جمعت 3 وزارات.. جلسة عمل للوقاية من حرائق الغابات والمزارع لصائفة 2024    المنصف باي.. الكشف عن عملية سرقة باستعمال النطر والإحتفاظ بشخصين    كرة اليد.. الترجي يحقق فوزه الاول في بطولة إفريقيا للأندية الفائزة بالكأس    استكمال تركيبة لجنة إعداد النظام الداخلي بالمجلس الوطني للجهات والأقاليم    المنستير للجاز" في دورته الثانية"    جندوبة: حجز أطنان من القمح والشعير العلفي ومواد أخرى غذائية في مخزن عشوائي    عبد الكريم قطاطة يفرّك رُمانة السي آس آس المريضة    منوبة: حجز طُنّيْن من الفواكه الجافة غير صالحة للاستهلاك    بنزرت: القبض على تكفيري مفتش عنه ومحكوم ب8 سنوات سجنا    «لارتيستو»...الفنانة خديجة العفريت ل«الشروق».... المشهد الموسيقي التونسي حزين    ابداع في الامتحانات مقابل حوادث مروعة في الطرقات.. «الباك سبور» يثير الجدل    فضيحة في مجلس الأمن بسبب عضوية فلسطين ..الجزائر تفجّر لغما تحت أقدام أمريكا    بعد القبض على 3 قيادات في 24 ساعة وحجز أحزمة ناسفة ..«الدواعش» خطّطوا لتفجيرات في تونس    أخبار الترجي الرياضي .. أفضلية ترجية وخطة متوازنة    وزير الشباب والرياضة: نحو منح الشباب المُتطوع 'بطاقة المتطوع'    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب    القصرين..سيتخصّص في أدوية «السرطان» والأمراض المستعصية.. نحو إحداث مركز لتوزيع الأدوية الخصوصيّة    توقيع مذكرة تفاهم بين تونس و 'الكيبيك' في مجال مكافحة الجرائم الالكترونية    هزيمة تؤكّد المشاكل الفنيّة والنفسيّة التي يعيشها النادي الصفاقسي    تعاون تونسي أمريكي في قطاع النسيج والملابس    عاجل/ محاولة تلميذ الاعتداء على أستاذه: مندوب التربية بالقيروان يكشف تفاصيلا جديدة    معرض تونس الدولي للكتاب يعلن عن المتوجين    ماذا في اجتماع وزيرة الصناعة بوفد عن الشركة الصينية الناشطة في مجال إنتاج الفسفاط؟    عاجل/ هذا ما تقرّر بخصوص زيارة الغريبة لهذا العام    المعهد الثانوي بدوز: الاتحاد الجهوي للشغل بقبلي يطلق صيحة فزع    عاجل/ تعيين مديرتين عامتين على رأس معهد باستور وديوان المياه    النادي البنزرتي وقوافل قفصة يتأهلان إلى الدور الثمن النهائي لكاس تونس    حالة الطقس خلال نهاية الأسبوع    الوضع الصحي للفنان ''الهادي بن عمر'' محل متابعة من القنصلية العامة لتونس بمرسليا    لجنة التشريع العام تستمع الى ممثلين عن وزارة الصحة    سيدي بوزيد: وفاة شخص وإصابة 5 آخرين في اصطدام بين سيارتين    تخصيص 12 مليون م3 من المياه للري التكميلي ل38 ألف هكتار من مساحات الزراعات الكبرى    عاجل/ كشف هوية الرجل الذي هدّد بتفجير القنصلية الايرانية في باريس    عاجل/ انتخاب عماد الدربالي رئيسا لمجلس الجهات والأقاليم    الصالون الدولي للفلاحة البيولوجية: 100 عارض وورشات عمل حول واقع الفلاحة البيولوجية في تونس والعالم    انطلاق معرض نابل الدولي في دورته 61    مضاعفا سيولته مرتين: البنك العربي لتونس يطور ناتجه البنكي الى 357 مليون دينار    برنامج الجلسة العامة الافتتاحية للمجلس الوطني للجهات والأقاليم    نقابة الثانوي: وزيرة التربية تعهدت بإنتداب الأساتذة النواب.    انزلاق حافلة سياحية في برج السدرية: التفاصيل    تواصل حملات التلقيح ضد الامراض الحيوانية إلى غاية ماي 2024 بغاية تلقيح 70 بالمائة من القطيع الوطني    عاجل/ بعد تأكيد اسرائيل استهدافها أصفهان: هكذا ردت لايران..    عاجل: زلزال يضرب تركيا    وفاة الفنان المصري صلاح السعدني    توزر: ضبط مروج مخدرات من ذوي السوابق العدلية    كلوب : الخروج من الدوري الأوروبي يمكن أن يفيد ليفربول محليا    بطولة برشلونة للتنس: اليوناني تسيتسيباس يتأهل للدور ربع النهائي    انتشار حالات الإسهال وأوجاع المعدة.. .الإدارة الجهوية للصحة بمدنين توضح    المنستير: ضبط شخص عمد إلى زراعة '' الماريخوانا '' للاتجار فيها    خطبة الجمعة..الإسلام دين الرحمة والسماحة.. خيركم خيركم لأهله !    اسألوني .. يجيب عنها الأستاذ الشيخ: أحمد الغربي    منبر الجمعة .. الطفولة في الإسلام    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    وزير الصحة يشدّد على ضرورة التسريع في تركيز الوكالة الوطنية للصحة العموميّة    شاهدت رئيس الجمهورية…يضحك    حيرة الاصحاب من دعوات معرض الكتاب    غادة عبد الرازق: شقيقي كان سببا في وفاة والدي    موعد أول أيام عيد الاضحى فلكيا..#خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحقيق استقصائي يكشف معاناة الفلاحين زارعي "القلوب الكحلة" بعد غزو "قلوب تركيا"

نشرت وكالة تونس افريقيا للأنباء اليوم الاربعاء 20 سبتمبر 2017 تحقيقا استقصائيا من اعداد الصحفية شريفة الوسلاتي والذي تم اعداده بدعم من مركز تطوير الاعلام وبمتابعة من الاعلامية منى المطيبع حول معاناة الفلاحين الذين يزرعون نبتة عباد الشمس التي تعرف في تونس ب"القلوب الكحلة" بعد غزو واكتساح "القلوب البيضاء" المستوردة من تركيا.. وفيما يلي كامل التحقيق:
يتنهد شفيق الفلاح ذو ال35 سنة دون أن تتحول عيناه عن مزرعة أجداده ساحرة الجمال المرصعة، فى نهاية ربيع 2017، بأقراص زهرات "عباد الشمس" أو "دوار الشمس" بأوراقها الصفراء الكبيرة وهي تتبع وجهة الشمس أينما تحولت. يقول مخاطبا حليمة، كبيرة العاملات ذات ال67 عاما، بلهجة تطلب مؤازرته فى شهادته: أتذكرين، حتى خمسة سنوات خلت، كان هذا المنظر ممتدا على مدى البصر بمنطقة الحمرونية بباجة، لا تحده سوى الهضاب المجاورة. أما هذه السنة، فمزارع عباد الشمس أو"القلوب" بلسان التونسيين و"الطايعة" بلهجة أهالي باجة، "أضحت فألا وكأنها الماء فى صحراء. كانت مصدر غنانا فأضحت مصدر تفقيرنا". يتجه شفيق نحو سيارته الرمادية الفخمة ينظر إليها نظرة عشق كنظرته منذ لحظات لمزرعته، لعباد الشمس، للعاملات المنتشرات بفرح وكأنه يخشى عليهم جميعا من زوال:أرضه سيارته وحبوبه السوداء. تطأطئ حليمة رأسها رافعة كلتا يديها قائلة بصوت خافت "كل شي تغير فى لمح البصر".
