خلف قرار السلطات المغربية بإغلاق جريدة "أخبار اليوم" على خلفية كاريكاتير حول عضو من العائلة الملكية، الأمير إسماعيل، ردود فعل متباينة تصب في التنديد بهذا الإجراء ومن ضمنها مطالبة الاتحاد الأوروبي بتولي الغرامات المالية التي يفرضها القضاء المغربي على الصحف المستقلة. في هذا الصدد، وفي أعقاب انفجار ملف "أخبار اليوم" تدرس جمعية "حقوق كونية" ومقرها اسبانيا، تقديم طلب الى البرلمان الأوروبي ليتولى تأدية الغرامات المالية التي تتعرض لها الصحف المستقلة من ميزانية المساعدات التي يخصصها الاتحاد الأوروبي سنويا للمغرب. وأبلغ مصدر بالجمعية "القدس العربي" أن "اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب تنص على احترام الأخيرة المعايير الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وحرية التعبير شريطة الاستفادة من المساعدات". وتابع المصدر يقول "طالما أن المغرب لا يحرص على احترام هذه المعايير، فعلى الأقل يجب على الاتحاد الأوروبي أن يتولى دفع الغرامات المالية التي يفرضها القضاء المغربي على الصحافة المستقلة، إذ يجب إنشاء صندوق خاصة بالصحافة المستقلة". الجمعية التي تجري مباحثات مع بعض ممثلي الخضر واليسار في البرلمان الأوروبي ترى أن المقترح سيشمل فقط الجرائد التي يثبت أنها تعرضت لغرامة مالية بسبب خطها التحريري وليس قضايا شخصية وشعبوية، وأن الغرامة تهدف إلى خنقها اقتصاديا لتقليل حضورها أو التسبب في إفلاسها ماليا. ويأتي الاقتراح على خلفية تعرض جريدة "أخبار اليوم" منذ قرابة أسبوعين لإجراءات تعسفية لم تشهدها الصحافة منذ عقود، وتتجلى في إغلاق مقرها في مدينة الدارالبيضاء بسبب كاريكاتير من توقيع خالد بكار حول زفاف الأمير إسماعيل، وتقدم الأخيرة بدعوى للقضاء يطالب بتعويض قدره 370 ألف دولار. في هذا الصدد، قال مدير "أخبار اليوم" توفيق بوعشرين في تصريحات ل"القدس العربي" ان إقدام السلطات المغربية على إقفال مقر الجريدة ومصادرة أعدادها ومنع طاقم صحافييها عن العمل "سابقة من نوعها في سيرة الانتهاكات الجسيمة لحرية العمل الصحافي أجد تفسيرها في رغبة الدولة في إيصال رسالة قوية إلى الصحافة الحرة بالمغرب، رسالة تقول: انتبهوا إن زمن التسامح مع حرية الرأي والتعبير قد انتهى". واستطرد بوعشرين ثائلا "مند أكثر من أربعين سنة لم تقدم الدولة وفي عز سلطويتها على إغلاق مقر جريدة. كانت تمنع الصحف، تعتقل الصحافيين، تضيق على الممارسة المهنية لكنها لا تشمع مقرات الصحف. آخر مرة اقفل فيها مقر جريدة كان سنة 1960، عندما أغلق الملك الراحل الحسن الثاني مقر جريدة "التحرير" التي كان عبد الرحمان اليوسفي الوزير الأول السابق يرأس تحريرها". وتابع إن "مصداقية دولة القانون والحق على المحك في ملف أخبار اليوم، ذلك أن أيا من القوانين الجاري بها العمل لا تنص على حق وزير الداخلية في إغلاق مقر جريدة ومصادرة أعدادها". ويتأسف قائلا "لقد سكت نصف زملائنا في هذه المهنة التعيسة عن مجرد الحديث عن محنتنا مع المنع، فيما تطوع زملاء آخرون للعب دور الدركي والجلاد، يحملون الأقلام التي تحولت إلى حراب لطعننا من الخلف ونحن نقاد إلى محاكمة ونحن مطرودون من مقرات عملنا". وحول رسم الكاريكاتير موضوع كل هذه الضجة والملاحقة القضائية، أبرز بوعشرين أنه (رسم) "بريء يحاول أن يجسد طقوس وأعراف العرس لدى الأسرة المغربية". وأوضح قائلا: "إذا كانت السلطات تتضايق من الرسومات الكاريكاتورية فعليها أن تصدر قانونا يمنع هذا النوع من التعبير، لا أن يترك الأمر للمزاج. فمرة تتسامح إزاء الكاريكاتير ومرة أخرى تغضب. الحسن الثاني مثلا كان صريحا وقال مرة "إنني بصفتي أميرا للمؤمنين أحرم الكاريكاتير لأنه يقدم صورة الخالق بطريقة مشوهة"، هذا تصور لحرية الرأي والتعبير ولنوع القداسة التي كان الملك الراحل يضفيها على شخصه...