لايخفى على القارئ مدى اعتزازنا معشر التونسيين بالصورة الجديدة التي رسمتها مجموعة من الناشطات التونسيات عن نضالية المرأة ومعاني تحررها الحقيقي , فما حققته مناضلات محترمات ومثقفات شهيرات من مراتب علمية عالية ومكانة سياسية أو حقوقية متقدمة ليس الا دليلا قاطعا على ماجادت به تربة تونس من عطاء نسائي متجدد خارج الدوائر الانكسارية التقليدية التي تحفل بها كل المجتمعات خجلا أنثويا قاتلا يصل الى حالة من حالات صمت القبور أو حالة من حالات التأثيث الفاسد للدولة الحديثة بتجارة جسدية رخيصة لم تخرج عن استعباد واذلال مدمر لأنوثة المرأة ولطف معدنها الأصيل. السيدة سهير بلحسن تعد نموذجا راقيا للنساء التونسيات المتعلمات اللواتي استطعن فرض أنفسهن على الساحة الحقوقية التونسية ونظيرتها الدولية حين تمكنت قبل أشهر من اعتلاء عرش رئاسة الفيديرالية الدولية لروابط حقوق الانسان , وهو النموذج الناجح والمتألق الذي رسمته ايضا بعدها الأخت المناضلة الأستاذة مية الجريبي حين استطاعت وعن جدارة تولي الأمانة العامة للحزب الديمقراطي التقدمي , وعلى نفس هذا النهج سارت نساء أخريات حين تصدرن المشهد الحقوقي والسياسي في تونس ليتقلدن مناصب عليا في الأجهزة الرسمية للدولة أو في هياكل المجتمع المدني المناضلة , لتبرز بذلك أسماء لايمكن قراءة تاريخ تونس المعاصر دون الوقوف على مسيرتهن الحافلة بالتضحية والانخراط الشجاع في المشهد العام أو ماقابلها من ألوان الدهاء والقدرة على صناعة القرار السياسي الرسمي كما حصل على عهد الرئيس بورقيبة مع السيدة فتحية مزالى أو الماجدة وسيلة اللواتي وان اختلفنا كثيرا في طريقة أدائهن السياسي الا أننا لاننكر كتونسيين الدور البارز الذي لعبنه في حياتنا الوطنية. ان أسماء سهام بن سدرين وراضية النصراوي وسعيدة العكرمي ونزيهة رجيبة ومنجية العبيدي وهند الهاروني ومية الجريبي وامال العكروت وسهير بلحسن ..., ستظل نماذج نضالية لايملك التونسيون تجاهها الا الاكبار والاحترام وان تفاوتت الدرجة في الشهرة أو تعددت المشارب والاتجاهات .. هذه الشهادة المنصفة في حق مجموعة من النسوة التونسيات اللواتي أثرين حياتنا الوطنية بالفعل الايجابي أو بالمساهمة في تحديد معالم مرحلة سياسية سابقة , وددت ارفاقها بهذا العتاب الأخوي الصادق للأستاذة سهير بلحسن على مضمون مشاركتها ليلة البارحة 22 اكتوبر 2007 على قناة الجزيرة وتحديدا في نشرتها المغاربية المسائية التي تقدم ابتداء من الساعة منتصف الليل بتوقيت وسط أوربا . ماوددت الاشارة اليه يتعلق بمضمون الانفتاح السياسي الذي سئلت حوله السيدة بلحسن فتمحورت اجابتها حول رفع القيود عن اعمال الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان والسماح بحرية مناشطها دون أن تمتد اجابتها بشكل واضح ودقيق الى ملف معتقلي الرأي التونسيين أو ملف المنفيين على خلفية سياسية أو غير ذلك من موضوعات تمس حرية التنظم الحزبي والجمعياتي وحرية الاعلام والانفتاح ايجابا على كل مكونات الفضاء العمومي ورفع القيود عمن أفرج عنهم بموجب عفو رئاسي مشروط ... أما العتاب الثاني فهو تخاطب السيدة بلحسن مع قناة الجزيرة باللغة الفرنسية دون الأخذ بعين الاعتبار اللغة الرسمية الأولى للبلاد التونسية ولا اللغة المعتمدة لدى قناة الجزيرة الاخبارية , وهو ماقد يحمل لدى المشاهد التونسي والعربي على أنه نوع من التعالى على اللغة الوطنية الأم . واذ أؤكد على عدم وجود أي عقدة فكرية أو سياسية لي مع أي لغة عالمية أخرى بما في ذلك اللغة الفرنسية التي تحتل مكانة جغرافية وثقافية واسعة عالميا, الا أنني وددت أن أستمع الى السيدة بلحسن بصفتها امرأة تونسية بلسان عربي حتى وان كان دارجا أو لاهجا بتعبيرات الألم والأمل التونسي . ماأوردته من ملاحظات سابقة حول مداخلة الأستاذة بلحسن على شاشة الجزيرة لايخل بأي حالة من الأحوال من قيمة ونضالية رئيسة الفيديرالية الدولية والقيادية البارزة في الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بل انه تذكير هام بماهو مطلوب نخبويا وشعبيا في المرحلة الحالية ولاسيما أن تونس مقدمة على موعد تاريخي رسمي نأمل قبيله الدقة والوضوح في مطالبنا الوطنية والسياسية . أحيي مرة أخرى الأستاذة سهير بلحسن وكل شقيقاتها المناضلات في المجتمع المدني التونسي وأتمنى أن يكون طريقهن سالكا مع رجال تونس ومناضليها الى أفق سياسي أرحب ولاسيما بعد انقضاء أكثر من خمسين سنة على اعلان الجمهورية وفي ظل استعداد السلطة لاطلاق أكبر احتفالات ستشهدها البلاد مطلع شهر نوفمبر القادم. حرره مرسل الكسيبي*- *كاتب واعلامي تونسي/رئيس تحرير صحيفة الوسط التونسية