يواجه رئيس الوزراء سيباستيان لوكورنو ، لائحتي حجب ثقة قدّمتهما أقصى اليسار و«فرنسا الأبية» (LFI) من جهة، وأقصى اليمين و«التجمّع الوطني» (RN) من جهة أخرى. و الحقيقة أنّ عبارة «يواجه» قد تبدو مبالغًا فيها بالنظر إلى الطبخات السياسية التي سبقت تصويت صباح اليوم، حيث قدّم لوكورنو تنازلات صريحة بتعليق إصلاح نظام التقاعد للحصول على دعم كتلة النواب الاشتراكيين ال69. و كما أُعلن رسميًّا وغير رسميّ، نجا لوكورنو من لائحة حجب الثقة التي قدّمتها «فرنسا الأبية»... سجّل لوكورنو أول انتصار له، بعد اقتراع اتّسم بتململ داخل صفوف الحزب الاشتراكي (PS) وبمواجهة «التجمّع الوطني» الذي لم يتوقف عن التنديد ونعْت خصومه ب«الخونة الاجتماعيين». و كان النواب الاشتراكيون بول كريستوفل (دروم) وخمسة نواب من أقاليم ما وراء البحار (بياتريس بيلاي، كريستيان باتيست، إيلي كاليفير، جيوفاني وليام و فيليب نايييه) قد أعلنوا أنهم لن يلتزموا بتوجيهات زعيمهم أوليفييه فاور، و قد وفوا بوعودهم. غير أنّ هذه التمرّدية لم تُفضِ إلى بلوغ الغالبية المطلقة (289 صوتًا) لإسقاط لوكورنو. توقّف العدّ عند 271 صوتًا، ورُفضت لائحة «التجمّع الوطني» بنِسَب تكاد تكون مماثلة. و على اليمين، التزم «الجمهوريون» (LR) بقدر أكبر من الانضباط رغم سهام زعيمهم ورئيسهم السابق في وزارة الداخلية برونو ريتايو، وهو سلوك لا يستوعبه القواعد وقد يكلّف صاحبه كثيرًا من حظوظه الرئاسية. بلا جدال، خرج خصمه الداخلي، رئيس كتلة نواب «الجمهوريين» لوران فوكوييز، بصورة أفضل، بعد خطاب قوي من على منبر البرلمان دفاعًا عن عدم حجب الثقة... يحصد فوكوييز نقاطًا ثمينة على طريق انتخابات 2027، بعد أن كان ريتايو قد سحقه في انتخابات رئاسة الحزب (حصد وزير الداخلية الأسبق 73% من الأصوات). أنقذت اليمينُ لوكورنو لأنّ حجب الثقة كان سيؤدي إلى حلّ البرلمان وبالتالي انتخابات تشريعية مبكرة (وقد لمح الرئيس إيمانويل ماكرون إلى ذلك)، فضلًا عن تكلفة الشلل المالي. لكنّ ما يرعب «الجمهوريين» بالأساس هو صناديق الاقتراع، بالنظر إلى النِّسَب التي يتوقعها المستطلِعون لأقصى اليمين. و خلص النواب إلى أنّ انسحابًا تكتيكيًا في معركة ميزانية 2026 أفضل من مجزرة انتخابية جديدة. و يبدو أنّ المجموعة البرلمانية LIOT (الحرّيات، المستقلّون، ما وراء البحار والأقاليم) أجرت الحسابات نفسها، إذ لم تُصدر أي تعليمات تصويت. في النهاية، كان الخوف من العودة إلى الانتخابات هو العامل الحاسم و هكذا صوّت معظمهم، بحكمة، ضد حجب الثقة. يمكن للمعسكر الرئاسي أن يلتقط أنفاسه، ولكن ليس كثيرًا؛ فطريق ميزانية 2026 لا يزال مليئًا بالعقبات، والاشتراكيون لن يكتفوا ب«غنيمة» تعليق إصلاح التقاعد. ثم إنّ لوكورنو قال «تعليق» و لم يقل «إلغاء». و بما أنّ رئيس الوزراء دفن علنًا عصا «المادة 49.3» وتعهد بالحكم مع البرلمان، فمن الواضح أنّه لم يعد يمسك بزمام المبادرة؛ فالحزب الاشتراكي بات يمسك بها... إنه فاور من يمسك بها. قبيل دخوله «مرجل» الجمعية الوطنية لإلقاء خطاب السياسة العامة، بعث لوكورنو برسالة نصية إلى زعيم الاشتراكيين يقول فيها : «سأخوض المخاطرة». بمعنى آخر، سيجمّد إصلاح التقاعد، وهو مطلب رئيسي للاشتراكيين، في مقابل أن يضبط فاور صفوفه خلال التصويت على حجب الثقة. و قد فعل الاثنان ما قالا إنهما سيفعلانه. هنا وصلنا إلى صيغة حكم ثنائية الرأس بين لوكورنو و فاور. ورقة قوة الأخير أنّه مقتنع بأنّ مسلسل لوائح حجب الثقة لم ينتهِ بعد على الطريق الطويلة نحو ميزانية 2026. و بالتالي، فإن الاشتراكيين سيواصلون الإمساك بمصير الحكومة — وبمستقبل الرئيس ماكرون أيضًا — بين أيديهم. و هم يدركون ذلك إلى حدّ أنهم أعلنوا سلفًا دفعهم نحو فرض ضريبة على الدخل والثروات المرتفعة — «ضريبة زوكمان» — وهي خطوة تستفزّ اليمين ودوائر ماكرون. زيادات الضرائب خط أحمر بالنسبة إلى رئيس الدولة، لكن بما أنّه تراجع — ولا ينبغي الاعتقاد بأنّ لوكورنو قرّر وحده — عن إصلاحه الأبرز، أي التقاعد، فسيتراجع في ملف آخر. الإبحار بين مياه عكرة وإبرام تسويات لتفادي حلّ البرلمان أو الاستقالة أو العزل... لماذا لا؟ هكذا يفكّر رئيس الجمهورية. سيتمسّك الاشتراكيون — واليمين أيضًا — بهذه الصيغة لأنهم غير مستعدّين إطلاقًا لانتخابات مبكرة. سيبقى لوكورنو ما دام في ذلك مصلحة للحزب الاشتراكي. و سيسقط حين يستنفد فاور كل ما يستطيع استخراجه من هذا الوضع، وحين يقوى حزبه في استطلاعات الرأي عبر استقطاب ما تبقّى من ماكرونية والوسط، فضلًا عن المعتدلين الذين خيّب ريتايو آمالهم. تعليقات