شفيق هو أحد الفلاحين القلائل بباجة، شمال غرب تونس، الذين واصلوا، سنة 2017، زراعة بذور عباد الشمس السوداء بعد الضربة القاصمة التى عرفها القطاع منذ سنة 2013، تاريخ بداية اكتساح "القلوب البيضاء التركية" للأسواق التونسية، إثر تفعيل البند الثانى من اتفاقية التبادل الحر بين تونس وتركيا، الموقعة في 25 نوفمبر 2004، والذى ينص على "بعث منطقة للتبادل الحر في ظرف أقصاه 9 سنوات" إلى جانب مصادقة المجلس التأسيسي على القانون عدد 26 لسنة 2013 المتعلق بالمصادقة على معاهدة الصداقة والتعاون بين الجمهورية التونسية والجمهورية التركية.
توريد "القلوب البيضاء التركية"، نشاط "منظم وعشوائي فى آن واحد" أدى إلى ركود الانتاج المحلى لعباد الشمس وإلى خسائر تحملتها المجموعة الوطنية بسبب توريد مواد غير ضرورية مثل بذور عباد الشمس البيضاء، فى الوقت الذي تمر به البلاد بصعوبات اقتصادية. كما أدى إلى فقدان آلاف مواطن الشغل وإلى تفقير التربة أمام تخاذل الحكومة في اتخاذ الاجراءات اللازمة لحماية المنتوج الوطني.
تقهقرت مساحات غراسة عباد الشمس السوداء بمواطن انتاجها بولايات الشمال التونسي (باجة وجندوبة وبنزرت)، حسب احصائيات وزارة الفلاحة، من 9.740 هكتارا، أنتجت 96.400 قنطارا من "القلوب السوداء" سنة 2013 ألى 3.585 هكتارا أنتجت 24.845 قنطار سنة 2017. وهو ما يعنى تراجع المساحات المزروعة إلى قرابة الثلث والإنتاج الوطنى إلى الربع، فضلا عن خلق تبعية جديدة فى مجال بذور عباد الشمس فى ظل تقصير وزارة التجارة وتباطئها في استخدام الآليات المنصوص عليها فى الاتفاقية التونسية التركية ذاتها والتى تسمح (الفصل 18) باتخاذ اجراءات مباشرة فى صورة تسجيل تضرر منتوج محلي أو إغراق، حيث لم يتم اتخاذ هذه الاجراءات إلا فى شهر جويلية الماضي بعد أن سجل الاقتصاد الوطني أضرارا هامة مع العلم أن التنقيحات والإجراءات التي تم اقرارها ستكون "استثنائية ووقتية أو محدودة الصلاحية"،حسب ما تنص عليه الاتفاقية ذاتها وهو ما سيبينه هذا التحقيق الاستقصائى:
ركود المخزونات التونسية وجنة "للقلوب "التركية
مواسم ثلاث متتالية تمر 2013 و2014 و2015. تتكدس أكياس بذور عباد الشمس السوداء ب188 مخزنا للمواد الفلاحية المحلية يمتلكها الخواص بباجة، أحصتها الإدارة الجهوية للتجارة. خلال هذه الفترة يسجل الفلاحون، بهذه الولاية التى توفر أكثر من 90 بالمائة من الانتاج الوطنى من حبوب عباد الشمس السوداء (انظر الجدول رقم 1)، أعلى نسبة خسائر منذ انطلاق زراعة عباد الشمس فى الجمهورية التونسية فى الستينات من القرن الماضي. فقد أضطر الفلاحون إلى بيع الانتاج الراكد لديهم بأبخس الأثمان، إن أمكن ذلك، بالمقارنة مع الأسعار المتداولة التى سجلتها الادارة الجهوية للتجارة والتى انخفضت من أربعة دنانير تونسية (قرابة 2 اورو) سنة للكلغ الواحد2010 إلى دينار ومائتى مليم (قرابة نصف أورو) سنة 2015.
فخلال المواسم المذكورة يجلب الفلاح محصوله من حبوب عباد الشمس للسوق الاسبوعية بمدينة باجة ويعود بها أدراجه مستغربا الوضع ومتكبدا مصاريف التنقل والانتصاب بالسوق، وفق هشام الوشتاتى فلاح وحسب شهادات متطابقة للفلاحين الذين لخصوا ما أصابهم فى كلمتين "قلوب تركيا". أما بالنسبة لموسم 2017 فقد وصل العرض إلى أدنى مستوياته. وقال ياسين المغراوى رئيس نقابة الفلاحين بباجة إن الكميات المنتجة، هذه السنة، والتى تقارب 25 ألف قنطارا "لن تجد مشكلا فى الترويج"، بسبب قلة الانتاج خاصة وأن العديد من الفلاحين أقلعوا عن زراعة عباد الشمس.
