عاجل/ رئيس الجمهورية يسدي هذه التعليمات    السلطات الجزائرية توقف بث قناة تلفزيونية لمدة عشرة أيام    اليوم وغدا: هذه المناطق دون ماء ولا كهرباء.. #خبر_عاجل    التلفزيون الجزائري يهاجم الإمارات ويتوعدها ب"ردّ الصاع صاعين"    الولايات المتحدة توافق على بيع صواريخ بقيمة 3.5 مليار دولار للسعودية    طقس اليوم : مغيم جزئيا والحرارة تصل إلى 37 درجة    التوقعات الجوية لليوم السبت    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    افتتاح مهرجان ربيع الفنون الدّولي بالقيروان    الموت يفجع الفنانة اللبنانية كارول سماحة    الاستعداد لعيد الاضحى: بلاغ هام من وزارة الفلاحة.. #خبر_عاجل    ترامب ينشر صورة بزيّ بابا الفاتيكان    غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف مواقع مختلفة في سوريا    علماء يحذرون.. وحش أعماق المحيط الهادئ يهدد بالانفجار    تفاصيل الاحكام السجنية الصادرة في قضية "التسفير"    الدوريات الأوروبية.. نتائج مباريات اليوم    جلسة عمل بين وزير الرياضة ورئيسي النادي البنزرتي والنادي الإفريقي    نصف نهائي كأس تونس لكرة اليد .. قمة واعدة بين النجم والساقية    ملكة جمال تونس 2025 تشارك في مسابقة ملكة جمال العالم بالهند    دعما للتلاميذ.. وزارة التربية تستعد لإطلاق مدارس افتراضية    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    عاجل: ألمانيا: إصابة 8 أشخاص في حادث دهس    القيروان: هلاك طفل ال 17 سنة في بحيرة جبلية!    الاتحاد الجهوي للفلاحة يقتحم عالم الصالونات والمعارض...تنظيم أول دورة للفلاحة والمياه والتكنولوجيات الحديثة    تحسّن وضعية السدود    معدّل نسبة الفائدة في السوق النقدية    اللجنة العليا لتسريع انجاز المشاريع العمومية تأذن بالانطلاق الفوري في تأهيل الخط الحديدي بين تونس والقصرين    تحيين مطالب الحصول على مقسم فردي معدّ للسكن    عاجل: بينهم علي العريض: أحكام سجنية بين 18 و36 سنة للمتهمين في قضية التسفير مع المراقبة الإدارية    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    تونس تستعدّ لاعتماد تقنية نووية جديدة لتشخيص وعلاج سرطان البروستات نهاية 2025    النّفطي يؤكّد حرص تونس على تعزيز دور اتحاد اذاعات الدول العربية في الفضاء الاعلامي العربي    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    الانطلاق في إعداد مشاريع أوامر لاستكمال تطبيق أحكام القانون عدد 1 لسنة 2025 المتعلق بتنقيح وإتمام مرسوم مؤسسة فداء    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في النظام الانتخابي في تونس
نشر في الوسط التونسية يوم 04 - 10 - 2009

مرة أخرى ينتظر الشعب التونسي محطة " انتخابية " مهمة يختار فيها ممثليه للسلطتين الرئاسية والتشريعية، ومرة أخرى لا يحمل الشعب نفسه آمالا كبيرة عليها، باعتبار حالة اليأس السياسي التي يعيشها وحالة الركود وانعدام الحركة والتي مردها سيطرة الحزب الحاكم بقبضة من حديد على كل مناحي الحياة .. فهو يمسك كل السلطات ويسيطر على الإدارة ويتحكم في الإعلام والثقافة والرياضة ويمنع أي فرضية للاختلاف والتمايز عن طروحاته،
ومرة أخرى يزداد البون اتساعا بين شعب متمدرس ومثقف ومتعايش مع عصره إلى حد كبير وبين سلطة بدائية تحكم بمقاييس القرون الوسطى وبمنطق من ليس معي فهو ضد الشعب وخائنٌ لوطنه وعميلٌ .. سلطة فاتها أن من يختلف عنها إنما هو بالأساس تونسي يحب وطنه وينكر ذاته لدرجة تضحيته ببعض فُتات الامتيازات وإقدامه على المجاهرة بمخالفتها، وهو في أسوأ حالاته أفضل من المتملقين الانتهازيين الذين يأكلون غلتها اليوم ويسبون عرشها الأول غدا، ويكيدون لك ما دمت فيهم قائما ليكيدوا عليك إذا ترجلت عن صهوتك.
