يقدم المسرحي التونسي عدنان الهلالي عددا من العروض لمسرحيته "زنقرا"، بدأها بدار الثقافة ابن خلدون بالعاصمة التونسية، ويواصل بعدها سلسلة من العروض التي تأتي بمثابة استمرار لتجربته التي بدأها منذ سنوات حين سعى لتقديم أعمال مسرحية تقطع مع السائد وتقدم رؤية مغايرة للفعل المسرحي. ويكرّم الهلالي في عمله الجديد "زنقرا" أحد أبرز نجوم الغناء في العالم وهو الفنان جاك بريل. ويجمع العرض بين الحالات النفسية المتشنجة لبطل العمل وما يتبعها من حوار داخلي أو مونولوغ، وبين المقاطع الكوميدية التي لا تخلو من مسحة حزن وأسى من خلال عمليّة التذكّر التي يمارسها بطل العرض كأداة جلد وتعذيب للذات. ويقدم الهلالي عمله بلغة فرنسيّة متينة. في العرض المسرحي يقدم الهلالي "زنقرا" من خلال شخصية الضابط المخبول الذي أدمن العزلة داخل القلعة، منتظراً قدوم جحافل العدو ليحاربها ويذيقها مرارة الهزيمة، إلا أن انتظاره طال حتى سئم ذاته ومل وجهه وازدرى وجوده وكره واقعه، فبات يهذي شظايا حب لا تزال عالقة بمهجة تكلست كأعمدة القلعة. ويروي أمجاداً لم تحدث وأحداثاً صنعتها أفكاره المهووسة بالانتظار. ويحيل "زنقرا" المشاهد إلى زمن عربيّ مملوء بالأحزان ومشحون بالمآسي التي زرعت في الإنسان العربي اليأس والعجز والخمول. يسعى العرض إلى التغلّب على الهواجس عبر الحلم والانتظار الذي يجسد «زنقرا» فيه رمز الصمود والصبر إلى أن يصل به الأمر إلى الجنون، ممّا يعطي نظرة مستقبليّة لوضع عربيّ يبدو ضبابيّاً أكثر ممّا يلزم. يقول زنقرا-الهلالي في احد مقاطع المسرحية "أنا زنقرا.. ضابط في قلعة بيلنزيو.. بيلنزيو الذي يحكم السهول. من هناك سيمر العدو، فأضحى رمزاً في انتظار هذا اليوم. يسلقني القلق فأذهب إلى التلّ.. أين أرى الفتيات مع القطعان؟ كلهن يحكين عن الغرام غمزاً فأحكي عن الخيول". و"زنقرا" شخصية مجازية استوحاها جاك بريل من رواية صحراء التتار لبيزاتي، وسعى عدنان الهلالي إلى إحيائها بمناسبة الذكرى الثلاثين لرحيل بريل الذي غنى للإنسان والحياة وناضل ضد الجشع والكره، وسخر من الموت وغنى له كثيراً حتى انتشى الموت وطرب. المسرحية من تمثيل عدنان الهلالي وإخراجه وتنسيق محمود بوعلاقي وإنتاج جمعية فنون سفيطلة. ويدرّس عدنان الهلالي اللغة الفرنسية وله كتابات مسرحية وشعريّة بالفرنسية من بينها، "مجنون ليلى" (إخراج هشام رستم) و"الملك أوديب" لصوفو كل (إعادة كتابة) و"الغراب" عن أشعار فيكتور هيغو ودونكيشوط لسرفنتس و"أزهار الشر" لشارل بودلار، وأخيرت "زنقرا" عن أشعار جاك بريل. وكانت له مشاركات سينمائية عدّة أهمها دور "رئيس عصابة" في آخر أعمال المخرج الأميركي ألبير بيون الذي صوّر في غابات بيونس آيرس في الأرجنتين.