اليوم، لم يعد الموضوع يتصل بحالة جنون أميركية، ولكنه قد يتعلق بردة فعل أميركية على حالة جنون عالمية، أو ربما هي محاولة للبحث عن ملامح مختلفة لمن يتولى الرئاسة في الدولة الأقوى عالميا. ساعات قليلة، ويتسلم دونالد ترامب مقاليد رئاسة الولاياتالمتحدة الأميركة، ويدخل رسميا مكتبه في البيت الأبيض، في ظل سجال غير مسبوق حول شخصيته وميولاته واهتماماته، وما يبديه وما يخفيه. قبل 16 عاما، تنبأ المسلسل الكرتوني الكوميدي "عائلة سيمبسون" في إحدى حلقاته، بأن يصبح رجل الأعمال المثير للجدل دونالد ترامب، رئيسا للولايات المتحدة في يوم من الأيام، والطريف أن كاتب تلك الحلقة دان غريني، قال مؤخرا إنه إنما أراد فقط أن يوجه رسالة تحذير إلى الولاياتالمتحدة مما يمكن أن يحدث مستقبلا إذا اتسعت حالة الجنون أكثر في أميركا. اليوم، لم يعد الموضوع يتصل بحالة جنون أميركية، ولكنه قد يتعلق بردة فعل أميركية على حالة جنون عالمية، أو ربما هي محاولة للبحث عن ملامح مختلفة لمن يتولى الرئاسة في الدولة الأقوى عالميا. بل وقد تكون تعبيرا عن صرخة جديدة في النظر إلى الواقع والآفاق، تتجاوز المنطق والعقل، وتحدد طبيعة المشهد الجديد الذي يبدو واضحا أنه ضرب أجزاء مهمة من وطننا العربي الذي انقسم هو الآخر بين عشاق هيلاري ومشجعي ترامب، ثم وجد نفسه يجلس في الصف الأول من المسرح العالمي ليتابع فصول المسرحية التي تدور على ركح اختلط فيه الواقعي بالافتراضي. ماليا نحن أمام رئيس ثري وصاحب مشاريع اقتصادية كبرى، وضع أملاكه تحت تصرف أبنائه، ليدخل إلى البيت الأبيض ومعه جرد بكل أملاكه، سيستظهر به يوم انتهاء مهامه، ليثبت للأميركان ما إذا كان نظيف اليد كما يقول هو، أم فاسدا كما يتهمه أعداؤه. اجتماعيا نحن أمام رئيس يبدو محبا لأسرته، قريبا من أبنائه وبناته، يمتلك القدرة على التواصل مع الآخر، ما جعله ينجح في أن يحافظ على أعماله ويطور ثروته، ويطيح بتكهنات السياسيين والمحللين والإعلاميين والعرافين الذين رشحوه للهزيمة أمام هيلاري في نوفمبر الماضي. وعاطفيا يبدو أنه رجل ميال إلى الجمال، يقفز فوق حدود السن والعرق والظروف، ويعمل على الحفاظ على مساحات للدفء والرومنسية في حياته. وسياسيا هو براغماتي يحسبها بحسب ما تفرضه مصالح بلاده، ولا يهمه أن يتراجع عن مواقفه عندما يفرض عليه الوضع ذلك. واقتصاديا هو رجل أعمال ناجح، لا يحتاج لا إلى راتب البيت الأبيض، ولا إلى صفقات مشبوهة من وراء الستار، ولا إلى إدارة شبكات مافيا من تحت الطاولة. وفلكيا هو من برج الجوزاء الغربي بما يشير إلى قدرته على اختطاف الأضواء والاستعراض والثرثرة والظهور بأكثر من وجه، ومن برج الكلب الصيني الذي عليك أن تتوقع الأسوأ إذا ما تعديت حدودك معه، حيث يمكن أن يتحوّل إلى شخص عنيف، قاسي اللهجة وانفعالي إلى حدّ التجريح إذا ما مسّ بسوء، وقد يظهر فيه الجانب الدفاعي فلا يتردد في القيام بمواجهات عنيفة إذا لزم الأمر. ساعات فقط، ويدخل العالم عصر ترامب بمفاجآته المنتظرة وغير المنتظرة.