شهدت قاعة مجلس الشيوخ الفرنسي يوم الأربعاء 16 جويلية 2025 مشادّة حادّة خلال جلسة خُصّصت لمناقشة إصلاح الخدمة العمومية في قطاع السمعي البصري. في صميم الجدل: ردٌّ لاذع من وزيرة الثقافة رشيدة داتي على السيناتورة الاشتراكية ماري بيير دو لا غونتري. فعندما قاطعتها هذه الأخيرة أثناء مداخلتها، لم تُخفِ الوزيرة انزعاجها و قالت : «احترميني… لستُ خادمتك! تلك الحقبة التي كان فيها والدي يعمل لدى والدك قد ولّت.» كلمات أثارت على الفور صدمة في الأوساط السياسية الفرنسية، قبل أن تشعل مواقع التواصل الاجتماعي. المشهد الذي بُثّ على الهواء مباشرة انتشر بسرعة و قسّم الرأي العام بين من عبّر عن دعمه القوي لرشيدة داتي و من انتقد نبرتها واعتبرها «غير لائقة» بالنسبة لعضو في الحكومة. خرقٌ لقواعد الخطاب التقليدي وراء هذا التصريح تتبدّى عقود من التوترات الاجتماعية و العرقية التي غالبًا ما يُتغاضى عنها في أروقة السلطة. فرشيدة داتي، ابنة عامل مغربي و أم جزائرية، لم تُخفِ يومًا صعوبة مسارها. ولدت سنة 1965 في أحد أحياء ولاية سون-إي-لوار و نشأت ضمن عائلة مكوّنة من 12 طفلًا. عملت كمساعدة تمريض لتمويل دراستها، ثم أصبحت قاضية، قبل أن تُعيّن وزيرة للعدل في حكومة نيكولا ساركوزي و هي اليوم على رأس وزارة الثقافة. ردّها، رغم أنه صادم في إطار برلماني، اعتبره كثيرون استعادةً لكرامة طالما حُصرت في الخطاب السياسي النخبوي. فاستحضارها لأصولها المتواضعة و إشارتها إلى أن والدها كان يعمل لدى عائلة بورجوازية، أعطى لكلماتها بعدًا رمزيًا خاصًا في نقاش حول شرعية الترقّي الاجتماعي. بين دعم شعبي و انتقادات مؤسساتية على منصة "إكس" (تويتر سابقًا)، تصدّر الوسمان #رشيدة_داتي و #خادمة قائمة المواضيع الأكثر تداولًا. بعض النشطاء حيّوا وزيرة «لم تنسَ من أين جاءت»، في حين ندد آخرون ب«انزلاق لا يليق بعضو في الحكومة». و اختار عدد من نواب الأغلبية تفادي الخوض في الموضوع، مكتفين بالحديث عن «لحظة توتر مؤسفة»، بينما طالبت المعارضة باعتذارات علنية. أما السيناتورة ماري بيير دو لا غونتري، فلم تُصدر أيّ ردّ رسمي، لكنها عبّرت في كواليس المجلس عن «استيائها» من تصريحات وصفتها بأنها «تمييز طبقي معكوس». نقاش جوهري حول المساواة و الاحترام داخل المؤسسات رغم أن الحادثة قد تبدو شكلية في ظاهرها، إلا أنها تطرح تساؤلات عميقة حول كيفية تعامل المؤسسات الفرنسية مع قضايا التنوع و الاحترام المتبادل و العدالة الاجتماعية. ردّ داتي، الذي تجاوز حدود اللباقة التقليدية، سلّط الضوء على مشاعر الغضب التي تراود بعض السياسيين من أبناء المهاجرين و الذين لا يزالون يواجهون صعوبات في فرض وجودهم داخل دوائر السلطة التي تهيمن عليها النخب الكلاسيكية. و من خلال كشفها علنًا عن توترات يُفضّل الكثير تجاهلها، قد تُمهّد هذه الواقعة الطريق لنقاش أوسع حول مكانة الأقليات في المشهد السياسي الفرنسي. فليست رشيدة داتي مجرّد وزيرة ذات شخصية قوية ، بل تمثّل أيضًا وجهًا من وجوه فرنسا المعاصرة : فرنسا الكفاءات، الهويات المتعددة و الفخر بالذات في مواجهة الأعراف الجامدة للجمهورية. و إن كانت عبارتها صادمة، إلا أنها تعكس انقسامًا اجتماعيًا و رمزيًا حقيقيًا في المجتمع الفرنسي. انقسام لم يعد بالإمكان التستّر عليه تحت عباءة البروتوكول أو مجاملات الخطاب السياسي. تعليقات