تونس «الشروق» هي مهنة منتشرة في كافة أنحاء العالم منها تونس، ولئن جرّم المشرّع التونسي تعاطي البغاء السري فقد أجاز البغاء العلني ونظمه طبق القانون في ما يعرف بالمواخير الا ان البعض فضل الاتجار بالجنس في ما يعرف بتجارة الرق الأبيض، وهو ما كشفت عنه قضية لبنان. «الشروق» تطرّقت الى ظاهرة البغاء السري وتعاطي الخناء على خلفية تعهّد أحد قضاة التحقيق بمحكمة تونس الابتدائية بالبحث في ملف تورطت فيه أكثر من 80 فتاة تونسية في جريمة الخناء وتم ترحيلهن من لبنان منذ شهر أوت المنقضي من مطار بيروت الى مطار قرطاج. وقد أحيلت المتهمات لمقاضاتهن من أجل تعاطي الخناء والتوسط في الخناء المصاحب بالاكراه والتحيّل الواقع في بلدان مختلفة على شخص تغريرا منه على مبارحة التراب التونسي وذلك بإدعاء وقائع لا أصل لها في الحقيقة او أخبار زائفة طبق أحكام الفصول (231 و232 و233 و235 و291 و295 من المجلة الجزائية). لبنان... الحلم المفقود يعدّ لبنان من بين الدول العربية التي تستقطب بعض التونسيات للزج بهن في ميدان الدعارة وذلك عن طريق وسطاء يتفنّنون عادة في استدراجهن وإيهامهن بالمال والترف، لكن بمجرد وصولهن يكتشفن انهن كن موضوع تجارة وتبدأ رحلة العمل الأصلي الا وهي تعاطي الخناء تحت الإكراه والابتزاز ونظرا لصعوبة الوضع تجد الفتاة نفسها مجبرة على تطبيق تخطيط الوسيط مقابل مبالغ مالية متفاوتة. كما يقع حجز جوازات سفرهن وفي صورة الرفض والامتناع يقع اثقال كاهلهن بالنفقات والمصاريف.وتوضّح احدى الفتيات المتهمات وحسب ما جاء في محاضر استنطاقها أنها قررت السفر الى لبنان رغبة منها في تحسين ظروف عيشها اذ بمجرد ان عرضت عليها الوسيطة مساعدتها على ايجاد عمل كنادلة في معطم فوافقت. ثم قامت بتحضير الوثائق اللازمة منها صورة شمسية كاملة تظهر جسدها كاملا وصور شمسية عادية ثم سلّمتها الى الوسيطة التي أرسلتها بدورها الى صاحب المحل بلبنان وبعد مدة وجيزة مكّنتها من تأشيرة السفر والتذكرة. بداية الرحلة تواصل الفتاة شرح تفاصيل الرحلة بمجرد وصولها الى لبنان وجدت الكفيل بانتظارها أقامت بنزل «واست هاوس» ثم خضعت لبعض التحاليل الطبية حول الأمراض السارية للتأكد من سلامتها الجسدية واثر الانتهاء من جميع التراتيب تنطلق رحلة العمل الحقيقي. من ملهى «نيو فايس» بمدينة جونيا، ثم ملهى «كاليغولا» «Caligula» بمدينة نهر ابراهيم، ثم ملهى «ناركيليس» «Nerculus» بمدينة ظبية ومنه الى ملهى «فودو» «Fodo» بمدينة الحزمية الى ملهى «الزيكا» «Zica» بمدينة جونيا. تعدّدت الاماكن لكن النشاط واحد وهو الرقص بملابس عارية ومجالسة الحرفاء وحثّهم على احتساء المشروبات الكحولية وتلبية رغباتهم الجنسية، وذلك مقابل مبالغ متفاوتة حسب الطلب. مع الاشارة الى أن هذه الرحلة كانت على مراحل اذ بمجرّد انتهاء العقد تعود صاحبته الى تونس في انتظار ان يجدد لها كفيلها العقد لتسافر من جديد الى لبنان وتخضع مجددا لنفس الرقابة الجسدية. الى أن تم إلقاء القبض عليها بمطار قرطاج الدولي وكانت قضية الحال. الجانب القانوني للجريمة أبرز فقه القضاء أركان جنحة تعاطي البغاء السرّي مؤكّدا انها تقتضي ركنين أساسيين وهما ركن تعوّد بيع العرض للعديد من الرجال وركن قبض المقابل المالي.وأقرّت محكمة التعقيب أنه «يكفي لتوفّر جريمة تعاطي الخناء أن تمكن المرأة رجلا من نفسها ولو من باب الصدفة دون حاجة الى المقابل المالي...» إذ مهما يكن الامر فإن الخناء يعتبر كل اتصال جنسي غير شرعي واشباع الرغبة الجنسية للغير بمقابل.وتعتبر المرأة في جريمة تعاطي الخناء الفاعل الاصلي في حين يعدّ الرجل شريكا لها وتقتضي الجريمة توفّر ركن المقابل. العقاب تواجه النساء اللاتي يتعاطين الخناء عقوبة سجنية من 6 أشهر الى عامين وخطة مالية من 20 دينارا الى 200 دينار، وهي نفس العقوبة التي تسلّط على الرجال لكن السؤال المطروح في هذه القضية هل يمكن اعتبار الفتيات المتهمات بتعاطي الخناء ضحايا التحيل والابتزاز أم أنهن فعلا مذنبات؟ وإذا سلمنا فعلا أنهن ضحايا: لماذا كرّرن التجربة؟ إذ جاء في تصريحات احدى المتهمات أنها منذ سنة 2009 تتردّد على لبنان وفي كل مرّة ينتهي عقد العمل تعود الى تونس ثم تقوم بنفس الاجراءات للسفر، فهي أصبحت إذا تعلم مسبقا طبيعة العمل. قضية الاتجار بالبشر والتوسّط للفتيات التونسيات للسفر الى لبنان أو أي بلد آخر تبقى محلّ جدل اجتماعي.وكما أشرنا منذ البداية الى أن المشرّع التونسي أجاز تعاطي البغاء العلني ونظّمه في إطار القرار الصادر في 30 أفريل 1942 الصادر عن الوالي الكاتب العام للحكومة التونسية والمتعلّق بتنظيم الفجور، فلماذا تكلّف هؤلاء الفتيات أنفسهن السفر والقانون التونسي منحهن التأشيرة طبق القانون؟