وكما العادات التي لم تتغير من خمسين عاما.. حملة انتخابية متواصلة وبلا ضوابط زمنية ولا مكانية، وأموال تصرف على الدعاية والزينة والصور الضخمة ما يمكن أن يزيح شبح الفقر عن الآلاف، وبرقيات ولاء ستالينية بعد كل حركة أو حتى كل سكون، ووسائل إعلام سخيفة جدا ومتخلفة جدا ولا تحسن سوى التطبيل والتزمير وسب المعارضين والترويج أنهم لا يحسنون المعارضة وأن المعارضة لا تكون إلا بالموالاة،
كل هذا يدفع رجل القانون في لحظة ما عن البحث في الأسس القانونية لكل هذه الفوضى في عالم لطالما سخر منها ومنا وسيسخر مرة أخرى – للأسف الشديد – منها ومنا.
وقبل البدء .. لا بد من التنويه أن كاتب هذه السطور لا يحمل ضغينة مجانية لأحد، ويحب تراب وطنه دون حد، ولا يخشى في الانتصار لمصلحة وطنه لومة أحد، وخاصة لا يريد بكلامه تقديم خدمات لأحد.. ولن يعتذر إن أغضب ما سيقوله أي أحد..
فالقانون الانتخابي في تونس يحمي واضعه بامتياز، ويضمن عدم خروج الأمر عن سيطرته بوضوح وكما سيأتي بيانه عبر مختلف مراحل العملية الانتخابية:
في من ينظم الانتخابات:
من غير المعقول أن يقوم طرف في لعبة ما بدور الحكم فيها فشرط الحياد ينعدم في هاته الحالة مطلقا، هذا في الألعاب فما بالك بالانتخابات التي تحدد مصائر الشعوب وتخول لفئة قليلة أن تتحكم في مقدرات الملايين وأعناقهم، الأكيد أن الحياد يكون الشرط الأساسي المفترض توفره ومن غير المقبول التغاضي عنه أو تهميشه،
وفي حالتنا فإن القانون يخول لوزارة الداخلية تنظيم الانتخابات العامة في كامل مراحلها، بحيث يكون للولاة والمعتمدين والعمد ورؤساء البلديات دور مفصلي في جميع مراحلها، وكلهم جميعا أعضاء في الأحزاب السياسية، ومنذ الاستقلال إلى اليوم هم جميعا أعضاء في الحزب الحاكم، وقد أثبت الواقع بقوة سيطرة الولاء الحزبي سيطرة مطلقة على ممارستهم لمهامهم، فهم يشرفون على قوائم الناخبين ويفصلون في قانونية قوائم المترشحين ويشرفون على المكاتب وعلى الفرز، ثم في الأخير يأتي دور المجلس الدستوري ليبت في الطعون ثم نسأل عن غرابة النتائج ؟؟؟
كل هؤلاء الموظفين يسعون جهد أنفسهم لنصرة حزبهم الذي هو ولي نعمتهم وديمومتها رهينة فوزه، وولاؤهم يتحدد بقدر إبرازهم لمؤهلاتهم وعبقريتهم في المساهمة في " انتصاره "،
أما بخصوص المجلس الدستوري فيبدو أن هناك إرادة قوية تصر على عدم تحوله إلى محكمة دستورية يلجأ إليها الجميع طعنا في عديد النصوص القانونية والترتيبية المخالفة للدستور أو للقواعد الأعلى منها في هرم القوانين أو يتكفل بالإشراف على تنظيم الانتخابات،
هذا المجلس يتكون من 9 أعضاء منهم 4 يعينون بأمر من رئيس الجمهورية – وهو رئيس الحزب الحاكم وطرف في المنافسة الانتخابية – و 2يعينهم رئيس مجلس النواب – عضو المكتب السياسي للحزب الحاكم – ، و 3 يكتسبون عضويتهم اعتبارا لوظيفتهم وهم الرئيس الأول لمحكمة التعقيب والرئيس الأول للمحكمة الإدارية والرئيس الأول لدائرة المحاسبات، وهؤلاء الثلاثة هم أيضا معينون في الأصل في وظائفهم هذه بمقتضى أمر رئاسي،
ومن الطبيعي أن تؤثر صبغة التعيين الطاغية على هذا المجلس على حياد أعضائه الضروري لممارسة الوظيفة القضائية، ولا بد من السعي نحو تطويره إلى محكمة دستورية ينتخب أعضاءها القضاة أنفسهم من دون أي تدخل من السلطة التنفيذية.