وفي المقابل، نجد انتعاشة للفاعلين فى سوق نشيطة لحبوب عباد الشمس البيضاء القادمة من تركيا، التى تنتج سنويا حوالي 800 الف طن خاصة بمدينة "تراكيا" شمال غرب تركيا وبالجيك وسامسون، مقارنة بإنتاج تونسي لا يتجاوز، فى أحسن المواسم، ما يقدر ب 96 ألف طن. بذور عباد الشمس التركية (حسب ما هو مكتوب بالأكياس حول مصدرها ) تحل بميناء رادس بطرق قانونية ومنظمة لتنتشر بالعاصمة عبر وسطاء وسماسرة ومحلات وشركات فى مناطق ذاع صيتها فى طهيها وتعليبها وبيعها بتونس الكبرى، بالجم, بصفاقس, بقربة...وبعديد المدن الأخرى.
ونذكر من بين هذه الشركات "شركة البركة اخوان" ببنى عيشون بقربة و "مؤسسة العموسى لقلي الفواكه الجافة" طريق تونس بصفاقس والقائمة تطول لتشمل الفاعلين والناشطين فى هذا المجال. ونجد من بينهم فاعلين بالاقتصاد الوطني قبل 14 جانفي2011 وفاعلين اقتصاديين جدد لهم علاقة بشخصيات سياسية نافذة، وفق العديد من الفلاحين والخبراء الذين طلبوا من معدة التحقيق عدم ذكر تفاصيل هوية الجهات المعنية. فى هذه السوق النشيطة تباع بذور عباد الشمس البيضاء جاهزة للأكل بأسعار تتراوح بين 4,800 دينارا و5,500 دينارا للكيلوغرام الواحد، دائما حسب تشخيص الإدارة الجهوية للتجارة وتصل أسعار هذه المواد إلى 12 دينار لدى محلات البيع بالتفصيل للمستهلك "الحماصة".
الموردون لعباد الشمس البيضاء، وهي احدى المواد المستفيدة من الاعفاء من المعاليم الديوانية بمقتضى اتفاقية التبادل الحر مع تركيا، مستفيدون من هذا الإجراء وكذلك من "فوضى التوريد القانوني من تركيا "حسب تعبير الخبير الاقتصادى مراد حطاب. هؤلاء الموردون "كثر" ولا يمكن حصرهم فهم آلاف من الاشخاص والشركات ممن وصفهم نفس الخبير"بالباحثين عن الربح السريع". فقد تكونت بعد 14 جانفي 2011 قرابة 10 آلاف شركة غير مقيمة فى تونس مستفيدة من الامتيازات والعلاقة المميزة لتونس مع بعض الدول، حسب مراد حطاب وتتمتع شركات التجارة الدولية ونشاطها تصدير وتوريد البضائع والقيام بعمليات المناولة الدولية والسمسرة باعفاء كلي من الاداءات والمعاليم الديوانية المستوجبة عند توريد المواد اللازمة لنشاطها وبالاعفاء على القيمة المضافة عند اقتناء المواد والمنتوجات والخدمات لنشاطها المحلي (انظر الرابط التالي )http://www.douane.gov.tn/index.php?id=84&L=1
وتبين احصائيات المعهد الوطنى للإحصاء أن عدد الشركات غير المقيمة 25.359 منها 14.098
شركة تونسية حيث أصبحت تونس وجهة لقائمة مفتوحة من السلع بداية من الجوارب والمعجنات و"القلوب" فى إطار قانوني مريح.
الاتفاقية القانون
هذا الاطار المريح تعمق فى مسار تاريخى انطلق منذ سنة 2004 تاريخ ابرام اتفاقية للتبادل مع تركيا (انظر الرابط التالي ( accord%20 coopération%20 tunisie%20 turquie.pdf ). كما تم سنة 2013 تعديل ذات الاتفاقية لإحداث منطقة للتبادل الحر بناء على ما ينص عليه بندها الثاني (بعث منطقة للتبادل الحر بعد تسع سنوات على امضائها ) وأخذ هذا المسار شكل قانون أساسي سنة 2013 بعد مصادقة المجلس التأسيسي على معاهدة صداقة وتعاون بين الجمهورية التونسية والجمهورية التركية كإجراء عادي لم تقع قراءة انعكاساته (انظر مؤطر عدد 1) قبل قرار التعديل بتاريخ 21 جويلية 2017 طبقا للفصل 17 من ذات الاتفاقية والذى سنتعرض اليه لاحقا.
وما يجعل معاهدة صداقة وتعاون بين الجمهورية التونسية والجمهورية التركية "استثناءا"، حسب عدد من خبراء الاقتصاد هو " طابعها الملزم " بعد ان اخذت شكل قانون اساسي كما أنها فتحت الباب على مصراعيه للسلع من تركيا أو عبر تركيا مما ساهم فى تدنى العائدات الديوانية إلى ما دون 3 بالمائة. كما أثرت الاتفاقية مباشرة في عديد القطاعات ومنها قطاع بذور عباد الشمس، في ظل نسق كبير من التدفقات تصعب مراقبته وفى ظل تعدد المستفيدين والفاعلين, حسب تعبير مراد حطاب.
فقد أكد وسطاء وسماسرة، طلبوا من معدة التحقيق عدم ذكر أسمائهم ومكان نشاطهم لعلاقتهم المهنية مع الموردين، أن الموردين لهذه المادة معروفون، منذ ما قبل 2011، وهم من المسيطرين على مسالك التوزيع وبعضهم تمت الاطاحة به فى إطار حملة مقاومة الفساد التى أطلقتها حكومة الوحدة الوطنية فى 2017 من بينهم "ب. ا" (حاليا بالسجن) و"س. ع" إضافة إلى موردين جدد مع العلم أنهم لا يختصون في مادة معينة. أما الفلاحون فقد أكدوا، خلال احتجاجاتهم بباجة فى مارس 2016 ، بروز " فاعلين جدد فى الاقتصاد والعمل السياسي ضالعين في التوريد الذى اعتبروه عشوائيا رغم مروره بالمسالك المنظمة اعتبارا الى انه دون حد وانه لا يراعي المصلحة الوطنية "، وفق تعبيرهم.
