في 30 أكتوبر، أعلنت قوات الدعم السريع عن اعتقال «أبو لولو»، أحد أبرز قادة الميليشيات المتهمة بارتكاب فظائع في إقليم دارفور. وقد أعادت هذه القضية إلى الواجهة بعد تحقيق مطوّل نشرته صحيفة نيويورك تايمز كشف تفاصيل أدواره وانتهاكاته منذ اندلاع النزاع. عملية إعلامية بغطاء العدالة يرى العديد من المراقبين أن هذا الإعلان لا يندرج ضمن مسار العدالة، بل يأتي في إطار حملة دعائية مدروسة بعناية تهدف إلى تهدئة الضغوط الدولية واستعادة شيء من المصداقية المفقودة. فالصور التي بُثّت لما وُصف ب«الاعتقال» بدت أقرب إلى مشهد تمثيلي معدّ مسبقًا: لقطات منسقة، عناصر مصطفّة بعناية، غياب أي مقاومة... كل شيء يوحي بعرض متقن أكثر من كونه تنفيذًا حقيقيًا للعدالة. دارفور.. مسرح للعنف الممنهج الجرائم المنسوبة إلى أبو لولو ليست جديدة، وهو ليس سوى واحد من بين كثيرين تورّطوا في زرع الفوضى والرعب منذ بداية الصراع. ففي الفاشر ومدن أخرى من دارفور، دفع المدنيون الثمن الباهظ لهذه الفوضى المنظمة: قرى أحرقت، عائلات شُرّدت، ومجازر ارتُكبت بلا حساب. اسم «أبو لولو» بات رمزًا لواحدة من أحلك صفحات المأساة السودانية. عدالة الواجهة رغم الطابع الاستعراضي لهذه «العملية»، فإنها لا تمسّ جوهر المشكلة. فقوات الدعم السريع تظل بنيةً نشأت من رحم الفوضى، وتغذت على الإفلات من العقاب والتحالفات الانتهازية. ومن الوهم الاعتقاد بوجود نية صادقة لتحقيق العدالة. فما يبدو خطوة قانونية ليس في الحقيقة سوى محاولة لتلميع صورة شوهتها التقارير الدولية، وتفادي عزلة دبلوماسية تزداد اتساعًا. وطالما أن المسؤولين عن هذه الجرائم الجماعية – وهم بالآلاف ضمن صفوف القوات – لم يُحاسَبوا بشفافية واستقلالية، فإن كلمة «عدالة» ستبقى بالنسبة لكثيرين مجرد مشهد آخر من مشاهد التمثيل السياسي. تعليقات