وأخيرا نجد ما يسمى " بالمرصد الوطني للانتخابات " والذي لا يستحق طول حديث عنه لأنه منصب بالكامل من طرف رئيس الجمهورية، ولأن التجربة معه أثبتت أنه من غير المنطقي أن ننتظر منه شيئا لأن دوره هامشي جدا ولا يقتصر إلا على تأليف تقرير سطحي لا يراه أحد ولا يؤثر في شيء يرفع إلى رئيس الجمهورية، .. يعني بلغة أخرى أن لا علاقة له بنا ولا علاقة لنا به.
في تسجيل الناخبين
تعمد المشرع الانتخابي عدم اعتماد التسجيل الآلي لكل المواطنين المؤهلين بجداول الانتخاب، وهي طريقة بسيطة جدا تقوم فيها الآلة بتسجيل كل مواطن بلغ السن الانتخابي في جداول الناخبين وباعتماد رقم بطاقة تعريفه الوطنية فقط، وتمحو آليا كل من توفي منهم، ولا يتدخل البشر في عمل هذه الآلية سوى في حالة التحجير على شخص ما بحكم قضائي من ممارسة حقه الانتخابي، وهذه الآلية يمكن أن تقبل أيضا أن ترتبط بشبكة معلوماتية تسمح للناخب بالتوجه إلى أقرب مركز اقتراع لمكان تواجده مصحوبا ببطاقته الوطنية التي تمرر على الجهاز الذي يتعرف عليها آليا ويمكنه من القيام بواجبه في مكان واحد ويستحيل عليه بعد ذلك إعادة الانتخاب أو تعويض غيره، وهذه الطريقة البسيطة والمعمول بها في عديد الدول تسمح بالكشف السريع عن النتائج،
أما طريقتنا المُثلى فتسمح للشخص الواحد بالحصول على بطاقات انتخاب كثيرة وتسمح له بالاقتراع لمرات عديدة وفي مراكز مختلفة، كما تسمح باستثناء كل اليائسين من هذا النظام الانتخابي وضمان عدم مشاركتهم أو تغيير موقفهم في آخر لحظة اتقاء للمفاجآت ولارتباط التسجيل بآجال عادة ما تكون بعيدة عن اللحظة الانتخابية،
مسألة السجلات الانتخابية تطرح مشكل المساس بمبدإ المساواة أمام المرافق العمومية، فالإدارة تتدخل لاختيار مواطنين واستثناء آخرين.