انهاك النسيج الاستهلاكى
بذور عباد الشمس البيضاء من بين المواد غير الأساسية التى وقع توريدها بعد 2013 بالعملة الصعبة بإعفاء ديواني، أي بدون أية معاليم ديوانية، إلى غاية اقرار تعديلات جويلية 2017 الاستثنائية والمؤقتة حيث أصبحت المعاليم الديوانية تفوق 30 بالمائة. وتقدر قيمة توريد هذه المادة سنويا ب 11 مليون دينار تونسي، حسب مصدر بوزارة الصناعة والتجارة وأربعين مليون دينار سنويا، وفق سامى الفطناسي عضو مجلس نواب الشعب ورئيس منظمة الاعراف بباجة. هذه الأرقام وإن كانت تعتبر دون أهمية كبرى فى المعاملات الدولية، حسب تعبير سامي الفطناسي، لكنها ذات أهمية كبرى لدى المزارعين وبالنسبة لجهة تختص فى انتاج عباد الشمس ويمكن أن تصل قيمة منتوج عباد الشمس الاسود بها إلى ما يعادل 48 مليون دينار.
وقد بين عدد من الوسطاء الذين طلبوا عدم ذكر اسمائهم ومناطق نشاطهم ان الفلاحين انفسهم قد تسببوا فى التشجيع على الاقبال على القلوب البيضاء اعتبارا لعدم استقرار اسعار الحبوب السوداء حيث ان اسعارها تتراوح بين 3 و5 دنانير تونسية للكيلغرام الواحد حسب حاجيات السوق مقابل استقرار اسعار عباد الشمس البيضاء بالأسواق التونسية فى حدود 5 دنانير وذكر (ع و) احد الوسطاء بالوسط التونسي "اذكر اننى جئت سنة 2011 بمبلغ يكفى لملء شاحنتى حسب الاسعار التى سمعت بها من زملائي غير ان الفلاح طلب ضعفه تقريبا معللا ذلك بجودة منتوجه.
ويرى مراد حطاب أنه وإن كان التبادل مع تركيا لا يتجاوز حدود 2 مليار دينار سنويا إلا أنه انهك النسيج الاستهلاكى ووصلت تبعاته الغذاء اليومي فى أبسط تفاصيله مما يفسر التأثير الكبير للاتفاقية التركية التونسية فى الاقتصاد التونسي والضجة التى أحدثتها فى سياق اقتصادى تونسي تميز بمؤشرات سلبية ومنها وصول المديونية إلى 5 مرات قيمة احتياطى تونس من العملة الصعبة. وكان عبيد البريكى، وزير الوظيفة العمومية المقال، قد انتقد إغراق السوق التونسية بالسلع التركية وقال" نحن نستورد القلوب البيضاء والتن والبسكويت والنسيج وهى سلع تنتجها تونس".
ويتميز هذا الظرف الاقتصادى ايضا باختلال الميزان التجارى عامة واختلال الميزان التجارى بين تركيا وتونس. فوفق بيانات المعهد الوطنى للإحصاء تجاوز العجز التجاري مع تركيا 1 فاصل 5 مليار دينار سنة 2016 وأكثر من اثنين فاصل خمسة مليار دينار سنة 2017 . كما تجاوزت الواردات التركية 3 مرات الصادرات التونسية (240 مليون دينار مقابل 760 مليون دينار فى بداية 2017) وهو رقم متواضع مقارنة بالعجز التجارى مع الصين المقدر ب30 بالمائة مثلا، غير أن تأثيره كبير باعتبار أن الواردات التركية تنافس المنتوجات المحلية فى العديد من القطاعات.
خلق عادات استهلاكية جديدة
في زاوية أخرى من المشهد، أدت وفرة بذور عباد الشمس البيضاء التركية، منذ سنة 2013، إلى إقبال المستهلك التونسي عليها مما ساهم فى كساد بذور عباد الشمس السوداء. فقد أكد 60 بالمائة من ضمن 100 مستجوبا فى اطار سبر للآراء قامت به معدة التحقيق بصفاقس ونابل وتونس وباجة وطبرقة (انظر الرسم البياني عدد 2) لدى فئات عمرية مختلفة أنهم يحبذون حبوب عباد الشمس البيضاء ويقبلون على استهلاكها.
وتدعم نتائج سبر الآراء هذا البقايا أو القشور البيضاء المتناثرة فى مدارج المسارح والفضاءات العمومية صيف 2017، حسب ما لاحظته معدة التحقيق. وكانت أكثر نسبة للمستجوبين الذين أبدوا تعلقهم الشديد ب"الحبوب السوداء" من سكان الشمال ( تونس وباجة) حتى أن تسنيم الطفلة ذات ال12 ربيعا افتكت الكلمة بحماس من تلاميذ بمحيط معهد على البلهوان بمدينة باجة تحدثوا مع معدة التحقيق بخصوص عباد الشمس، قائلة لم نعد نجد الحبوب السوداء باستمرار لدى الباعة "اذهب واروح مرارا بحثا عن البذور السوداء التى اعتدت طعمها فلا أجدها. كانت رائحتها عندما كانوا يعدونها تدغدغ أنوفنا وتدفعنا للباعة خاصة انه يمكن لك أن تحصل على كمية منها ب 100 مليم فقط".
وقد فسرت الخبيرة سناء مديمغ، الباحثة بمخبر الزراعات الكبري للمعهد الوطنى للبحوث الزراعية المختصة فى برنامج الزراعات الكبرى، الاقبال على بذور دوار الشمس البيضاء ب"الثقافة المعولمة" وتعود العين على رؤية "القلوب" المستهلكة فى الافلام والمسلسلات بلون أبيض وبحجمها الكبير"، مذكرة أن أغلب دول العالم تستهلك "القلوب البيضاء" للأكل.
حراك اجتماعى وعباد الشمس يطفو كإشكال وطني
أمام هذا الوضع فقد مزارعو عباد الشمس السوداء بباجة وجندوبة صبرهم وسجل حراك اجتماعى عاينته معدة التحقيق وشكل مادة اعلامية لوسائل الاعلام الوطنية والدولية. كما آزرت هذا الحراك مكونات من المجتمع المدنى ونواب الشعب عن جهة باجة. ففى 15 مارس و15 ديسمبر 2016 نفذت وقفات احتجاجية للفلاحين الذين قطعوا الطرقات ووجهوا صرخات (انظر الصور) لكل المتدخلين وهددوا بمقاطعة الموسم الفلاحى وبعدم زراعة الاراضي.
