كتب عمر القليوبي ومحمد رشيد (المصريون) : بتاريخ 26 - 3 - 2006 أرجعت مصادر سياسية مطلعة الصمت الحكومي تجاه التصريحات الأخيرة للكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل ، والتي أكد فيها نقلا عن مصدر وصفه بالمطلع أن عملية توريث الحكم لجمال مبارك النجل الأصغر للرئيس سوف تتم خلال العام الحالي ، إلى حالة الارتباك التي سادت مؤسسة الرئاسة منذ نشر هذه التصريحات ، مشيرة إلى أن عملية بحث وتحقيق تجري حاليا على قدم وساق لمعرفة المصدر الذي نقل تلك المعلومات لهيكل ، ذلك فيما اتفق سياسيون ومراقبون على أن تصريحات هيكل لم تكن رأيا شخصيا بل معلومات مؤكدة يجرى تداولها في الدائرة الضيقة المحيطة بأروقة السلطة في مصر . ولفتت المصادر إلى أن هناك أكثر من سيناريو لتأمين نقل السلطة لمبارك الابن ، يأتي في مقدمتها القفز به إلى منصب الأمين العام للحزب الوطني الحاكم في أقرب فرصة ، على أن يعقب ذلك قيام الرئيس مبارك بالتنحي عن السلطة لأسباب صحية ، الأمر الذي يفتح الباب على مصرعيه لتقدم مبارك الابن كمرشح وحيد للانتخابات الرئاسية في ظل التعقيدات الموجودة في النص المعدل للمادة 76 من الدستور ، والتي تقصر الترشيح للرئاسة في هذه الظروف التي تمر بها البلاد على مرشح الحزب الوطني. وربطت المصادر بين تأكيدات هيكل والتصريحات الأخيرة التي أطلقها الدكتور أسامة الباز المستشار السياسي للرئيس مبارك ، وأكد فيها أن الرئيس مبارك مستعد لترك الحكم إذا ما وجد البديل الذي يصلح لخلافته ، معتبرة أن الباز كان يحاولوا تهيئة الساحة لجمال مبارك للوثوب على مقعد أبيه ، وخلق حالة من التسليم لدى الأغلبية العظمى من الشعب بالأمر الواقع والقبول بأن وصول جمال مبارك لكرسي الرئاسة صار أمرا واقعا ، وهو اتجاه قامت كبريات الصحف الأوروبية والأمريكية في الأسابيع الماضية بالترويج له . وشددت المصادر على أن هناك إصرارا شديدا لدى الرئيس مبارك على تنفيذ هذا السيناريو في أقرب فرصة وأثناء وجوده في السلطة ، لاقتناعه باستحالة تنفيذ هذا السيناريو في حالة غيابه عن السلطة ، خصوصا وأن هناك شكوكا في مواقف عدد من المؤسسات السيادية من سيناريو التوريث ، وهو ما قد يدفع الرئيس مبارك للتعجيل بعملية نقل السلطة في الأشهر القليلة القادمة. واستبعدت المصادر إمكانية إجراء النظام لأي تعديلات على المادة 76 في المرحلة القادمة لأن استمرار هذه المادة بوضعها الحالي يعطي فرصة ذهبية لمبارك الابن للوثوب على السلطة بشكل أكثر سلاسة ، مما يعطي إيحاء للغرب باختلافه عما حدث في سوريا وكوريا الشمالية والكونغو الديمقراطية. من جانبه ، أكد السفير إبراهيم يسري المحلل السياسي أن كل الظروف مهيأة لتنفيذ مخطط التوريث ونقل السلطة من الرئيس مبارك إلى نجله جمال ، مؤكدا أن تصعيد جمال مؤخرا لشغل منصب الأمين العام المساعد للحزب الوطني مؤشر قوي على أنه سيصبح على كرسي الحكم خلال فترة وجيزة ، مشيرا إلى اتفاقه التام مع مقولة هيكل من أن التوريث سيكون هذا العام. ولفت يسري لعدم وجود أي عوائق أمام مخطط نقل السلطة ، فالأحزاب الموجودة على الساحة السياسية هي أحزاب هشة وضعيفة وليس لها وجود على الساحة السياسية ، فهي مجرد أحزاب ورقية بعيدة عن اهتمامات رجل الشارع العادي ، وكذلك الجماهير لا تستطيع الاحتجاج ومنع مثل هذا المخطط في ظل إحكام النظام لقبضته على هذه الجماهير عبر الأجهزة الأمنية المختلفة. عن السيناريو الذي يمكن للنظام إتباعه في توريث السلطة ، قال السفير إبراهيم إنه من السهل تقديم مرشح مستقل وتسهيل حصوله على تزكية 250 عضوا من مجلسي شعب وشورى والمجالس المحلية ، وكلها مجالس يسيطر عليها الحزب الوطني حتى يكون مجرد مرشح صوري لنجل الرئيس ، على أن تكون هناك انتخابات رئاسية شكلية يحصل فيها جمال على نسبة تؤهله للفوز واعتلاء كرسي الحكم. من جهته ، أكد الدكتور حسن نافعة أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة أن الرئيس مبارك سيحرص كل الحرص على أن يتولى نجله الحكم أثناء وجوده لأن غياب الرئيس مبارك قبل نقل السلطة لنجله سيصعب من إنجاز هذه المهمة وربما سيفشلها ، مؤكدا أن الرئيس مبارك ونظامه سيضرب بعرض الحائط أي احتجاجات تنظمها القوي السياسية الرافضة لملف التوريث . وفسر نافعة حالة الصمت الذي يبديه النظام حيال هذا الملف في الوقت الرهن إلى رغبته في تكريسه كأمر واقع ، مشيرا إلى أن تصريحات أسامة الباز السابقة تؤكد السيناريو الذي يتوقعه الأستاذ هيكل . ويرسم السفير عبد الله الأشعل المحلل السياسي ملامح سيناريو التوريث ، مشيرا إلى أن صفوت الشريف سيفتح حلقات هذا السيناريو عن طريق تنحيه عن أمانة الحزب الوطني تاركا المجال لتصعيد جمال مبارك بدلا منه كأمين عام للحزب وبعدها يتنحى مبارك عن الحكم لأسباب صحية مستغلا عدم قدرة الأحزاب على ترشيح منافس لنجله ، وكذلك عجز جماعة الإخوان المسلمين الترشيح لافتقادهم الدعم في المحليات ، وبذلك يتم طرح جمال كمرشح للحزب الوطني أمام أحد المرشحين المستقلين ويفوز في تلك الانتخابات ليكون بعدها رئيسا لمصر .