة على متن الباخرة "تانيت"    الكاف: حجز كميات من السجائر المحلية والمجهولة المصدر    قرار قضائي بسجن محامٍ بتهم إرهابية وغسيل أموال    تونس تشارك في بطولة افريقيا للتايكواندو للأواسط والاصاغر بعشرة عناصر    الاولمبي الباجي يعزز صفوفه بمتوسط الميدان محمد امين العجيمي    مناظرة انتداب 100 ملازم بسلك الديوانة: آخر أجل 22 أوت 2025    هذه هي المرأة التونسية الوحيدة التي تستحق التكريم في عيدهن ...!!.    جنجون يختتم اليوم مهرجان سيدي عطاء الله بنبر    الكرة الطائرة – كأس العالم للسيدات تحت 21 عامًا: تونس تخسر أمام جمهورية الدومينيك (فيديو)    ألكاراز يتخطى عقبة ميديدوفيتش في سينسناتي ويحقق فوزه 50 هذا الموسم    رئيس أركان جيش الإحتلال يقر خطة احتلال مدينة غزة    محرز الغنوشي للتوانسة :'' السباحة ممكنة بكافة الشواطئ واللي يحب يبحر يقصد ربي''    ثنائي تونسي يتوج بالدوري الليبي مع نادي الأهلي طرابلس    الرابطة الأولى: النادي الصفاقسي يقدم أول إحتراز في الموسم الجديد    "أصول" لياسين بولعراس على ركح الحمامات: عرض موسيقي يعزز حوار الثقافات ويدعو إلى الانفتاح وقبول الآخر    تونسيات يبعثن على الإلهام ويغيرن المعادلة    فرنسا.. عدوى بكتيرية مرتبطة بالجبن الطري تقتل شخصين وتصيب 21    في بالك : مشروع قانون جديد يقسم المسؤوليات المنزلية بين الزوجين!    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    هيئة الصيادلة تطلق منصة رقمية ذكية لتسهيل ولوج المواطنين إلى صيدليات الاستمرار    تقارير اعلامية تُشكك في وجود مرتزقة كولومبيين في السودان    من مجلة الأحوال الشخصية إلى القمة: قصة نجاح المرأة التونسية    بطولة العالم للكرة الطائرة للسيدات: المنتخب الوطني ينهزم أمام نظيره التشيلي    جمعية النساء الديمقراطيات تدعو إلى تطوير مجلة الأحوال الشخصية وحماية مكتسبات المرأة    عاجل : دراسة طبية تحذّر من مسكن آلام يستعمله الملايين    وزارة الصحة تعمم منصة Njda.tn لتسريع التدخلات الطبية وإنقاذ الأرواح    ترامب وبوتين في ألاسكا: من أرض روسية سابقة إلى مسرح لمباحثات السلام المحتملة    جمهور مهرجان صفاقس الدولي يعيش أجواء كوميدية مع مسرحية "بينومي S+1" لعزيز الجبالي    اليوم.. الدخول مجاني لجميع المواقع الأثريّة والمتاحف    موجة حرّ استثنائية تضرب فرنسا والسلطات تعزز الإجراءات الوقائية    إيقاف مراقب جوي فرنسي عن العمل لقوله "فلسطين حرة" لطاقم طائرة إسرائيلية    نابل ..تراجع صابة عنب التحويل بنسبة تتراوح بنسبة 25 و 30%    ثمانية أمراض ناجمة عن قلة النوم    كرة القدم العالمية : على أي القنوات يمكنك مشاهدة مباريات اليوم الأربعاء ؟    دعوة الى تلازم الذكاء الاصطناعي مع مقاصد الدين    حجز كميات كبيرة من الأجبان والزبدة محفوظة بطرق غير صحية بولاية جندوبة    توننداكس يتراجع مع إقفال الثلاثاء بنسبة 26ر0 بالمائة    وادي مليز: مهرجان شمتو للتراث والفنون بوادي مليز يحتفل بعيد المرأة    عاجل/ مصر تعلن عن 15 شخصية فلسطينية ستُدير غزة ل 6 أشهر    سمكة الأرنب السامة غزت شاطئ نابل.. خطر على صحة التوانسة!    