الرقم سبعة أصبح سحريا بالنسبة للرئيس، بات رقم الرئاسة، وكان الرقم الرمز لعشيقات الرئيس. فما ان يظهر على الهاتف النقال حتى كان عليهن ان يتركن كل شيء وكانت السيارات الرسمية في انتظارهن... كان اللقاء الاول بين ليلى طرابلسي وبن علي عاصفا وحدث ما يطلق عليه ب «الحب من اول نظرة»، علماً بانه كان متزوجاً من نعيمة كافي ابنة الجنرال محمد كافي الذي يدين له ابن علي بالترقية في وزارة الداخلية. وحصلت توترات بين بن علي وشقيقه بسبب هذه العلاقة الجديدة ولكن بن علي يتمتع بشخصية عنيدة ويعشق النساء الجميلات خاصة عندما يفتعلن الاثارة. وهذا ما ينطبق فعلا على ليلى، التي لا تخاف من الاقتراب من عالم الاقوياء وبفضل الاصدقاء الذين لهم علاقات في الاوساط الحاكمة تدعى الى سهرات المجتمع المخملي، وهي تغني بصوت جميل وتجيد العزف على العود، فضلا عن جمالها الفتان واناقتها ورشاقتها التي لفتت اليها كل الانظار، وكان الجميع على علم بعلاقتها بوزير الداخلية آنذاك زين العابدين بن علي. التونسية الأولى : وفي المرحلة الاولى نسج بن علي علاقة صداقة مع زوج ليلى، ولكنه سرعان ما طلب منها ان تطلقه واسكنها في فيللا فخمة في ضاحية السكرة شمال تونس العاصمة. وانجبت له ليلى نسرين في 16 كانون الثاني 1987 في تونس فاشترى لها بن علي منزلا في قرطاج، هذا المنزل الذي اصبح مقراً لجمعية بسمة التي تعنى بالمعاقين التي كانت ليلى تشرف عليها وتتلقى التبرعات الكبيرة لها من نساء الطبقة البرجوازية. والمعروف ان الرئيس بطبعه ليس مخلاً في علاقاته النسائية وادركت ليلى ان الطريقة الوحيدة التي تجعله يرتبط بها هي ان تنجب له ولياً للعهد. وبالفعل فقدت حملت منه مرة ثانية سنة 1991 وجعلته يعتقد انها حامل بصبي لكنها انجبت حليمة في بلجيكا في العام ذاته ولم يكتشف بن علي الحقيقة الا بعد الولادة. وفكر بالطلاق ولكنه تراجع وسارع باطلاق لقب التونسية الاولى على ليلى واسكنها في ملحق تابع لقصر قرطاج يطلق عليه «دار السلام». يمتد قصر دار السلام على عدة هكتارات على الشاطئ وهو مؤلف من المبنى الاساسي، القصر حيث تقيم زوجة الرئيس السابقة نعيمة كافي، وملحق كبير تابع له. مرحلة رهيبة: وكانت المرحلة التي كانت تعيش فيها الزوجتان جنبا الى جنب وتتقاسمان زوجاً واحداً رهيبة، لقد كانت نعيمة ذات تربية واصول وتعليم عال وهي شخصية لطيفة ومتواضعة ولا تتردد بتناول الطعام على مائدتنا، وقد عانت كثيراً من وضعها هذا، واذا كانت قد عوملت بقسوة من منافستها ليلى فإنها كانت دائما تتجنب الفضيحة وكانت دائما تريد حماية بناتها الثلاث: غزوة درساف وسيرين، وإبقائهما إلى جانب والدهن. لم يحصل أي إشكال مع السيدة نعيمة، وكانت تحترم الجميع، وهذا ينطبق على خدمها، وما إن وصلت ليلى إلى دار السلام حتى تحول المطبخ إلى المشكلة الرئيسية، فنحن نعمل في المنزل الأساسي، حيث تقيم نعيمة، نحضر الوجبات، وتقوم سيارة الشحن الصغيرة بنقل الوجبات إلى السيدتين. وكانت ليلى تتصل بنا باستمرار لأتفه الأسباب، وتربط طلباتها دائماً بالسؤال «ونعيمة ماذا حضرتم لها؟» وبالنسبة لنا، كنا بالفعل نحضر الوجبات الأفضل لنعيمة. جلسات سحر : وكان الرئيس يواجه صعوبات كبيرة في محاولاته جعل الزوجتين تتعايشان جنباً إلى جنب، فكل واحدة كانت تحاول جذبه إليها بأي وسيلة، بما في ذلك جلسات السحر. وكان الرئيس يعاني دائماً من آلام في المعدة، من دون أن يجد