عوامل عديدة أثرت على الانجاب في تونس... فتراجع عدد الأطفال بالنسبة للمرأة الواحدة من 4.5 أطفال سنة 1978 إلى 3.7 أطفال سنة 1994 إلى 3.3 أطفال سنة 2001 . تتأرجح هذه العوامل بين تغيّر العقلية الاجتماعية والتطور الاقتصادي والاجتماعي الذي شهده المجتمع التونسي.. وفقا لما جاء في نتائج الدراسات المعمّقة التي أنجزها مؤخرا ديوان الأسرة والعمران البشري. وتشير الدراسات إلى أن «حجم» الانجاب يختلف من امرأة إلى أخرى حسب مواصفات عديدة لعلّ أطرفها مهنة المرأة أو مهنة زوجها! قبل سنوات عديدة كانت العقلية الاجتماعية في تونس تفرض على الطفل المرور بسرعة من الطفولة إلى الكهولة.. وكانت تفوّضه مبكرا للزواج والانجاب والعمل. وكانت أيضا تسند الأولوية لانجاب الذكور فكانت المرأة «الطفلة» تواتر الولادات بحثا عن مولود ذكر.. نفس العقلية كانت وربما مازالت تؤسس لزواج الأقارب. بكل تلك الملامح، ساهمت العقلية الاجتماعية في زيادة عدد الولادات و»انتفاخ» نسبة الانجاب.. والمرور بعدد السكان التونسيين من 4 مليون سنة 1950 إلى حوالي 10 ملايين ساكن حسب آخر احصاءات المعهد الوطني للاحصاء. تضاعف عدد السكان كان في البداية «خطوة» لدعم النهوض الاقتصادي.. وفي «خطوة» ثانية تم اتخاذ اجراءات تشجيعية للحدّ من تلك الولادات.. وكانت الحصيلة عودة من سبعة إلى اثنين وهو عدد الأطفال بالنسبة للمرأة الواحدة. * العنوسة إلى جانب تغيّر العقلية الاجتماعية وبروز مفاهيم جديدة تحمل في طياتها قناعة بحريّة المرأة.. تواترت عوامل أخرى مختلفة كانت وراء تراجع الولادات منها تأخر سن الزواج.. مرت من 19 عاما سنة 1966 إلى 29 عاما سنة 2001 . وكذلك التطور العمراني الهائل الذي شهدته كل البلاد. وتشير نتائج الدراسات المعمقة إلى أن اقليمتونس الكبرى لا يمثل «رأس حربة» في انخفاض الولادات.. كما أن الانخفاض لم يبق حكرا على أهل المدينة الحضر ولا على النساء المتعلمات. تبلغ نسبة الخصوبة 1.9 طفل للمرأة الواحدة في اقليمتونس الكبرى وهي نفس النسبة المعلنة في المناطق الحضرية.. هذه النسبة تصل معدل 1.8 طفل في مناطق الشمال الغربي و2.1 طفل في الشمال الشرقي.. أما في الأرياف فهي تصل معدل 2.5 طفل. أرقام الدراسات تشير إلى معدل 4 أطفال لكل امرأة في الوسط الغربي وفي الجنوب الشرقي.. وتؤكد أن معدل الأطفال وطنيا لا يتجاوز 3.3 أطفال لكل امرأة. * تغير العقليات كما تشير إلى أن مساهمات الجهات في الولادات إلى حدود 2001 تتراوح زيادتها بين0.8 في مناطق الوسط الغربي و0.4 في الجنوب الغربي و0.7 في الجنوب الشرقي.. وتقدر مساهمة اقليمتونس الكبرى ب(0.6 ). وفسرت الدراسات انخفاض الولادات، بسبب التطور العمراني، بتغير «عقلية» الانجاب لدى المرأة بعد انتقالها من الريف إلى المدينة. وفسرت انخفاض الولادات لدى «المهاجرة» على غرار «النازحة» بتطور عقلية الانجاب لديها وتبنيها مفاهيم سوسيو ثقافية جديدة اكتسبتها من الهجرة. * الأكثر إنجابا انخفاض الولادات ليس حكرا على المتعلمات.. والدليل أرقام الدراسات التي أثبتت أن الأميات سجلن أقل نسبة في الانجاب بمعدل 1.06 طفل.. في حين سجلن النساء المتعلمات انخفاضا تراوح بين 0.25 و0.14 طفل. وتفسّر الدراسات ذلك بتطور الممارسات الاجتماعية وتحمّل المرأة (فئة عمرية 20 34 سنة) لمسؤولية الانجاب خلال السنوات الأخيرة. سبب آخر أثرّ على الانجاب في تونس، عنوانه اقتصادي اجتماعي. هذا السبب هو عمل المرأة وخروجها للحياة العامة وبالتالي «شفطها» لنفس جديد من الحرية والثقة بالنفس. النساء الكوادر ومن يشغلن مناصب راقية يسجلن أكبر نسبة انخفاض في الولادات (1.87 طفل) تليهن الكاتبات والمهن المشابهة (2.06 طفل). وفي مرتبة ثالثة تأتي العاملات في مجال التعليم والمهن المشابهة 2.39 طفل. وفي مرتبة ثالثة تأتي زوجات الكوادر العليا والمدرسين بمعدل انجاب لا يتجاوز 2.65 طفل للمرأة الواحدة. هذا المعدل يبلغ 3.69 طفل في المهن شبه الطبية ولدى الموظفين وأعوان الأمن والتجار المستقلين والعملة. ويتراوح بين 3.21 و3.62 طفل لدى العملة الصناعيين.. ويفوق 4 أطفال لدى العاملين في القطاع الفلاحي والعاطلين والصحافين. * منع الحمل وإلى جانب هذه العوامل أشارت الدراسات إلى تطور وسائل منع العمل، بنسبة تفوق ال70 وهي نسبة قريبة جدا من الأرقام الأوروبية (اسبانيا، ايطاليا...). كل هذه العوامل ساهمت في تراجع كبير لنسبة الانجاب في تونس وتراجع عدد الأطفال بالنسبة للمرأة الواحدة.. لتستقر نسبة الخصوبة في حدود 1.9 (1.8 في أوروبا) ما يجعلنا نتساءل حول ضريبة نجاح خطة تحديد النسل، فكيف ستكون ملامح «شيخوخة» المجتمع التونسي بعد تراجع عدد الولادات وارتفاع عدد المسنين؟