بمشاركة 1000 حرفي: غدا انطلاق الدورة 40 لصالون الابتكار في الصناعات التقليدية    جميلة غربال أرملة رشيد العيادي في ذمة الله    القيروان: صاحبة محل حلاقة نسائي تقدم شهائد تكوين مزورة    قرقنة: زورق إسعاف طبي ومروحية لنقل الحالات الاستعجالية إلى مستشفى صفاقس    غدا: انطلاق الدّورة 40 من صالون الابتكار في الصّناعات التّقليدية بالكرم    بقلم مرشد السماوي: آثارنا ومخزوننا التراثي مهدد بعبث الفاسدين وعصابات دولية.. فهل حان الوقت لبعث شرطة تراثية؟    جيش الاحتلال: هناك حاجة ملحة للتوصل إلى صفقة الرهائن ولو بتقديم تنازلات    مجلس الهايكا يطالب بإطلاق سراح الصحفيين وإلغاء المرسوم عدد 54    تسهيل منح التأشيرات الإلكترونية لفائدة الأجانب محور مجلس وزاري مُضيّق    صوناد : انقطاع في توزيع المياه بكامل منطقة وادي الخياط برواد    جلسة عمل بين هيئة الانتخابات ومحكمة المحاسبات بخصوص تنقيح قرار ضبط قواعد تمويل الحملة الانتخابية    إحالة 4 متهمين على القضاء بينهم بشير العكرمي وحبيب اللوز من اجل جرائم ارهابية    زغوان: استعداد جهوي تامّ لتأمين سير امتحانات الباكالوريا في كافة مراحلها    جلسة عمل بين وزير الدّاخليّة والمستشار الفيدرالي السويسري المكلف بالعدل والشرطة    القاهرة تستعد لاستقبال 8 آلاف مشجّع من جماهير الترجي    رولان غاروس : أنس جابر تواجه لاعبة أمريكية في الدور الأول    بدعم من المجلس البنكي والمالي.. البنوك تمول الاقتصاد ب 106 مليارات دينار    قبلي: متابعة سير الموسم الفلاحي وتقدّم عملية حماية صابة التمور من الآفات والتقلّبات المناخية    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): حكام مباريات الجولة الثامنة    محمد رمضان يحيي حفل نهائي دوري أبطال أفريقيا بين الأهلي والترجي    القيروان: احتراق 7 هكتارات من القمح و300 أصل زيتون بمعتمدتي الشبيكة وبوحجلة    عاجل/ استئناف الحكم الصادر في حق مراد الزغيدي    صفاقس تفكيك عصابة لترويج المخدرات وغسيل الأموال...حجز 50صفيحة من مخدر القنب الهندي    تونس نحو إدراج تلقيح جديد للفتيات من سن 12    تونس توقّع اتفاقية تمويل مع صندوق الإنماء الاقتصادي والاجتماعي لفائدة الفلاحة المندمجة بالكاف    غرفة التجارة و الصناعة : '' ندعو إلى إنشاء خط مباشر بين بولونيا وتونس ''    الخطوط التونسية: السماح لكل حاج بحقيبتين لا يفوق وزن الواحدة 23 كغ، و5 لترات من ماء زمزم    الجزائر: شاب يطعن شقيقته بسكين خلال بث مباشر على "إنستغرام"    منزل جميل: العثور على طفل ال 16 سنة مشنوقا    صفاقس: الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه..    الرابطة الأولى: الإتحاد المنستيري يرفض خوض الكلاسيكو إلى حين النظر في مطلبه    الرابطة الأولى: تعيينات حكام منافسات الجولة الثالثة إيابا لمرحلة التتويج    بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الهمم: رؤي الجبابلي يحرز ميدالية برونزية جديدة لتونس    الكيان الصهيوني يوبخ سفراء إيرلندا والنرويج وإسبانيا    اقتراب امتحانات الباكالوريا...ماهي الوجبات التي ينصح بالابتعاد عنها ؟    نقابة الصيادلة : إزدهار سوق المكملات الغذائية مع إقتراب الإمتحانات.. التفاصيل    عاجل/ السعودية تعلن عن قرار جديد يهم الحج..    