كتبت قبل أيام قلائل الفصل الأول من خلاصة تجربة شخصية وجماعية هدفت الى ايقاف نزيف الصراع السياسي المفتوح منذ بداية عقد التسعينات من القرن الماضي بالجمهورية التونسية , ولعلني كنت قاصدا والى أقصى الحدود ومن خلال الاشارة والتلميح الترفع عن الدخول في متاهات الاتهام والشتام بين مكونات الطيف السياسي والوطني الواحد ,طالما أن الهدف من محاولات الاصلاح والمصالحة لم يخرجا عن وجهتهما الوطنية السليمة وطالما أن جهود الاصلاحيين لم تسقط في فخاخ العطاءات والابتزازات ومراحل قبيحة من التذلل على أعتاب محترفي احتكار صناعة القرار ... لم أرد من خلال ما ذكرت من معطيات تاريخية سابقة حول محاولات تجذير خيارات الصلح والوفاق تونسيا ضمن رؤية عقلانية تقدم درء المفاسد على جلب المصالح ,الا الاعتراف ودون خجل وفي اقرار بالحقيقة بأن محترفي السياسات الأمنية والاستئصالية في بلدنا تونس قد غلبوا كفة الصراع والتمادي في التنكر لحقوق المواطنة الكاملة على كفة الاصغاء لمنطق العقل والمصلحة الوطنية العليا ... ولم أكن حين اخترت التحدث بصوت عال هذه المرة حول نتائج ومحصلات هذه المحاولات الوفاقية الا أمينا مع الذات ومشهدا للنفس أمام بارئها وخالقها بأن أي محاولة جديدة في مثل هذه الظروف والمؤشرات السياسية والأمنية العامة التي يمر بها البلد الا مضيعة للوقت واهدار للحبر وتضييع للكرامة ولاسيما اذا ماانتقلت هذه المحاولات من اطارها النبيل والوطني السامي الى اطارها التذللي والتسولي الكريه من قبل أشخاص هم في غنى عن ممارسة أدوار نربأ بالنفس أن تنزل الى مداركها السفلى ... أفرق بلا شك بين الأخوة الدينية والوطنية والانسانية الجامعة وبين المصالح الشخصية والسياسية العابرة , اذ أن مايجمعني ببعض الاخوان والأصدقاء هو أكبر من مشاريع ابتزاز انية مالها من قرار ,ومن ثمة فان دفاعي عن بعض الاخوان سابقا لم يكن أصلا شيكا بدون رصيد بقدر ماأنه كان رغبة صادقة في ايقاف حالة التدهور الأخلاقي في الخطاب الاسلامي التونسي ... أما وقد أصبح البعض يتسول كرامة اخوانه وحريتهم وشرف الوطن والمواطن بالمذلة والشبهات أو الرغبة في العطاء الرسمي مقابل سراب يحسبه الضمان ماء ,فاننا نشهد الله رب العالمين بأن أنفسنا التي تعلمت العزة في محاضن الوطن والمنافي وضيق الأنفس والثمرات ...,نشهده تعالى بأن أنفسنا تأبى علينا التمسح على أحذية لماعة ومغرية ولكنها لن ترتفع بوصة واحدة على جماجم الشهداء وعزة وكرامة رفاق دربنا واخوتنا السجناء من الذين طلبوا الحرية للوطن فعوقبوا على ذلك بزنزانات انفرادية وأساليب وحشية في السادية الأمنية والسياسية والاعلامية والايديولوجية ... نعم ندافع عن المظلوم ولكن نرد الظالم ولانجرم أبدا ومطلقا طالبي وعشاق اشواق الحرية , نؤمن بالتدافع السلمي بين الطروحات والأفكار ونعتز بوسطية واعتدال وسماحة اسلامنا ونكره وننبذ العنف الأهلي والتطرف وتضييع أمن الأوطان وراء العنف الرسمي والعنف المجتمعي المضاد ... لانطمع عندما ننقد أخطاء رفاقنا واخواننا ونتأمل في مسيرة تجارب الأمس القريب والبعيد في عطاء الحكام والمسؤولين ,اذ أن مانقوم به من نقد وتجريح وتعديل سياسي في حق قادة الرأي العام المعارض ليس قربانا نتزلف به الى القادة الرسميين ... عرضت علينا العودة الفردية الى الوطن قبل ستة أشهر عندما دعونا الى فك الاشتباك بين السلطة والمعارضة الاسلامية في تونس على أرضية عفى الله عما سلف ,ولكن جعلناها مشروطة للأمانة والتاريخ ب : اطلاق سراح كل مساجين الرأي ورفع كل القيود والمضايقات عمن أفرج عنهم في اطار محاكمات سياسية سابقة ,كما ضمان عودة امنة وجماعية للمنفيين بعد ترتيب ذلك بضمانات قانونية وتشريعية . هذه حقائق تاريخية نقدمها للقارئ من باب معرفة محصلات تجربتنا السابقة على مدار سنتين فارطتين , فان رجعت اليها السلطة بالنظر والتحقيق العملي فعلى الرأس والعين ,وثمة وقتها مجال أمام المعارضة كي تفتح أبواب المصالحة الوطنية العادلة بعزة وكرامة ,وان أعرضت عنها ونأت وأرادت من البعض أن يمارس أدوار التخذيل والتشتيت والتمزيق داخل الصف المعارض تارة على خلفية اثارة الفوارق الايديولوجية داخل هيئة 18 أكتوبر للحقوق والحريات ,وتارة على خلفية تجريم نضالات المناضلين الاسلاميين الوسطيين والتشكيك في خياراتهم الوطنية السابقة... ,فاننا حينها سنلتزم بقول كلمة الحق في ظل غياب مناخات المصالحة الوطنية الصادقة ,ومن ثمة لن ننخرط في مشاريع عرائض أو بيانات أو خطط تقدم نفسها باغراء الكلام المعسول تارة باسم الاسلام والسيرة النبوية المطهرة وتارة باسم المصالح الوفاقية الهشة التي ترتكز على اذلال الضحية وتمجيد السادية ... وفي الأخير أقولها مقدما الخلق والدين والمثل والوطن والمواطن البسيط على متاع الحياة الدنيا القليل : لبيت في ربض الجنة-أي في أطرافها- خير لي من فتات موائد رسمية فاخرة أطرق أبوابها بالذلة ... والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته , والى لقاء قريب بمشيئة الله تحت زيتونة تونسية وارفة نستلقي تحت ظلالها بنخوة وعزة .