كما طالبوا بالوقف الفورى لتوريد بذور عباد الشمس البيضاء التركية وبإقالة وزير التجارة آنذاك محسن حسن الذى كان قد تعهد، خلال زيارة عمل لولاية باجة، فى جوان 2016، بوقف توريد "القلوب التركية" وبأنه سيطالب بمراجعة بعض الاتفاقيات التى أضرت بالاقتصاد الوطنى على غرار اتفاقية التبادل الحر مع تركيا دون أن يتمكن من تحقيق ذلك. وكان الوزير قد صرح أن "وزارة التجارة أصدرت كراس شروط لتوريد عباد الشمس البيضاء وأنه من واجبها المحافظة على القطاعات الاقتصادية". كما قامت هياكل وزارة التجارة بعمليات مراقبة لفواتير توريد عباد الشمس البيضاء إلا أن الاجراء لم يكن له تأثير باعتبار أن "القلوب التركية" متوفرة بالسوق التونسية عبر المسالك القانونية.
وطرح الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحرى اشكاليات قطاع عباد الشمس فى اشغال لجنة "خمسة زائد خمسة" (تضم اعضاء من الحكومة واعضاء من الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحرى) ودعا مرارا الى تطبيق القانون مشككا فى ان هذه البضاعة "مجهولة المصدر"، وفق تصريحات متطابقة ومنها تصريح رئيس الاتحاد الجهوي للفلاحة والصيد البحرى بباجة ناصر العمدوني وبيانات وجهها الاتحاد الجهوى فى مارس 2016 لوزارة التجارة وللاتحاد الوطنى للفلاحة.
كما كان عباد الشمس من المحاور المطروحة خلال المجلس الوزارى المنتظم فى جوان 2017 بمقر ولاية باجة بإشراف يوسف الشاهد رئيس الحكومة حيث قال زياد العذارى وزير الصناعة والتجارة أنه سيتم طرح موضوع تضرر قطاع زراعة عباد الشمس السوداء من جراء التوريد المكثف لبذور عباد الشمس البيضاء على الجانب التركي وأن تونس تحترم تعهداتها تجاه الدول. وقد تبنى عدد من المسؤولين والوزراء قضية عباد الشمس التونسي ومنهم وزير الفلاحة سمير بالطيب الذى كرر مرارا فى إجابته للفلاحين وفى رده على أسئلة معدة التحقيق "نعمل على ملف القلوب السوداء".
ارزاق تتبخر
فى الاثناء فُقد ما يعادل 731 الف يوم عمل موسمي يوفره قطاع عباد الشمس، في الفترة الفاصلة ما بين شهري فيفرى وجويلية 2017 بمعتمديات باجة الشمالية والجنوبية وعمدون وتبرسق. وهو ما يعادل تشغيل 2000 عامل قارّ بهذه المعتمديات من ولاية باجة التى تسجل معدلات بطالة مرتفعة. مهرية وحليمة وزهو وفاطمة هن من بين العاملات الموسميات ال30 الف اللواتى كان يشغلهن القطاع. التففن حول معدة التحقيق وبغضب شديد وصوت مختنق قالت مهرية كبيرة عاملات بمنطقة "المعقولة" المحاذية لمدينة باجة، "مع حلول كل ربيع كنا نستبشر بقدوم الرزق حيث نخدم "الطايعة"، بداية من مرحلة الزراعة الى مرحلة الحصاد. صرنا نتقن هذا العمل ونعمل لدى فلاحين معروفين كانوا يتزاحمون لنقلنا الى مزارعهم منذ الساعات الأولى من الفجر. كنا نعمل جميعنا. أما فى السنوات الأخيرة فقد أصبحت أختار عددا من العاملات وأترك الأخريات".
سنة 2017، تقلصت حاجيات القطاع إلى ما دون الألف عامل. وهو ما جعل عددا من الفلاحين يتخوفون من فقدان اليد العاملة فى المستقبل . وقد دعا بعض الفلاحين الى حماية هذا النوع من الزراعات الذي بدأت الجهة تتخلّى عنها شيئا فشيئا بعد أن اكتسبت خبرة طويلة واشتهرت بها. ودعا الفلاح هشام الوشتاتى "إلى التفكير في تركيز مصانع لتحويل بذور عباد الشمس إلى زيوت نباتية وهي مصانع تفتقر اليها الجهة وتونس عامة أو الى توفير سوق خارجية لترويجها ضمانا لاستمرارية وجود هذا النوع من المزروعات".
فزراعة عباد الشمس وخدمتها ألفها أهالي باجة وجندوبة وبنزرت. وهى زراعة مربحة فى أراضي الشمال السوداء حيث تحقق مردودية مالية باكثر من الثلث مقارنة بالمردودية المالية . كما أنها تعتمد طرقا تقليدية مما يتطلب عددا كبيرا من اليد العاملة منذ مرحلة زراعتها فى فصل الربيع. وتظل زهور دوّار الشمس تقضي نهارها لاهثة وراء الشمس تتبعها أينما اتجهت قبل ان تنكمش على حباتها السوداء ليلا ويستمر الأمر على هذا النسق طيلة ثلاثة اشهر حتى تنضج الحبوب ويعود العمال لقطافها بعد ان عملوا سابقا على حمايتها من الطيور. ثم تنتزع حبوبها السوداء بعد ان تجف فى الشمس الحارة وتجمع فى الأكياس ثم تُزال منها الشوائب.
الارض فى قائمة المتضررين
تداعيات تقلص زراعة عباد الشمس بباجة طالت كذلك الأرض حيث تعود الفلاح على زراعتها تطبيقا للتداول الزراعي ومحافظة على التربة خاصة وأنها زراعة لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه وهي زراعة بعلية او مطرية . وإذا ما تمت زراعة الارض حبوبا بعد عباد الشمس فإن عملية التداول تضمن زيادة فى انتاج الحبوب ب30 بالمائة على الاقل. بشير الطوحانى فلاح بمنطقة "قصر مزوار" بباجة الشمالية أشار إلى أنه أجبر على عدم اعتماد التداول الزراعي حيث فضل زراعة قطعة الأرض التي يملكها قمحا على أن يجازف بزراعة عباد الشمس خوفا من عدم ترويج منتوجه.
