استعمال صفة الرئيس ممن لم يتم انتخابهم وبالتصويت الشعبي المباشر بل تم تكليفهم مؤقتا في ظرف استثنائي أمر محير في تونس خاصة وأننا نرى اليوم شخصيتين تحملان هذه الصفة التي لم ينالها عبر الخيار الشعبي وهما المنصف المرزوقي وفؤاد المبزع رغم أن الشعب التونسي صاحب السيادة لم يمنحهما هذه الصفة. المنصف المرزوقي الذي منحته المحكمة صفة الرئيس المؤقت فاز في الانتخابات كنائب عن حزب اندثر كان يسمى المؤتمر من اجل الجمهورية وكان مقررا أن يبقى في هذا المنصب لمدة سنة قبل أن تتحايل أطراف ترويكا الحكم على تفاهمات إنجاز الدستور وتمدد حكهما لثلاث سنوات كارثية الأداء والنتائج مازالت تونس تعاني تبعاتها وستبقى تعاني لفترة طويلة قادمة. شهوة منصب الرئيس التي يعاني منها قادته وفي وقت قياسي لخسارة كل رفاقه في رحلة السياسة التي انطلقت بسقوط نظام بن علي وفي قراءة سريعة لكيفية انهيار التحالفات نجد أن المنصف المرزوقي تخاصم وقاطع الجميع حتى حركة النهضة والتي بفضل خزانها الانتخابي تمكن من الوصول للدور الثاني في الانتخابات الرئاسية التي جرت في 2014 وهزم فيها أمام الرئيس الباجي قايد السبسي. في محاولة لفهم ماذا يفكر المنصف المرزوقي غير حلم الوصول لكرسي الرئاسة ودون أن يعرف كيف صار هذا الهاجس يسيطر عليه بطريقة تظهر أن علاقته بقراءة مدى الزمن منعدمة فمن خلال تحركاته التي تظهر وكأن الانتخابات على الأبواب صار الخلط بين الحلم واليقظة واضح المعالم في كل تحركاته وتصريحاته والتي لا تخرج في محتواها عن معنى "أريد الرئاسة وبعدها لكل حادث حديث". دون ذكر أو تقييم لما فعله خلال ثلاث سنوات عجاف في منصب رئيس مؤقت بدء المنصف المرزوقي حملته مهاجما الجميع حلفاء الأمس وخصومه ربما يعتمد سياسة انه سيكون الرابح الأكبر من خلال دعم جماهير خفية لا يعرفها إلا هو ويخاطبها بلغة مازال جل الرأي العام لم يفهم مضامينها فبعد أن هاجم حركة النهضة والتي يعلم جيدا بان أفضال زعيمها راشد الغنوشي الذي أعطى تعليمات صارمة لكل قواعدها بالتصويت له لكان خرج من الدور الأول لكان حكمة الغنوشي حينها ارتأت أن لا يعطي الفرصة للرئيس الباجي قايد السبسي بالفوز من الدور الأول فحول النهضة إلى جيش وراء المرزوقي الذي صدق بأنه زعيم له قواعد شعبية ستتحرك لتنتخبه رئيسا لتونس. مرت الانتخابات وتفجرت تحالفات وصداقات حزب حراك تونس الإرادة وبقي رئيسه وحيدا رفقة صديقه الأمين عماد الدايمي وحيدين لا يبعدان في المشهد عن دون كيشوت وسانشو فالمشهد يشابه اجتماع الحلم بالوهم في الحرب على طواحين الهواء، وحتى نواب الحزب الأربعة خرج ثلاثة منهم وسبقهم كل رفاق الدرب في المحطة الأخيرة. بعد اجتماع شعبي فاشل في تطاوين التي توهم أنها ستخرج بشيبها وشبابها لمبايعته زعيما وسقوط شعاره "ماناش مسلمين" والذي لم بفهم احد معناه تنقل إلى مدينة بو حجر ليعقد اجتماع مع مجموعة صغيرة من المناصرين لم يجد زعيم حزب المؤتمر من أجل الجمهورية سابقا وحراك شعب المواطنين فيما بعد ثم حراك تونس الإرادة غير مقر حزبه ليعلن مشروعه الجديد وحملته "ما تمسش دستوري". بعد "ماناش مسلمين" يبتدع رئيس الحراك شعار "ماتمسش دستوري" ويدعو لحملة شعبية يوم 27 جانفي المقبل ستكون إن كتب لها الوصل لهذا التاريخ متماهية مع الاجتماع الشعبي الذي عقده في تطاوين والذي توقع فيه انه سيكون بداية الانطلاق لثورة شعبية تتوجه زعيما للثورة الموعودة. من حق الجميع الحلم بالوصول لمنصب رئيس الجمهورية ومن حق المنصف المرزوقي أن يحلم بأن يكون يوماً ما رئيساً، ولكن ليس من حقه فرض شروطه ويدعو لمنع ترشح من يعتبرهم قد فشلوا في لإدارة الحكم فعلى هذا الأساس سيكون هو أول من سيمنع لآن الفشل كان عنوان مميز لثلاث سنوات وضعته رئيساُ مؤقتاُ بامتياز. أخر المضحكات فيما قال المرزوقي مخاطبا أول رئيس للجمهورية المنتخب ديمقراطيا "دخلت على أساس الدستور وغدرتني وما سلمتك السلطة إلا على أساس توافقات ان هذا الدستور باش يحمي الحقوق اليوم تغدرني و تريد التغيير هذا غدرة '، متابعا ' الدستور مهدد بصفة واضحة وصريحة...الشعب مطالب بالدفاع عنه ليحفظ كرامته ودستوره"، وما يصعب فهمه هل كان لدى المرزوقي الذي لم ينتخبه احد ليكون رئيسا إمكانية للتمرد ورفض تسليم السلطة لأول رئيس في تاريخ تونس انتخبه الشعب في انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة باعتراف الجميع، وما علاقته أصلا بالدستور ليضع نفسه وصيا عليه فمن كلفه ومن أعطاه تفويضا للحديث باسمه. حالة تشبه الهذيان يعيشها زعيم حراك تونس الإرادة فمازالت الانتخابات الرئاسية بعيدة والحديث عنها أشبه بأضغاث أحلام تخشى أن تستيقظ فترى الحلم سرابا والخوف كل الخوف لو كتب للمنصف المرزوقي أن يترشح وحيداً في أي انتخابات رئاسية قادمة ويخسرها لأن من سيقولون له لا سيكون اكبر بكثير ممن سيصوتون له وهنا تجتمع قمة المهزلة بالمأساة في حكاية دون كيشوت .