إحباط مخطط لعملية إجتياز للحدود البحرية خلسة وإلقاء القبض على 30 تونسيا    الإسباني بيب غوارديولا يحصد جائزة أفضل مدرب في الدوري الإنجليزي    مكلف بالإنتقال الطاقي : إنتاج 2200 ميغاوات من الكهرباء سيوفر 4500 موطن شغل    ايران: بدء مراسم تشييع عبد اللهيان في مقر وزارة الخارجية    «مرايا الأنفاق» لبنت البحر .. أسئلة المرأة والحرّية والحبّ والجمال    جائزة غسّان كنفاني للرواية العربية بفلسطين ..«برلتراس» لنصر سامي في القائمة الطويلة    «حلمة ونجوم» تمدّ جسور التواصل بين تونس واليابان    علي الخامنئي لقيس سعيد : ''يجب أن يتحول التعاطف الحالي بين إيران وتونس إلى تعاون ميداني''    ‬قصص قصيرة جدا    الإبادة وهجوم رفح.. العدل الدولية تحدد موعد الحكم ضد الكيان الصهيوني    قفصة: نقطة بيع من المنتج إلى المستهلك لبيع الأضاحي    أتلانتا بطلا للدوري الأوروبي بعدما ألحق بليفركوزن أول هزيمة في الموسم    اليوم: درجات الحرارة تصل إلى 42 درجة مع ظهور الشهيلي    4 ألوان "تجذب" البعوض.. لا ترتديها في الصيف    قفصة: تقديرات أولية بإنتاج 153 ألف قنطار من القمح الصلب هذا الموسم    وزارة الصحة: جلسة عمل حول تركيز مختبر للجينوم البشري لتعزيز جهود الوقاية والعلاج من الأمراض الوراثية والسرطانية    مسرحية "السيدة المنوبية" تفتتح الدورة الرابعة لأسبوع المسرح البلدي بتونس    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الاربعاء 22 ماي 2024    هل فينا من يجزم بكيف سيكون الغد ...؟؟... عبد الكريم قطاطة    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مواقف علماء الشريعة من الإسلام السياسي
نشر في الوسط التونسية يوم 16 - 07 - 2007

لم يكن الشيخ حسن البنا مؤسس أول حركة إسلامية في العالم العربي، فقيها دينيا أو عالما من علماء الشريعة الإسلامية، بل كان معلما خريج دار العلوم القاهرية، وكذلك كان الأمر بالنسبة لخليفته المستشار حسن الهضيبي، الذي كان قاضيا، ولسيد قطب المنظر الكبير للحركة الإخوانية، الذي كان معلما وأديبا وشاعرا، واستمر الأمر تباعا، حيث خلى مكتب إرشاد الجماعة إلى اليوم من فقهاء وعلماء الشريعة، وكذا كان المرشد العام إلى يوم محمد المهدي عاكف هذا، رجلا من خريجي المدارس والمعاهد والجامعات المدنية.
وإذا ما نظر في سيرة الحركات الإسلامية في عموم البلاد المحيطة بمصر، فإن الملاحظة نفسها تظل ذات مصداقية، فرائد الحركة الإسلامية في السودان الدكتور حسن الترابي خريج جامعة الخرطوم في الحقوق، وحائز على الدكتوراه من جامعة السربون الباريسية، ولا يختلف الأمر بالنسبة لمريديه أو المنشقين عنه، فجميعهم تقريبا من الذين تابعوا تعليما مدنيا، وليس في قائمتهم من عرف بانتسابه لشريحة علماء الشريعة أو فقهاء الدين.
وفي بلدان المغرب العربي، الذي ظهرت فيه جماعات إسلامية ابتداء من أواخر ستينيات القرن العشرين، لم يسجل انتماء فقيه أو عالم دين بارز لقيادة هذه الجماعات، فراشد الغنوشي مؤسس الحركة الإسلامية في تونس، خريج جامعة دمشق في الفلسفة، وقد مارس مهنة تدريس هذه المادة في بعض الثانويات التونسية، وهو شأن رفاقه في قيادة الجماعة الإسلامية التونسية، الذين تخرجوا من كليات الطب والهندسة والعلوم الإنسانية، ولم يكن من ضمنهم من عرف بكونه فقيها أو عالما شرعيا من خريجي الجامعة الزيتونية أو غيرها من الجامعات الإسلامية المرموقة.