كما عبر عن تخوفه من أن يعزف الفلاح عن هذه الزراعة مثلما عزف على زراعة اللفت السكرى اعتبارا للاشكاليات التى تواجه هذه الزراعة. وفى هذا السياق، يهدد تراجع المنتوجات الصناعية والبقوليات المستعملة فى التداول الزراعى انتاجية القمح. وقد أشارت مريم بوحديدة، أستاذة مساعدة فى معهد الزراعات الكبرى بتونس الى أن تشجيع التداول الزراعى لتحسين إنتاجية الحبوب والمخزون الوراثي للحبوب والبقوليات عبر برامج البحث يندرج ضمن الحفاظ على الأمن الغذائي التونسي.
وكان 19 خبيرا من خمسة دول عربية اكدوا خلال مؤتمر الامن الغذائي والمائي العربي الذى نظمته جامعة الدول العربية يومي 17 و18 جويلية 2017 بمدينة باجة التونسية ان قضايا التربة والماء والغذاء تهدد بجدية الأمن القومى العربي وان التداول الزراعي فى تونس ضرورة ملحة لمواجهة فقر الاراضي. وأوصوا بإدخال البقوليات العلفية والصناعية مثل عباد الشمس والفلاحة الحافظة والمندمجة لمواجهة العجز الغذائي والتغيرات المناخية. وأكدوا ان تراجع المنتجات الصناعية والبقوليات المستعملة فى التداول الزراعي مثل عباد الشمس يهدد بتراجع انتاجية الحبوب، علما ان ولاية باجة تؤمن بين ربع وثلث الانتاج الوطنى التونسي من القمح.
زراعة عباد الشمس البيضاء تنجح بباجة والمخبر يفند الشائعات ضدها
الفلاحون من جهتهم حاولوا التأقلم مع عادات استهلاكية جديدة للتونسيين كحل لمشكلاتهم ولهدر العملة الصعبة وشرعوا فى موسم 2017 فى زراعة بذور عباد الشمس البيضاء. وأثبتوا أن أراضي الشمال صالحة لهذه الزراعة لكن بحذر شديد وبتخوف من مصادر البذور. كمال بالدويهش احد الفلاحين الذين زرعوا بذور عباد الشمس البيضاء اكد ان هذه الزراعة حققت مردودية طيبة وان انتاجيتها وصلت الى ما يعادل الطن الواحد فى الهكتار ويمكن ان تفوق مردوديتها بذور عباد الشمس السوداء فى أراضي باجة. كما أنه يمكن اعتمادها فى التداول الزراعى وقد اتسع الهكتار الواحد ل50 الف نبتة لعباد الشمس البيضاء تفوق انتاجيتها الالف كلغرام فى الهكتار ، مقارنة بما يعادل 30 الف نبتة لعباد الشمس السوداء، التى تتراوح انتاجيتها ما بين 600 كلغ والف كلغرام فى الهكتار الواحد .
و بينت سناء مديمغ الباحثة بمخبر الزراعات الكبري للمعهد الوطنى للبحوث الزراعية المختصة فى برنامج الزراعات الكبرى ان بذور عباد الشمس السوداء المحلية مضمونة وقد حافظ عليها الفلاح منذ الستينات، تاريخ دخول هذه الزراعة الى تونس، بهدف استغلالها فى صناعة الزيت غير انها لم تنتشر بالكميات المطلوبة وبقيت موجهة للأكل ولم تتجه نحو الاستعمال الصناعى الذى يتطلب تجهيزات. وبينت ان بذور عباد الشمس البيضاء التركية مجهولة المصدر وإن كتب على الأكياس بأنها قادمة من تركيا. كما يمكن ان تكون محفوفة بالمخاطر( ومنها انها لا تعطى ثمارا عندما يتم بذرها او لا تستجيب للمواصفات الصحية اذا لم تكن محفوظة بشكل جيد) إضافة إلى ان بذورها غالبا ما تكون محلية اصلية متاقلمة مع التربة والمناخ لبلد انتاجها .
وفي جانب آخر أكدت الخبيرة أن بذور عباد الشمس البيضاء يمكن استهلاكها وهى غير سامة وأنها تحتوى على كميات معقولة من الزيوت تقدر ب25 بالمائة وذلك جوابا على استفسارات معدة التحقيق حول شائعات اطلقت فى" الحرب" ضد توريد عباد الشمس البيضاء شككت فى صلوحيتها للاستهلاك البشرى وفى احتوائها على مواد سامة.
المجتمع المدني الخبراء وإطراف اخرى على الخط
المجتمع المدنى والخبراء وعدة اطراف متدخلة كانت فى خضم السجال حول التوريد "العشوائي المنظم" الذى اضر بالمنتوجات الوطنية كما كنت قد بينت انفا من خلال نموذج التوريد لبذور عباد الشمس البيضاء التى ادت الى تحركات اجتماعية بقيادة الاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحرى. وقد بين الخبير الاقتصادى مراد حطاب ان "المعاملات التجارية يجب ان تكون مبنية على التكافؤ ومدى حاجة طرف او دولة الى سلع الطرف الاخر وان مجلس نواب الشعب يجب ان يتحمل مسؤولياته" اعتبارا الى انه قد صادق على القانون سنة 2013.
واعتبر سامي الطاهرى ممثل الاتحاد العام التونسي للشغل (تصريح فى الفيديو المصاحب) أن "الكثير من الاتفاقيات أبرمتها الدولة وهي تفاوض من موقع ضعف وليس من موقع قوة وان الاتحاد وجه مذكرات بشان الاختلال الذى خلفته نتيجة توريد مواد ليس لها اهمية للاقتصاد التونسي" ودعا الى مراجعة كل اتفاقية يحين وقتها والى وقف كل توريد ليس ضرورى مثل" القلوب" البيضاء والنسيج، معلنا ان الاتحاد سيواصل تحركاته مع الخبراء الاقتصاديين بهذا الشأن". اما سامى الفطناسي عضو مجلس نواب الشعب ورئيس الاتحاد الجهوى للصناعة والتجارة بباجة فقد اكد ان اتحاد الاعراف قد تحرك باتجاه وقف هذا "النزيف" خاصة على مستوى الغرفة الوطنية للملابس الجاهزة.