الملك الحالي لم يقل هذا الكلام. وقد سمح لعدد من المطبوعات الأجنبية التي تحمل رسوم كاريكاتورية عنه بالدخول إلى البلاد ومن ضمنها جريدة لوموند يوم 10 تموز/يوليو الماضي. وهنا نتساءل هل المشكل موجود في الكاريكاتير أو في خط تحرير جريدة " أخبار اليوم" التي تحاول أن تشتغل بطريقة مهنية ومستقلة إزاء مراكز النفوذ والسلطة والمال". وفي رد على قرار منعها، قررت صحيفة "اخبار اليوم" الصدور الكترونيا للتواصل مع قرائها. وقال الموقع الالكتروني للصحيفة انه "في ظل استمرار القرار غير القانوني والمتعسف" بإغلاق مقر جريدة "أخبار اليوم"، قرر طاقهما إخراج موقعها الالكتروني إلى الوجود. وشهد مؤتمر صحافي دوري لوزير الاتصال مشادة بين الوزير وصحافيي "اخبار اليوم"، وقال موقع الصحيفة ان الارتباك بدا على الوزير خالد الناصري وهو يُحاول الربط بين ما يعرفه ملف "أخبار اليوم" ووجود بت قضائي في النوازل المرتبطة به، وذلك أمام صحافيي هذه اليومية الحاملين لشارات احتجاج على السواعد وهم يحضرون اللقاء الاسبوعي الذي يعقب مجلس الحكومة. واضاف ان الوزير اكد أنه "يحترم القضاء ولن يُصرح بأي شيء مؤثر في مجراه"، وهو ما دفع بتعقيب لتوفيق بوعشرين برفض إقحام القضاء في المُقاربة الرسمية المُقدّمة اعتبارا للشطط الذي مُورس بإغلاق مقر الجريدة بالدارالبيضاء بناء على أسس القوّة البيّنة من لدن وزارة الدّاخلية مؤكدا أن هذا الإجراء أثبت أنّ "الحكومة هي الوحيدة التي لا تلجأ إلى القضاء" ومُباشرة بعد ذلك، غادر صحافيو "أخبار اليوم" القاعة المُحتضنة للندوة قبل انتهائها احتجاجا. محاكمات وقررت الغرفة الجنحية بالمحكمة الابتدائية بالرباط اول امس الخميس إدراج قضية مدير نشر أسبوعية "المشعل" ادريس شحتان ورشيد محاميد ومصطفى حيران الصحفيين بالجريدة نفسها في المداولة قبل النطق بالحكم يوم 15 تشرين الاول/أكتوبر الجاري. ويتابع الصحافيون الثلاثة على خلفية نشر الاسبوعية نهاية اب/اغسطس تقارير حول فيروس اصيب به العاهل المغربي الملك محمد السادس بتهمة "نشر, بسوء نية, نبأ زائف وادعاءات ووقائع غير صحيحة والمشاركة في ذلك", طبقا لقانون الصحافة. وأكد وكيل الملك (النائب العام) لدى المحكمة خلال مرافعته أن جميع العناصر المكونة للأفعال المنسوبة للمتهمين ثابتة في حقهم, ملتمسا الإدانة وفق فصول المتابعة. وانسحب دفاع المتابعين من الجلسة احتجاجا على رفض المحكمة للدفوعات التي تقدم بها ومنها على الخصوص استدعاء الشهود وبطلان الاستدعاء المباشر وهي الدفوع التي اعتبرها وكيل الملك لا ترتكز على أساس قانوني. وقال بلاغ هيئة الدفاع ارسل ل"القدس العربي" إن الهيئة تقدمت بعدة طلبات بينها طلب البث في القضية إلى ما بعد صدور قرار نهائي في الشكاية المرفوعة في موضوع إتلاف مستند من الملف والتزوير الذي لحق آخر استدعاء، في اشارة الى نص قرار الاستدعاء على ان النشر في العدد 266 فيما كان بالعدد 226 وطلب الدفاع استدعاء أربعة شهود ذكرت أسماؤهم بمحاضر الشرطة، واعتمدت أقوالهم في الاستدعاء الذي وجهته النيابة العامة للمتهمين، اعتبارا أن تصريحاتهم من شأنها أن تثبت التهم الموجهة للمتهمين، وخصوصا إتباث سوء نيتهم حسب رأي الاتهام إلا أن المحكمة رفضت الطلب الأول، وأرجأت البث في الطلب الثاني، إلى ما بعد الاستماع للمتهمين. وقال البلاغ "إن هيئة الدفاع كانت تأمل أن تتصرف المحكمة ومعها ممثل النيابة العامة بروح ملؤها القانون وقواعد المسطرة ترفعا عن كل قذف أو عبارات لا تليق بمؤسسة النيابة العامة ، خدمة للحقيقة وكشفا لما يمكن أن يساعد القضاء على إصدار حكم عادل منصف ومحايد" وحملت الهيئة "المسؤولية الكاملة للجهات القضائية في هذا الملف". ومن المقرر ان تواصل نفس المحكمة النظر يوم 21 الشهر الجاري في ملف علي انوزلا مدير يومية "الجريدة الاولى" وبشرى الضو المحررة بالصحيفة المتابعين على نفس الخلفية. وعبر حزب النهج الديمقراطي اليساري الراديكالي عن استنكاره للحملة التي تشنها السلطات على الصحافة المغربية المستقلة. وقال بلاغ للامانة الوطنية للحزب ارسل ل"القدس العربي" إن اللجنة الوطنية للنهج الديمقراطي تعبر عن شجبها وإدانتها للحملة المسعورة و المستمرة الموجهة ضد الصحافة بهدف إدخالها إلى الصف وفرض المراقبة الذاتية عليها وإحكام سيطرة الدولة على الحقل الإعلامي والتي تمثلت في المحاكمات الجارية ضد "المشعل" و"الجريدة الأولى" و"الأيام" وتوجت مؤخرا بحجز "أخبار اليوم" وإقفال مقرها وتناشد كل القوى الديمقراطية إلى التصدي الحازم لهذا التراجع الخطير.