العلاج. وذات يوم أسر بذلك إلى شقيقته المفضلة وكاتمة أسراره نعيمة الطايف، التي لجأت إلى أحد المشعوذين الذي أخبرها أن في معدة الرئيس عناصر تربطه من رأسه حتى قدميه. ولكي يتخلص منها يتعين على بن علي أن يستحم في أحد الآبار الكائن في الزاوية، حيث كان صاحبها الولي يسكن مقابل بيت والد بن علي في حمام سوسة في شارع سيدي الغربي. وذهب الرئيس إلى هناك أول مرة، وبمناسبة الزيارة تم إيقاف حركة السير في المدينة، وأخليت الشوارع المجاورة للزاوية من سكانها، وزار بن علي مقام الولي وتوضأ واستحم بالمياه المباركة، وارتاح بعد الظهر في منزل والده، حيث كانت تقيم شقيقته نجاة بن علي، وحصلت الأعجوبة فقد شعر بارتياح شديد، وفي كل مرة كان يذهب إلى حمام سوسة كان الجو يصبح أكثر ودياً، كنا نحضر له الحمام، وكنا نعلم أنه يُعالج، زياراته إلى الولي باتت أكثر فأكثر في كل مرة يمكنه فيها القيام بذلك. المطبخ.. مشكلة : وفي هذه الأثناء ظل المطبخ مشكلة كبيرة. وكان الرئيس متعباً من اتهامات ليلى ونعيمة، واستدعى الطباخين أحمد تمارا زي، وعمر شلبي، وشاذلي عزاز، ومنصف دغلاوي، وسامي بن عثمان، وأعطاهم أوامره بعدم الاتصال بأي منهما. ولكن الوضع بقي صعباً، وانتهى الأمر بليلى أن طلبت بأن يكون لها مطبخها الخاص في دار السلام، بدأ عمال القصر بالعمل، لأنه بالطبع يجب أن يكون المطبخ فخماً للغاية، وتم تقسيم الطباخين إلى فريقين: عمر شلبي، ومنصف دخلاوي وسامي بن عثمان يعملون في خدمة ليلى، واختار الرئيس طاولتها. واستدعت ليلى والدتها لتقيم معها، وإذا كان لليلى من صفة حسنة واحدة، فهي حبها للعائلة، وكانت تبذل كل شيء في سبيلها، فقد كانت تعاني من رؤية شقيقتها سعيدة في حالة بؤس، ولم تكن تشعر بالارتياح لعيش حياة البذخ، بينما والدتها في ضيق، وتسكن منزلاً متواضعاً، وتحت إلحاحها أعطى الرئيس أوامره لفتحي رفاعي، زوج شقيقته حياة بن علي، لكي يتولى تنظيم انتقال سعيدة طرابلسي إلى منزل فخم في قرطاج سالامبو على شاطئ البحر، والتي كانت ملكا لأجانب يقضون فيها إجازاتهم، شاهد الجيران رجال الشرطة وهم يطردون الحارس، ويلقون بفرش الفيللا إلى الخارج. قصر بورقيبة : وخلال الصيف التالي، جاء أصحاب الفيللا لقضاء الإجازة فوجدوا أنها مشغولة، ولم يتمكنوا من فعل أي شيء. وحدثت قصص كثيرة من هذا النوع في دار السلام. ولم تكن ليلى سعيدة، لأن تقيم في دار السلام، بينما منافستها تقيم في القصر الرسمي. وقالت لمقربين منها أريد أن أسكن في القصر، القصر الذي سكن فيه بورقيبة، لكن الرئيس لم يرغب في أن ترحل نعيمة وبناته. ولكن الأمر انتهى به إلى الاستسلام لإدارة ليلى في نهاية المطاف. وبالرغم من هذا الانتصار الذي أحرزته ليلى على نعيمة، فإنها لم تكتف بل ظلت تطالب بالمزيد، وذات يوم اتصلت بي وأمرتني بالحضور فوراً إلى دار الخزنة! ودار الخزنة هذا هو المنزل الذي سكن فيه بن علي مع نعيمة قبل أن يعلن نفسه رئيساً في السابع من تشرين الثاني سنة 1987. الرقم سبعة أصبح سحريا بالنسبة للرئيس، بات رقم الرئاسة، وكان الرقم الرمز لعشيقات الرئيس. فما ان يظهر على الهاتف النقال حتى كان عليهن ان يتركن كل شيء وكانت السيارات الرسمية في انتظارهن. وجدت ذات يوم ليلى وصديقتها سلوى شريف تجلسان على الارض وحولهما الكريستال والبورسلان وسط الصحف المبعثرة، وكانتا قد جهزتا اربع علب كرتون كبيرة، وكان التعب يبدو عليهما. لقد جاءتا لجمع