الاثار السلبية التى احدثتها اتفاقيات التبادل الحر مع تركيا وغيرها على المستوى الاقتصادى والاجتماعى جعل المجتمع المدنى يدعو الى ضرورة اجراء مراجعات عميقة. فقد اصدر عدد كبير من منظمات المجتمع المدني التونسية والفرنسية والاورومتوسطية ومنها الاتحاد العام التونسي للشغل والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والرابطة التونسية لحقوق الانسان والشبكة الاورومتوسطية لحقوق الانسان بيانا حول اتفاقية التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي بتاريخ 12 فيفري 2016 بمناسبة تصويت البرلمان الاروبي لافتتاح المفاوضات حول التبادل الحر بين تونس والاتحاد الاوروبي فى 15 فيفري 2016 انظر الرابط التاليhttp://ftdes.net/%D8%A8%D9%8A ) طالبت فيه بتقييم معمق ومستقل لنتائج الشراكة بين تونس والاتحاد الاروبي على مدى الاربعين سنة على ان يشمل التقييم النتائج المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية مؤكدين ان اتفاقية 1995 قد اضرت بالاقتصاد التونسي وطالبوا بإعادة تحديد مرجعيات الشراكة مع تونس بشكل يضمن الاستجابة لمطالب العدالة الاجتماعية والكرامة والتشغيل التى نادى بها الشباب سنة 2011 واستنكر عدم اعتبار خصوصية البلاد ودعا البيان الى ضرورة التعجيل بالدراسات المستقلة والمحيينة لنتائج هذه الاتفاقية على جميع المستويات,
مخالفة الفصل 18 والفصل 14 من الاتفاقية ... "مباشرة" لا تعنى سنوات ؟
وصل قطاع عباد الشمس بتونس حد التقهقر من جراء التوريد والمنافسة غير المتكافئة وإغراق السوق منذ سنة 2013 وحتى اليوم اعتبارا الى انه لم يتم اتخاذ اجراءات فى الاجال المناسبة ولم يتم تطبيق المعالجات والآليات الموجودة فى اتفاقية الشراكة التونسية التركية ذاتها. وينص الفصل 14 على انه فى صورة ما إذا كان توريد منتوج فلاحى من احد البلدين مصدرا لتهديد جدى او اختلال فى الاسواق يبدأ الطرفان مباشرة في مشاورات للوصول الى حل فى انتظار ان يتخذ الطرف المعني الاجراءات التى يراها ضرورية وفقا للتراتيب الخاصة بمنظمة التجارة العالمية. وينص الفصل 17 أن هذه الاجراءات لا يتجاوز تطبيقها "فترة الخمس سنوات " وانه على تونس اعلام الجانب التركى بالإجراءات الاستثنائية التى تعتزم تنفيذها وانه بطلب من تركيا تنتظم مشاورات فى اطار اللجنة المشتركة.
وتهدف الاتفاقية حسب نصها الى دعم التعاون الاقتصادى بين الاطراف للرفع من المستوى المعيشي للسكان بالبلدين والى الرفع التدريجى للمحددات والحواجز امام المنتوجات ومنها المنتوجات الفلاحية وتامين اطار عادل للمنافسة. كما ينص الفصل 18 من الاتفاقية انه فى صورة ملاحظة طرف لإغراق فى العلاقات التجارية يمكنه اتخاذ اجراءات وفقا لمقتضيات الفصل السابع من اتفاقيات "الغات" لسنة1994 والفصل 21 من نفس الاتفاقية (انظر رابط الاتفاقية بداية التحقيق)
الفصل 17 من ألاتفاقية حلول محدودة الصلوحية
تمخضت الدورة الثالثة لمجلس الشراكة التونسي التركي يوم 21 جويلية 2017 عن إبرام أربع اتفاقيات وقعها وزير التجارة والصناعة زياد العذارى ونظيره التركي نهاد زيبكجي. وكان من بين اهدافها معالجة الإشكاليات المتعلقة بعجز الميزان التجاري وتنظيم التوريد والترفيع في نصيب صادرات المنتوجات التونسية نحو السوق التركية حيث تجاوزت الواردات التركية 3 مرات الصادرات التونسية (240 مليون دينار مقابل 760 مليون دينار فى بداية 2017). وتهدف الاتفاقيات ايضا الى اتخاذ إجراءات استثنائية لفترة محدودة في شكل فرض رسوم جمركية على عدد من المنتجات التركية ومنها (القلوب والنسيج) وذلك وفقا لمقتضيات الاتفاقية ومنح امتيازات تعريفية لعدد من المواد الفلاحية والفلاحية المصنعة عند دخولها إلى السوق التركية.
وقد اعتبر زياد العذارى وزير الصناعة والتجارة السابق فى ندوة صحفية وفى تصريح لاحق لمعدة التحقيق ان ما تم التوصل اليه يوم 21 جويلية يعد نجاحا حيث تم ايقاف الاعفاءات التى تتمتع بها المواد التجارية التركية وتم وضع مقاربة تعتمد على دعم التصدير والاستثمار والتمويل الخارجى واتخاذ اجراءات ظرفية على مستوى المواد الاستهلاكية. وبين ان ما تم طرحه على الجانب التركي لم يكن سهلا وان الجانب التركي كان متفهما اعتبارا الى ان الاختلال لا يجب ان يتواصل خاصة بعد ان تم فقدان أكثر من 50 الف موطن شغل فى قطاع النسيج. ودعا الى دعم النسيج الاقتصادى والقيام بعمل متكامل لوقف النزيف وتجاوز المؤشرات الحمراء للاقتصاد بما يجعل تعديل المبادلات التجارية ممكنا معتبرا ان خارطة الطريق مع تركيا على غرار مثل دول اخرى مثل الصين يجب ان تراعي السياق الحالي وان تركيا ليست متسببة وحدها في هذا العجز.
فرض المعاليم الديوانية شمل بذور عباد الشمس البيضاء التى اصبحت المعاليم الموظفة عليها تفوق ال30 بالمائة. ويندرج هذا القرار "فى نطاق الاجراءات الاستثنائية لفترة محدودة في شكل فرض رسوم جمركية على عدد من المنتجات التركية". وهو اجراء استثنائي ينص الفصل 17 على انه لا يجب ان يتجاوز ال5 سنوات. واعتبر مراد حطاب انها "تعديلات بسيطة لاقناع الرأي العام. وهي لا تعدو ان تكون ردة فعل فى سياق الضغط الاعلامى( حيث لاقى موضوع عباد الشمس على سبيل الذكر صدى اعلاميا كبيرا) والخبراء والأعراف وان المشاكل العميقة يجب ان تعالج معالجات عميقة".
