لا يريد رئيس الوزراء الإسرائيلي "إيهود أولمرت" أن ينصت لأية انتقادات جديدة لجيشه في قطاع غزة. فيما جددت الأممالمتحدة والاتحاد الأوربي، خلال الأيام القليلة الماضية، الإعراب عن قلقهما حيال تردي الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة؛ نتيجة للاجتياح الإسرائيلي لها. "هانز ياب ميلسين"، من إذاعة هولندا العالمية، وافانا بهذا التقرير من "بيت لاهيا" في شمالي قطاع غزة. من جديد يقف "عدنان" و"نضال العطار" أمام منزلهما في بيت لاهيا، لكنهما يفعلان ذلك هذه المرة بمحض إرادتهما، غير أنهما ما زالا غاضبين "استولى الجنود الإسرائيليون على منزلنا وأخرجونا منه، بداية كان علينا، مع كل أفراد العائلة بلا استثناء، أن نقضي بضع ساعات خارج المنزل في الحقول وسط الحيوانات. فيما بعد سمح لنا الذين يحتلون منزلنا بالذهاب إلي منازل جيراننا، وعمد الجنود الإسرائيليون إلي فتح كوة كبيرة جدا في جدار المنزل بإحدى دباباتهم. المبالغة والتجاوز للمناسب والمعقول، هو الوصف الذي أطلقته الأممالمتحدة على الاجتياح الإسرائيلي لغزة؛ بهدف الضغط على الفلسطينيين لتأمين إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي المختطف "جلعاد شاليت" ومنع إطلاق الصواريخ الفلسطينية على إسرائيل. سقط نتيجة لهذه العملية حتى الآن، عشرات القتلي من الفلسطينيين، ناهيك الأضرار الجسيمة التي لحقت بالبنيات الأساسية في قطاع عزة. بالرغم من أن غالبية القتلى كانوا من المقاتلين الفلسطينيين، فقد كان من بين الضحايا أطفال ونساء أيضا، منهم طفلة تبلغ السادسة من العمر، شارك المئات من الفلسطينيين في جنازتها، التي انطلقت من مستشفى "الشفاء" بغزة، وسط أمواج من أعلام مختلف المنظمات الفلسطينية، التي جاءت تعبر عن التضامن الفلسطيني. يعرب رئيس موظفي الأممالمتحدة في غزة، "جون جينج"، عن قلقه العميق حيال تطور الأوضاع في غزة، وتحديدا سلامة السكان المدنيين فيها ويقول:"إن مستوى المعيشة في المدينة الذي كان غير مقبول أصلا – قبل الاجتياح - يتدهور الآن بسرعة، وهنالك نقص حاد في إمدادات المياه والغذاء والكهرباء." نتج النقص الحاد في الكهرباء عن القصف الإسرائيلي الذي دمر محطة كهرباء قطاع غزة، ويوضح "جون جين" كيف تزداد الأوضاع الغذائية تعقيدا ومأساوية في قطاع غزة، نتيجة للوضع الحالي قائلا: "يعتمد 750 ألف فلسطيني على المساعدات الغذائية التي تقدمها الأممالمتحدة. وقد عمل الإسرائيليون على تعطيل دخول الشاحنات التي تحمل المواد الغذائية إلي غزة منذ وقت طويل، ولو استمر الحال كما هو الآن حتى نهاية يوليو الحالي، فلن يكون لدينا ما نوزعه". ويطالب كبير الموظفين الأمميين في غزة بوقف فوري لإطلاق النار والأعمال العدوانية لإغاثة المدنيين، لكن موقفه واضح أيضا فيما يخص الجندي الإسرائيلي المخطتف؛ فهو يدعو لإطلاق سراحه فورا وإعادته إلي ذويه دون شروط. إذا حدث ذلك، فإن "جون جينج"، يعتقد أن على إسرائيل أن تفعل أكثر بكثير من مجرد الانسحاب من غزة، عليها أن تعيد تعمير محطة الكهرباء التي دمروها بأنفسهم." مهما يكن من أمر، فليس هنالك ثمة ما يشير إلي أن إسرائيل تفكر في الانسحاب من غزة في هذه اللحظة. وكان ذلك واضحا في النبرة التي تحدث بها وزير الدفاع الإسرائيلي "عمير بيريتز" الذي قال: "كل الجهود الدبلوماسية لم تثمر حتى الآن، وليس لدى إسرائيل أي خيار غير المضي فيما تفعله "لأسبوع أو لشهر أو لشهرين". لكن رئيس بعثة الأممالمتحدة في غزة أكثر تفاؤلا:"لا يمكن لهذا الوضع أن يستمر طويلا، ولا شك أن الفلسطينيين سيكسبون مزيدا من التعاطف الدولي، إذا ستمر الوضع الراهن". في الوقت نفسه، وعودة إلي بيت لاهيا، نجد "عدنان العطار" وأسرته يتحلقون حول حفرة كبيرة، حفرت على أرضية بلاط الطابق الأرضي في منزلهم، ويحدقون فيها بأسي. كان الجنود الإسرائيليون بحاجة للرمل لملء أكياس الرمل التي تحميهم ولم يجرؤوا على جلبها من الخارج. يوافق "عدنان" وأفراد أسرته من الأطفال والشيوخ والنساء، على أن الأوضاع قد خرجت من يد الجميع، وساءت إلي حد غير محتمل: "إننا نستحلفهم بالله أن يطلقوا سراحه؛ فهو لا يستحق كل هذه المعاناة التي نعيشها". *