في قبول المترشحين
والقانون الانتخابي في تونس يضع كل الحواجز أمام المترشحين – خاصة في الانتخابات الرئاسية – حتى إن استوجب الأمر مزيد التضييق أو ليّ عنق القانون كما في حالة الترشح للرئاسيات الذي كان مسموحا لأي عضو في المكتب السياسي لأي حزب موجود بالبرلمان ثم صار لكل أمين عام أو أمين أول فقط شرط أن يكون منتخبا لأكثر من سنتين، وهو تطريز للنصوص يهدف – بصورة لا تخفى حتى على الأغبياء – إلى منع الأستاذ أحمد نجيب الشابي والدكتور مصطفى بن جعفر ومن ورائهم كل مرشح مستقل، وكان يجدر التوسع في الترشح إذ فضلا عن الحق الطبيعي لأي حزب سياسي في ترشيح أحد أعضائه بكل حرية واستقلالية، فإنه من حق من لا ينتمي لأي حزب أن يترشح، فالبلاد تزخر بالكفاءات العلمية والسياسية والنقابية والثقافية وغيرها والتي لا ترى نفسها داخل الأطر الحزبية لكنها يمكن أن تحظى بتأييد شعبي، والأمر في دول أخرى لا يشترط سوى تزكية المترشح المستقل من قبل عدد محدد من المواطنين لا يتجاوز 5 أو 7 آلاف بحسب الحالة، أما اشتراط تزكية 30 نائبا أو رئيس بلدية فهو نص مهجور وأولى بواضعه أن يسحبه لأنه لا يخدم الوطن في شيء وليس له دور سوى التضييق على الناس.
أما في التشريعية فالقانون من الوجهة النظرية ألين ويقبل وبلا قيود ترشيحات الأحزاب السياسية وحتى المستقلين، غير أن التطبيق يشهد دائما غربلة متعمدة من الإدارة لغير المرغوب فيهم وفي مشاركتهم وحتى في رؤية وجوههم، فهي تعمد إلى إسقاط القائمات المترشحة وبالجملة وغالبا من دون تعليل أو بتعليل معلول، ولا هدف من خرق القانون الذي صاغته السلطة بنفسها سوى تفادي ظهور معارضة حقيقية في الشارع تطرح غير ما تطرحه وتقترح بدائل وترفع ألوانها وتقترب من الناس،..
المُضحك أن الغربلة تستهدف بالأساس المدن الكبرى التي عادة ما تشرئب لها العيون والأعناق .. ويبدو أن هناك رغبة جارفة وإصرارا وإلحاحا في إظهار أن هذه التجمعات السكانية الضخمة لا تعرف سوى اللون الأحمر... وأن " الأمة التونسية " لا تتجمع إلا على اللون الأحمر... وربي يستر.
ولرب يائس عَنّ له أن يسأل التونسيين الذين يمنعون عسفا تونسيين مثلهم من مشاركتهم سياسة باقي التونسيين: حتى متى ستبقون مصرين على استعمال سلطة التونسيين للتعسف على التونسيين وفرض ما ترونه حماية لنا منا ؟ .. وما نراه تخلفا حضاريا واعتداء على وعيينا ؟ ... ولن تنكروا أننا بلغنا – ومنذ سنوات طويلة – من النضج والوعي ما يؤهلنا – منذ ذاك الزمن البعيد – لحياة سياسية متطورة ؟ .. أن أنكم تنكرون ؟ .. أوتتنكرون ؟
رجاء اتركونا نرى حقيقة أنفسنا وحقيقة اختلافنا والتقائنا في اختلافنا من أجل خير هذا الوطن الجميل حتى ولو كان ذلك لأيام معدودات .. وفي إطار قد نسميه " حملة انتخابية ".
في الحملة الانتخابية
يبرز القانون في مرحلة الحملة الانتخابية بلا معنى – 1 – وبلا مخالب – 2 –:
1 – القانون بلا معنى: لأنه يضبط مدة 13 يوما للحملة الانتخابية أي أن من يترشح لرئاسة الجمهورية مثلا ليس له سوى 13 يوما لتقديم نفسه للشعب وإقناعه بأفضليته وأنه البديل المناسب، فكيف يمكن أن يتسنى له ذلك؟
في الواقع توجد في تونس 24 ولاية وأكثر من 260 معتمدية ومئات الآلاف من الناخبين المغتربين في أكثرمن 100 دولة منتشرة في أصقاع العالم، فهل أنه من العقل خنق مرشح لرئاسة الجمهورية في 13 يوم فقط ؟.. فليتصور عاقل كيف هو وضع السيد المترشح وهو يجوب 264 معتمدية تقريبا، ويحاور وسائل الإعلام المكتوبة والمقروءة والمرئية ويسافر إلى الجالية بالخارج ويناظر باقي المترشحين ويشحذ همم القائمين على حملته ومؤيديه ويبين صواب توجهاته وفساد البدائل الأخرى ويجري الحوارات الصحفية ويستقبل المواطنين ويحتفي بمريديه في صالونه الانتخابي أو خيمته الانتخابية التي أعدها للغرض... الأكيد أن المسكين سيتوفى أو يُجنّ قبل اليوم الخامس على أقصى تقدير..