هام/ عطلة بيوم بمناسبة المولد النبوي الشريف..    ارتفاع درجات الحرارة يرجع بداية مالتاريخ هذا    عاجل: استئناف حركة المترو بصفة عادية بعد إصلاح العطب الكهربائي    إحباط محاولة تهريب 36 كلغ من مخدّر "الزطلة" بميناء حلق الوادي الشمالي    قابس: العثور على جثة شاب مفقود منذ أسبوع داخل بئر عميقة    يهم التسجيل المدرسي عن بعد/ البريد التونسي يعلن..    هزة أرضية جديدة ب4 درجات تضرب هذه المدينة    تنبيه/ بحر مضطرب اليوم.. والحذر مطلوب عند السباحة..!    عاجل: دخول مجاني للمواقع الأثرية والمتاحف يوم 13 أوت    عاجل: 8 بطاقات إيداع بالسجن... اعترافات صادمة من التلميذ المتورط في فضيحة التلاعب بالتوجيه الجامعي    القهوة ''الكحلة'' مش للكل: 5 فئات لازم يبعدوا عليها..شكونهم؟    تعطل وقتي لجولان عربات المترو بسبب عطل في الأسلاك الهوائية الكهربائية    تاريخ الخيانات السياسية (43) القرامطة يغزون دمشق    يحدث في منظومة الربيع الصهيو أمريكي (2 / 2)    كيفاش الذكاء الاصطناعي يدخل في عالم الفتوى؟ مفتى مصري يفسر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



واجب الذاكرة أو الأصيل الذي لا زيتون له بقلم مالك التريكي
نشر في الحوار نت يوم 18 - 07 - 2010

اضطر الأستاذ محمد مزالي عندما كان شابا إلى بيع شجيرات الزيتون القليلة التي ورثها عن أبيه في منطقة المنستير حتى يتمكن عام 1947 من جمع جزء من المبلغ اللازم للسفر إلى باريس والانضمام للسوربون. ولهذا فإن البرنامج التلفزيوني الفرنسي الذي خصص لسيرته عام 2007 قد كان بعنوان 'المنستيري الذي لا زيتون له'. كان حب المعرفة من أهم مقومات شخصيته. أما المقوم الآخر الهام، الذي نختم بالتطرق إليه سلسلة المقالات التي خصصناها للأستاذ مزالي بمناسبة انتقاله إلى الرفيق الأعلى، فهو سماحة النفس وتقبل النقد. وقد أشار إلى هذا المقوم ضمنيا عدد من الكتّاب عندما ذكروا أن عهد مزالي في رئاسة الوزراء كان عهد حرية تعبير (نسبية طبعا)، بدليل كثرة الصحف المستقلة آنذاك، وبدليل جسارة رسوم الكاريكاتور التي كانت تتعرض له هو شخصيا بالنقد والسخرية.
لا أزال أتذكر بعضا من هذه الرسوم. إلا أن هنالك شيئين آخرين انتقشا في ذاكرتي. الأول أن حملة الانتقادات ضده قد بلغت حدا اضطر معه يوما إلى أن يقول أمام مجلس النواب ما معناه: إنكم ترون ما يكتب ويرسم عني في صحف المعارضة. فالقوم يرمونني بكل نقيصة. أما اللطفاء منهم فإنهم يقولون إن 'سي محمد' لا معرفة له بالاقتصاد. 'سي محمد متاع أدب، ما يفهم كان في الأدب'. أما أنا فلا جواب عندي سوى أن 'الأدب هو، على كل حال، خير من سوء الأدب'... كان ذلك هو جوابه: لا تفنيد، ولا دفاع عن النفس. جواب أقرب إلى الدعابة منه إلى الرد. وحتى عندما أتيح له بعد ربع قرن أن يتطرق للمسألة في مذكراته وحواراته، فإنه اكتفى بالقول إن من كانوا ينتقدونني على عدم تخصصي في الاقتصاد إنما يتخيلون أن ديغول أو ميتران، بل وحتى بورقيبة ذاته، كانوا خبراء في الاقتصاد!