فساد اقتصادى ومخالفة للفصل 10 من الدستور
هدر العملة الصعبة كما سبق ان بينه التحقيق يعتبر تبديدا للمال العام حسب محمد العيادى عضو الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وهو يندرج ضمن "الجريمة الاقتصادية المتشعبة" وهو ما يعد مخالفة للفصل العاشر من الدستور الذي ينص على ان الدولة "تحرص على حسن التصرف فى المال العمومى وتتخذ التدابير اللازمة لصرفه حسب اولويات الاقتصاد الوطنى وتعمل على منع الفساد وكل ما من شانه المساس بالسيادة الوطنية".
وزير الصناعة والتجارة يقر بتضرر قطاع "القلوب" ويدعو للنسيان( انظر الفيديو )
علل وزير الصناعة والتجارة زياد العذارى تأخر المعالجة بانشغال الجانب التركي. وحين طرحت معدة التحقيق ان المعالجات التى تقررت لموضوع عباد الشمس "وقتية لا غير" حسب نص الاتفاقية ومواجهته بالفصل 17 منها قال الوزير ان الموضوع اصبح من الماضي وانه يجب الالتفات للمستقبل. وعلل اغراق السوق بهذا المنتوج التركي وإضراره بالمنتوج الوطنى برفع المعاليم القمركية بما يترك هامش ربح كبير للموردين لبذور عباد الشمس البيضاء .وقال انه تم فرض معاليم ديوانية تفوق 30 بالمائة بما سيمكن من تجاوز اشكالية القطاع).
وصرحت سعيدة حشيشة المديرة العامة للتعاون الاقتصادي والتجاري بوزارة الصناعة والتجارة لمعدة التحقيق "ان تركيا لم تكن بنفس القوة عندما تم ابرام الاتفاق معها وان الاتفاقية عقدت فى البداية بطلب من المهنيين". كما قالت ان اتفاقيات 21 جويلية 2017 بين الجانبين التركي والتونسي تمكن من فرض معاليم ديوانية على عدد من المواد الاستهلاكية. وأضافت حشيشة أن الهدف من إبرام هذه الاتفاقيات هو الترفيع في نسبة تغطية الواردات بالصادرات الى 40 %، مثلما كانت عليه في السنوات الأولى من الاتفاقية، مؤكدة ان تركيا من ضمن البلدان التي تسجل معها تونس عجزا على مستوى المبادلات التجارية لكنها ليست فى المرتبة الاولى حيث قدر العجز التجاري مع تركيا خلال السداسي الأول لسنة 2017 ب932.2 مليون دينار بنسبة تغطية 14 بالمائة.
ونفت حشيشة أن تكون اتفاقية التبادل مع تركيا "مميزة" قائلة انها نسخة من الاتفاق مع الاتحاد الاروبي. وفسرت العجز التجارى مع تركيا بضعف الانتاج والتصدير للفسفاط وبارتفاع عدد التونسيين الموردين والمؤسسات المصدرة كليا. ولفتت الى ان العجز مع الصين وصل الى 30 بالمائة وان لتونس اتفاقيات مماثلة مع الاتحاد الأوروبي والرابطة الأوروبية للتبادل الحر، إضافة الى عدد كبير من الاتفاقيات الثنائية مع دول عربية ومتوسطية وآسوية وأن تونس بصدد التفاوض لإبرام اتفاقيات اخرى ومنها مفاوضات حالية للانضمام الى السوق المشتركة لشرق وجنوب افريقيا.
قصة القلوب "السوداء بباجة هي قصة منتوج تونسي تضرر كما هو حال مختلف الفاعلين فيه من جراء الغاء المعاليم الديوانية دون مراعاة السياق الاقتصادى وفى ظل عدم إلمام الفلاح بالمسألة حيث واصل الانتاج بصفة طبيعية لسنوات. كما أن الوضع هو تدليل على قصور الجهات الحكومية المعنية بحماية الانتاج الوطنى وتفادي هدر العملة الصعبة لتوريد منتوجات غير اساسية فى ظرف اقتصادى حساس يتسم بعجز الميزان التجارى. كما يؤشر الوضع لسوء حوكمة والتباطؤ من وزارة التجارة فى ايقاف النزيف وفى تنفيذ بنود الاتفاقية التى تضم الية لمعالجة وقتية وذلك رغم صرخات الخبراء والرأي العام.
وقد وثق التحقيق لإمكانية خلق تبعية جديدة فى مجال بذور الحبوب البيضاء التركية فى ظل تفقير متواصل للمخزون الوطنى من البذور المحلية يهدد الامن الغذائي الوطنى .وكان عمر الباهي كاتب الدولة للإنتاج النباتي السابق قد نبه الى ان استعمال البذور المحلية تراجع من 65 بالمائة سنة 1978 الى 5 بالمائة حاليا.
وقالت سناء مديمغ المسؤولة بمخبر الزراعات الكبرى ان زراعة عباد الشمس حساسة جدا للأمراض وهي بذور غالبا محلية مما يجعل من يريد ان يزرعها لا بد ان يؤتى بها من الخارج لان البذور الموجودة يمكن ان لا تعطى ثمارا اذا تمت زراعتها حيث يمكن ان تكون بذور ذات استعمال واحد . ودعت الى تشجيع البحوث حول الزراعات الصناعية والتى يمكن ان تصل تكاليفها الى 300 الف دينار وذلك حتى تكون زراعاتنا امنة. ودعا الناصر العمدونى رئيس الاتحاد الجهوى للفلاحين بباجة وزارة الفلاحة الى جلب البذور بمسالك قانونية حتى تكون مضمونة وصالحة للتكاثر ونتجنب بذلك المفاجآت فى السنوات القادمة.
أما عن شفيق فقد تمكن من ترويج منتوجه لموسم 2017 مستفيدا من قلة العرض. وقال انه سيزرع عباد الشمس السوداء فى موسم 2019 اذا كانت الارض السوداء ب"الحمرونية " من نصيبه بعد قسمة ميراث والده.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.