13 يوما فقط ليختار الشعب تسليم مصيره بيد من قد يكون كذب عليه خلالها 13 ألف مرة،
في القوانين الأخرى للمترشح مدة غير محددة للتعريف بنفسه وببرامجه ومناظرة منافسيه من داخل حزبه ثم من خارجه حتى إذا حانت اللحظة الحاسمة يكون الجميع في تمام القدرة على التمييز الواعي والدقيق بين أوباما وماك كين وبوش، وبين ساركوزي وسيغولان روايال ومايكل اينيرامو.
2 – والقانون بلا مخالب: لأنه لم يزجر الحزب الحاكم وأعوانه عن الكف عن القيام بحملة انتخابية سرمدية تمجد مرشحيه وتبخس معارضيه ... حملة جنّد فيها كل شيء: الإذاعات والتلفزيونات والجرائد والمجلات والإدارات والمنظمات والجمعيات والمجالس المنتخبة والهيئات المنصّبة والشوارع والساحات العامة وملاعب الكرة وأئمة المساجد وبعض المعارضين الموالين – وهو إنتاج تونسي 100% – وخاصة الأموال العامة التي تصرف على الزينة ما لا يعلمه إلا الله.. وبعض الراسخين في التجمع.
أليس من حق المواطن البسيط الذي لا يعمل سياسية ولا يعرف أحدا في الخارج ولا يهمه من الدنيا سوى العيشة الهنية والميتة السوية، أليس من حقه أن يقول لمن يشتركون معه في الحقوق والواجبات: كفوا أيديكم عن العبث بمقدراتنا القليلة وكفوا ألسنتكم عن قول الزور صباحا مساء .. زور بلغ حد تصريح المترشح بأنه حقا مترشح لكنه يؤيد خصمه ... وأن ترشحه يأتي في إطار تأكيد صواب الخيارات السياسية لخصمه !!!! ... يا أمة ماتزال تضحك من جهلها الأمم.
والنتيجة الطبيعية لهكذا حملة سخيفة ومنخرمة الموازين أن يلجأ العوام إلى نظرية " إلي تعرفو خير ملي ما تعرفوش " أو انعدام حرية الاختيار الواعي عند مرحلة التصويت.
في مرحلة التصويت
عملية التصويت في الانتخابات العامة هي عملية خطيرة جدا إذ أن القدح فيها يفقد الفائز مشروعية فوزه،
هذه المرحلة تفتقر إلى كثير من التنظيم افتقارا مفتعلا وغير بريء: فعدد مكاتب الاقتراع كبير بشكل مريب، والغريب أنك تجد في مركز الاقتراع الواحد عددا كبيرا من غرف الاقتراع وفي الحي الواحد عشرات المراكز، تحت تبرير أن ذلك يأتي في إطار تقريب الخدمة من المواطن، وهو أيضا قول حق يراد به الزور، فوجود أعداد مهولة من المكاتب يضيق من هامش الرقابة عليها ويُسهّل التزوير، فلو قمنا بتركيز مكتب واحد بكل مركز وتقليص عدد المراكز لنقص العدد بكثير ولاقترب من المعقول ولسهل تركيز المراقبين حماية للإرادة المقدسة للشعب،
كما أن القانون الانتخابي في تونس لا يجرم تزوير الانتخابات، إذ لا يوجد نص جزائي واحد لا يسقط بالتقادم ينظم أركان هذه الجريمة، ويكتب بالبنط العريض على صندوق الاقتراع لعله يرهب كل من تسول له نفسه أو يسول له رئيسه العبث بإرادة التونسيين،
الطريف أن من تعمد عدم زجر التزوير ضعيف في القانون، إذ أن غياب النص الخاص لا يمنع من إعمال أحكام النص العام وهو في هذه الحالة الفصل 172 من المجلة الجزائية والذي يعاقب الموظف العمومي الذي يحدث تزويرا في وثائق رسمية من شأنه إحداث ضرر عام أو خاص بالسجن المؤبد وبألف دينار خطية وفرضت محكمة التعقيب علاوة على ذلك إعدام الوثائق المزورة.