أما الشيء الثاني، فهو أن مزالي قد أصغى في إحدى الندوات الثقافية لأستاذنا الجليل وصديقنا العزيز المفكر المعروف أبي يعرب المرزوقي وهو يقول له على الملأ: 'يبدو يا سيادة الوزير الأول أنك مصاب بعقدة المتنبي.
لقد وهبت الفكر فطلبت الحكم'. أما كيف عرفت أنا وأمثالي بهذا النقد (الراقي طبعا) ضد رئيس الوزراء، فقد كان من التلفزيون الرسمي! إذ إنه أذيع في البرنامج الثقافي الأسبوعي الذي كان يقدمه الأديب والصحافي محمد المصمولي. ولم يتح لي أن أتحاور مع أبي يعرب في هذه الحادثة، التي لم تر التلفزة حرجا في نقلها، إلا بعد عامين أو ثلاثة من ذلك. وقد كان الرأي عندي، ولا يزال، أن مزالي لم يكن مصابا بعقدة المتنبي، أي أنه لم يكن يعدّ الوزارة أنبل من الثقافة ولم يكن يحسب الحكم أفضل من 'الفكر' (الذي اختاره اسما لمجلته الشهيرة) وإنما هو من جيل ناداه الواجب الوطني، عند بدء بناء الدولة، فأجاب.
كان هنالك في قناة التلفزيون الفرنسي الأولى برنامج حواري سياسي شهير اسمه '7 على 7' كان يقدّمه في أوائل الثمانينيات جان-لوي بورقا وأريك جيلبار. لكن عندما حل مزالي ضيفا على البرنامج 'استعان عليه' المقدمان بأربعة صحافيين آخرين أو خمسة، أتذكر منهم بول بالطا من 'لوموند' وسهير بلحسن من 'جون أفريك'. كانت الأسئلة صعبة وبعضها محرجا... لكن أداء مزالي كان أداء أستاذ. أولا لأنه كان مؤمنا بصدق بأنه قد دشن عهد انفتاح سياسي رغم الداء والأعداء.
ثانيا لأنه كان رجلا بارعا في المحاججة. وثالثا لأنه كان متملكا ناصية لغة موليير. بل إني أذكر أن 'لوموند' كتبت في عرضها لسيرة مزالي الذاتية التى نشرت عام 1984 في شكل محاورات مع الصحافية كزافيير أوليس بعنوان La parole de l'action (الذي يمكن ترجمته، تجوّزا، ب'لغة العمل' أو 'مقال الأفعال') بأن أسلوب مزالي يتميز بالحلاوة الأدبية والطلاوة الكلاسيكية!
كان رياضيا أولمبيا، كما هو معروف. وقد كتب أن ما يهمه في كرة القدم خصوصا هو le jeu et pas l'enjeu أي اللعبة لذاتها، وليس رهان مبارياتها (حتى لو كانت، كما يقال، 'مصيرية'!). وما لا أنساه أنه كان في منصة الشرف بجانب الرئيس الإيطالي ساندرو برتيني أثناء نهائي كأس العالم في إسبانيا عام 1982 بين إيطاليا وألمانيا. كان برتيني يقوم ويرقص فرحا كلما فعلها باولو روسّي... الذي مكر بالألمان ثلاثا فخلّده محمود درويش في 'ذاكرة للنسيان'، ذلك النص النثري البديع عن حصار بيروت.
على ابن المنستير واسع الرحمة الربانية. وعلى الأجيال واجب الذاكرة العاصم من الطوفان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.