وفي الجزائر، لم يختلف الشأن، فأسماء مثل محفوظ النحناح – رحمه الله- أو عباسي مدني أو علي بلحاج أو رابح كبير أو عبد الله جاب الله أو غيرهم من قيادات الجماعات الإسلامية المعروفة، لم تكن إلا أسماء لشخصيات مدنية درست وتخرجت من مدارس وجامعات علمانية، و اختارت تخصصات عادية متعددة غير دينية، ولم تعرف بفقه أو علم شرعي، ومارست مهنا وأعمالا لا صلة لها بالفتوى الدينية أو التعليم الشرعي.
أما في المغرب، فقد كان عبد السلام ياسين مسؤولا في وزارة التربية والتعليم، ومدرسا في المدارس الثانوية الحكومية، تماما كما هي سيرة قادة حركات وجماعات إسلامية مغربية أخرى، من بينها حزب العدالة والتنمية الذي يقوده الطبيب النفسي الدكتور سعد الدين العثماني، ومن قادته أيضا عبد الإله بنكيران وعبد الله بها والمقرئ الإدريسي أبو زيد، وجميعهم مارسوا أو يمارسون مهنا مدنية، وتكوينهم التعليمي لم يكن تكوينا شرعيا أو فقهيا.
وبالعودة إلى بلدان المشرق العربي، فإن قيادات الحركات الإسلامية في فلسطين والأردن والعراق وسوريا ولبنان واليمن ودول الخليج، ليس من بينها تقريبا من عرف بعلم شرعي أو نال مرتبة علمية دينية من جامعة إسلامية معروفة، وقد اشتغل غالبيتهم في قطاعات مهنية عادية متعددة، من بينها الطب والهندسة والتدريس وغيرها.
ومن العلامات الفارقة، أن السمة المشار إليها، تسري بدورها على قادة أكثر الحركات الإسلامية راديكالية وتشددا وسلفية وعنفا، والمقصود بذلك تنظيم القاعدة الذي يتزعمه أسامة بن لادن، الذي درس الاقتصاد وامتهن لاحقا الأعمال التجارية، و أيمن الظواهري، وهو طبيب بشري، كان صاحب عيادة معروفة في القاهرة، ولا صلة لكليهما بالعلوم الدينية الإسلامية أو المعارف الفقهية والشرعية.
وقد اكتسب كثير من قادة الحركات الإسلامية لقب الشيخ بالعادة أو السن أو الرغبة أو الزي واللحية والعمامة، فيما يبدو تصدي هؤلاء القادة للفتوى والرأي الشرعي مسألة ذات اعتراض واحتجاج وامتناع من قبل المؤسسات والهيئات العلمية الإسلامية، فضوابط الإفتاء والاجتهاد في الإسلام، شأنها شأن الضوابط في سائر الأديان السماوية الأخرى، إنما تخضع لمرجعية إكليركية وتراتبية علمية لا يسهل تجاوزها أو الاستهانة بها.
وعلى الرغم من طابعها الشخصي، إلا أن هذه الملاحظة العامة الجامعة بين سير قادة الحركات والجماعات الإسلامية، قد تساعد بشكل كبير على الوقوف عند حقيقة وطبيعة الحركات الإسلامية، فهي حركات سياسية بالدرجة الأولى وليست حركات دينية، وهي حركات عملت على توظيف المرجعيات الدينية لتحقيق أهداف سياسية دنيوية، وليست حركات إصلاحية دينية، كحركة المعتزلة الإسلامية أو حركة الإصلاح اللوثرية في الديانة المسيحية مثلا، تهدف إلى إصلاح الفكر الديني والارتقاء بمكانة الدين في المجتمع.
لقد ظهر زعماء الحركات الإسلامية في العالم العربي طيلة القرن العشرين، في أوساط تعج بعلماء الدين الإسلامي وفقهاء الشريعة، لكنهم فشلوا في غالب الأحيان ومجمل الحالات في استقطاب العلماء والفقهاء إلى جانب دعوتهم، إلا فيما ندر وشذ، وهو ما يعني رفض هؤلاء العلماء والفقهاء الصريح أو الضمني للإسلام السياسي، و تقديرهم أن آلياته تلحق ضررا بمصالح الدين أكثر مما تفيده، وأنها تدفع إلى تحويل الثابت والمجمع عليه إلى موضوع نقاش ومزايدة ومماحكة.