وهذا النص الخطير يمثل في حد ذاته وسيلة للترهيب من مخاطر التزوير لو تمت كتابته في مكان تلك الجملة الشهيرة " الدخول للخلوة إجباري "،
وبالمناسبة أود أن أستفتي فقهاء علم الانتخاب عمن لم يدخل الخلوة ... هل يفسد اقتراعه ؟ وإن فسد فما كفارة ذلك ؟ ...
آخر ما يهم عملية التصويت مسألة بسيطة ولكنها على غاية من الأهمية وهي ما يتعلق بالألوان، فالقانون يفرض تعدد ألوان الورقات الانتخابية، وهو تعدد مرفوض لأنه يمكن أن يكشف عن إرادة الناخب وكثيرا ما جلب للناخبين الويلات، كما يفرض صرف أموال إضافية يمكن الاستغناء عنها باعتماد ورقة واحدة بها كل المرشحين كما يفعل كل العالم، وخاصة لابد من إلغاء الظروف البيضاء الكاشفة بجلاء ... لأن الاقتراع سري .. أو لا يكون.
في الفرز
أخطر ما في الفرز أن الصناديق غير المختومة بالشمع يتم فرزها بمكتب الاقتراع قبل وصولها للمركز الجهوي للفرز، وهي مرحلة مهمة يمكن بسهولة اغتنامها لتزوير النتائج بحذف أوراق وإضافة أخرى وكأن شيئا لم يكن، ضرورة وأنه يستحيل على عديد المرشحين توفير مراقبين في كل مكاتب الاقتراع .. وفي انتظار ميلاد رغبة صادقة في اعتماد التكنولوجيا ووسائل الاقتراع العصرية فإنه يبدو من الوجيه المطالبة بتشميع الصناديق قبل خروجها من المكتب المركزي وعدم نزع الشمع إلا بعد عودتها إليه، لضمان بعض الجدية لآليات الرقابة.
في آليات الإشراف والرقابة
الهيئة المشرفة على الانتخابات لابد أن تتمتع بالحياد قدر الإمكان وبخلاف ذلك تصبح الصورة كمن يطلب من إبليس أن يقيم الصلاة وأن ينهى عن المنكر، وتبعا لذلك فالإشراف التام من طرف السلطة القضائية أكثر من ضروري لضمان مصداقية الانتخابات العامة، ومن الممكن لها أيضا الاستعانة بأصحاب المهن والوظائف المساعدة لها من محامين وعدول تنفيذ وإشهاد وكتبة، على أن لا يرأس كل صندوق اقتراع سوى القاضي بنفسه وبمراقبة محام أو عدل على الأقل، إذ في غياب هذه الآلية سننتظر بإذن الله في كل مرة من يعترف لنا متأخرا بأنه كان شاهدا على تزوير إرادة الشعب، وسنبقى ننتظر بمرارة في كل مرة النتائج الستالينية التي لا تنطبق حتى على المعيز وليس على البشر، وسنبقى نتجرع الخيبة تلو الخيبة على وطن يمكن أن يكون أجمل، ويمكن أن نلتقي فيه جميعا من أجله.
أطرف ما قرأت من أيام ما ورد على لسان السيد الوزير من أنه يقبل الملاحظين ولا يقبل المراقبين ... فتساءلت بفضول طفولي: لماذا يحب السيد الوزير الملاحظين ويكره المراقبين ؟؟؟ وما هو دور الملاحظين وما دور المراقبين ؟؟؟ وعما يخشى السيد الوزير من قبول هؤلاء ورفض أولائك ؟؟؟ ... أليست بوادر غير مشجعة لما ننتظره متيقنين ؟؟؟
على كل الثابت أن إشراف السلطة التنفيذية المتلسبة بشكل وثيق بلباس الحزب الحاكم لن يضمن نزاهة الانتخابات وما دام الوالي هو من يختار المشرفين فلن ننتظر سوى من الخصم أن يكون منظما وحكما ومراقبا وفائزا ومقيّما لنزاهته ومهللا لنظافة يديه ... ولسوء مُنقلبنا.