قطع الكريستال والصحون التي كانت ملكا لنعيمة، الجزء الأكبر ذهب الى والدة ليلى، واخذت سلوى قسما، ونفذت الأوامر ونقلت علب الكرتون الى منزل سعيدة طرابلسي. رحلات بحرية : لقد تعرفت عليها فعليا سنة 1994، حيث كنت أعمل في مطبخ قصر الحمامات. ودعت ليلى اصدقاءها وشقيقاتها ذات صيف لقضاء اجازة ملكية على شاطئ البحر. كان القصر يستيقظ باكرا والليل يعيش على إيقاع الامسيات الصاخبة، حتى الفجر، كانت ليلى تستيقظ ظهرا وتنظم رحلات بحرية. وكنا نبذل اقصى الجهود لإرضائها. وكانت تفرض علينا نمطا صعبا من العمل. كان يتعين علينا ان نلبي كل احتياجاتها كالوجبات المتنوعة والحلوى واللحوم... وكان الطهاة يعملون ليل نهار. فمنذ الصباح كانت شقيقاتها وصديقاتها يجلسن حول المسبح بينما اشقاؤها كانوا ممنوعين من الظهور، وكن يأكلن من الصباح حتى المساء، وكانت تصدمنا بذاءة الألفاظ التي كن يتحدثن بها بأصوات عالية، وكان المطبخ المكان الذي يترددن عليه أكثر من أي مكان آخر في البيت. وكن يدخلن إليه بالمايوهات، ويحولن المكان الى فوضى وكل واحدة تعطي اوامرها، وتطلب طبقا مختلفا عن الأخرى، وكانت ناجية وسلوى شريف تتفقدان العمل في كل لحظة وتتذوقان الطعام، وتتعاملان معنا كالعبيد. وبالكاد كنا نسرق ساعتين او ثلاث ساعات للنوم يوميا، وكان ممنوعا علينا ان نشرب او نأكل خلال اوقات الخدمة، كما كان ممنوعا علينا ان نأكل من بقايا الطعام الذي كانوا يتركونه وراءهم ويأمروننا ان نلقي به في حاويات النفايات. كنا نطهي يوما عشرة كيلوغرامات من السمك ومثلها من اللحوم ولا يأكلون سوى كمية قليلة من هذه الاطعمة ومع ذلك، كان ممنوعا علينا ان نأكل المخلفات. معكرونة فقط ! : ذات يوم كانت عاملة المقسم الهاتفي مريضة، فأعددنا لها سمكة. ودخلت ليلى الى المطبخ، وسألت لمن هذه السمكة؟ فأجبناها ان عاملة المطبخ مريضة، واعددنا لها السمكة، فوبختنا قائلة كيف تجرؤون على ذلك؟ السمك لنا وللعائلة! وتكرر هذا الحادث مع الممرضة، ولكننا لم نجرؤ على مثل هذا السلوك بعد ذلك. كان طعامنا يقتصر على المعكرونة، والويل لمن يتجرأ ويأكل اي شيء آخر. حتى ولو كان فاسدا. ويمكن لراشد الجنيناتي ان يشهد. ذات يوم وجد في سلة المهملات علبة لبن انتهى تاريخ استخدامها. فهم ليأكلها، لكنه فكر بأولاده الصغار فقرر ان يأخذها معه الى المنزل. وعندما انتهى دوامه عثر رجال الامن على علبة اللبن، بينما كان يغادر القصر. فاعتقل فورا، وارسل الى مسؤول الامن علي سيرياتي الذي اتصل بالرئيس ليخبره بالحادث وقرر الرئيس فصله فورا. وظل عاطلا عن العمل لأكثر من اسبوع، وتدخل مسؤول الحدائق في القصور الرئاسية لدى الرئيس، وقال له ان راشد رجل فقير ولديه اولاد صغار ووجد علبة اللبن في القمامة ولم يسرقها. فسمح له الرئيس بالعودة الى العمل. ولكن بعد هذا الحادث وقّع جميع العاملين في القصر على تعهدٍ بالقبول بالسجن لمدة عشر سنوات او الاعدام اذا ما خرج اي شيء من القصر او اذا ما تسربت اي معلومات او اذا ما جرى اي تمرد، وبالطبع من المستحيل الاستقالة. الحلقة المقبلة بمشيئة الله : بن علي كان يتعاطى الهيرويين قبل التوجه لاجتماعات الحكومة نشر على الوسط التونسية بتاريخ 15 جويلية 2011 تأليف: لطفي بن شرودة ترجمة: حسن الحسيني اعده للنشر: محمد أمين نبذة عن كتاب في "ظل الملكة": صدر في باريس عن دار نشر ميشال لافون لكاتبه (أو بالاحرى راويه) لطفي بن شرودة.