و قد تضررت صورة علماء وفقهاء الشريعة الإسلامية من ثلاثة مداخل تقريبا، أولها مسارعة الجماعات والحركات الإسلامية إلى اتهام كل من لم يؤيد دعواتها إلى كونه من فقهاء وعلماء السلطان، الذين ساروا في ركاب الحكم وباعوا ذممهم للحاكم، وثانيها سعي الأنظمة الحاكمة إلى تهميش دورهم في المجتمع والحط من مكانتهم وقيمتهم الرمزية، وثالثها جنوح غالبية الفقهاء والعلماء أنفسهم إلى الجمود والتقليد والمحافظة، من منطلق إبعاد الدين عن مناطق الصراع أو اتقاء شرور الفتن، وهو سلوك ميز الأوساط الفقهية والشرعية الإسلامية على مدى قرون إلى درجة الهوس.
و الرأي أن تواضع التكوين الفقهي والشرعي لقادة الحركات الإسلامية عادة ما كان وراء تقوية نزوع التشدد والتطرف، إذ البين من التجربة أن الارتقاء في سلم العلوم والمعارف، سواء كانت روحية دينية أو دنيوية، عادة ما يقود إلى الارتقاء في سلم المحبة والتسامح والتعايش، بينما يقود الجهل والقصور العقلي ومحدودية الزاد المعرفي إلى التعصب والانغلاق والعنف.
وقد حذر علماء وفقهاء الشريعة الإسلامية على الدوام، منذ تشكل المدارس الفقهية والمذهبية الكلاسيكية، من هيمنة الغوغاء والدهماء والعامة على مقاليد الأمور والفقه والدين والحكم، بما يفسر سعي غالبية هؤلاء العلماء والفقهاء للنأي بأنفسهم عن الصراعات ذات الخلفية السياسية، وهو أمر أسس له رموز الاجتهاد الإسلامي كمالك وأبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل، الذين عاصروا قيام مستبدين وظهور جماعات إسلامية، لكنهم رأوا أن الإسلام الذي يمثلونه لا علاقة له بهذه القضايا ذات الطبيعة الدنيوية الخالصة، حتى وإن رفعت شعارات دينية.
وبالعودة إلى التاريخ المعاصر، سيلاحظ الدارس لسير العلماء والفقهاء المسلمين، أن أسماء بارزة من بينهم واكبت تأسيس حركات وجماعات إسلامية لكنها لم تقرر الانتماء إليها، بل إن علماء مثل محمد الطاهر بن عاشور ومحمد الفاضل بن عاشور فضلوا الانتماء للحركات الوطنية الجامعة على الانتماء لحركات إسلامية مفرقة، وهو تقدير شاطرهم فيه علماء الجزائر الذين أيدوا جبهة التحرير، وعلماء المغرب الذي وقفوا إلى جانب حزب الاستقلال وغيره من الأحزاب الوطنية.
إن المنطق يفترض أن أحرص الناس على الدين هم فقهاؤه وعلماؤه، وإن الجامع لآراء علماء وفقهاء الإسلام سيقف على حقيقة أن غالبيتهم كانت لديهم تحفظات ومواقف رافضة لإقامة أو تأسيس جماعات وأحزاب إسلامية في مجتمعات يشكل المسلمون غالبية عددية فيها، وأن غالبيتهم كان مدركا لأن الحب الزائد كما الكره الزائد للعقائد عادة ما يفضي إلى خلاف المرجو منه، أي إلى خراب هذه العقائد وتضييع جوهرها الإنساني والزج بها في خصومات عقيمة ضارة.
وبالمقابل، فإن الوقوف على حقيقة أن قادة الحركات والجماعات الإسلامية، هم في غالبيتهم من تلك الفئة متوسطة المعرفة والإلمام بالعلوم الفقهية والدينية، سيساعد على فهم أحد مصادر الانحراف والتشويه والضرر، التي جرتها تجارب الإسلام السياسي على الإسلام كدين وعقيدة سماوية عظيمة، لا تختلف في حقيقتها السمحاء والإنسانية والروحية السامية عن أي عقيدة دينية سماوية أخرى، تكره سفك الدماء وتحث البشر على الإخاء وترى مصلحة الشرع متماهية تماما مع مصلحة الناس، فأينما ثمة مصلحة الناس ثمة شرع الله كما قال الفقهاء قديما.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.