السؤال الأخير: لماذا يعزف الشعب عن المشاركة في الانتخابات ؟؟؟
يخالف الحق من يقول أن أكثر من خمُس الشعب يذهب للصناديق، بقطع النظر عما يقدم لنا في المساء من أرقام تعيسة لا يصدقها حتى أشد الناس ولاء لمختلقيها... فما سبب ذلك ؟
الشعب واع شديد الوعي بأن لا دور له في اللعبة السياسية منذ الاستعمار وحتى يأتي الله بأمره، ويرفض بالتالي المشاركة في ما لن يغير شيئا في نتائج يعرفها مسبقا وستُفرض رغم كل الأنوف لمصلحة المحافظين والمنتفعين من بقاء الحال على ما هو ومن بقاء الوطن في حال التخلف عن موكب التاريخ الحثيث وغير المتوقف وغير المنتظِر.
والشعب واع أن مطالبته بالمشاركة في الانتخابات تشبه مطالبة قارئ هذه السطور بمنافسة فريق كرة قدم محترف وبكل نجومه في مقابلة كرة قدم وبحكم متحيز، تحت شعار أن القانون يسمح لك بالمنافسة وأنه بإمكانك الفوز لو آمنت بحظوظك... والتشبيه مع الفارق شنيع جدا فمواجهة فريق محترف وجاهز ومتحضر أحسن التحضير وفي ملعبه وأمام جمهوره وحكمه الذي يمنعك قبل ذلك من التمرن ويغلق في وجهك كل ملاعب التمرين المفتوحة على مصراعيها في وجهه ويعمل من سنين على سبك وإحباطك وتكريه الناس فيك ومنع مشجعيك من العمل والكلام وتخويفهم حتى لا يفكروا في مؤازرتك، وحتى إذا جاؤوا الملعب يوم المباراة لم يجدوا تذاكر دخول وإن وجدوا يمنعون بالقوة .. حماية للنظام العام والمغص العام .. والفدّة العامة.
نقطة أمل
أفيقوا بني وطني، فمن يرضيه أن يضحك العالم منا فليس منا، ومن يعتقد أنه يوجد تونسي أذكى من الجميع وملهم للجميع ومنقذ للجميع وهو الحل الأوحد والخيار الأوحد فقد عمي عن قدرة الله وفضله، ولا بد أن يستحي من مواصلة إهانة عقولنا وإضحاكنا من جهله، فلنا في وطننا من الأدمغة والكفاءات والمبدعين أكثر مما يتصور.. وإنه ميّت وإنهم ميّتون.. وسيعلم في يوم قريب أنه بقوله هذا الزور ينافق نفسه وأسياده ويخون شعبه وتراب وطنه... وأننا لن ندخر جهدا في محاولة توعيته – بكل الحب – أن يشترك معنا جميعا في بناء الوطن الأجمل... وطن لا نكره فيه بعضنا ولا نضحك من – ولا – على بعضنا... وطن تتكافأ فيها الفرص ونتداول فيها الفرص بمقياس الأجدر والأقل أخطاء والأقدر على العطاء .. فليست كينيا ولا غانا ولا تيمور ولا السنغال ولا هاييتي ولا الكثير غيرهم بأكثر حضارة منا وبأكثر إنسانية منا ولا أكثر حبا لأوطانهم منا ... ولسنا شعبا يحب الظلم ولا التزوير ولا العنف أيضا...
رجاء احترمونا واحترموا مصلحة الوطن قبلنا فمن يقبل تزوير إرادتنا اليوم لن يتردد في بيع الوطن غدا بأبخس ثمن ... ألا قد بلغت اللهم فاشهد.
*المحامي بتونس


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.