لقد أصبح بما لا يترك مجالا للشك أنّ الإضطرابات التي عصفت بمجمع موبلاتاكس في الأيّام الأخيرة قد تحوّلت شيئا فشيئا إلى أزمة حقيقية لا يمكن الاستهانة بها أو التغافل عن معالجتها.. لاسيّما أنّ إغلاق المجمع قد ألحق أكثر من 7000 عامل بصفوف العاطلين عن العمل.. المتابع لهذا الموضوع يلاحظ لا محالة أنّ نسق الأحداث كان متسارعا بعض الشيء فسرعان ما تطوّر الاضراب الذي نفّذه عمّال مجمع موبلاتاكس لثلاثة أيام احتجاجا على “بعض الاتفاقيات التي لم تطبق وبعض المطالب الأساسية على غرار تفعيل الساعات الإضافية في العمل” إلى تعليق العمل بكافة شركات المجمع بداية من يوم الخميس 21 جوان الجاري والى اجل غير مسمّى ل “أسباب أمنية بحتة”، ويبقى السؤال المطروح: إلى أيّ مدى يمكن أن يتحمّل الاقتصاد التونسي اليوم مثل هذه الأزمات؟. وهل يمكن التسليم بأن الأزمة هي مجرّد غطاء لصراع محتدم بين فاعلين في الشأن الوطني بتونس؟ موبلاتكس هو مجمع تونسي تعود ملكيته لرجل الأعمال ناجي المهيري وهو متخصّص في تصنيع وتسويق الأثاث، وكذلك في مجال السياحة، تأسّس سنة 1972 بحمام سوسة. ويضمّ المجمع أكثر من 19 وحدة انتاج و حوالي 167 نقطة بيع بجميع أنحاء تونس، وفي السنوات الأخيرة دخل المجمع القطاع السياحي من خلال استقطاب سلسلة فنادق المرادي بالاضافة الى انشاء وكالة أسفار. بداية الأزمة.. تعود الأسباب المباشرة لإغلاق مجمع موبلاتاكس الى آخر جلسة عمل عقدت بالتفقدية العامة للشغل بتاريخ 15 جوان 2012 وكانت بحضور جميع الأطراف الإدارية والنقابية والجامعة العامة للمهن والخدمات وتم الاتفاق على 6 نقاط إلا أن المفاوضات تعثّرت في بعض النقاط أهمها تطبيق مطلب لباس الشغل ومفعوله الرجعي المالي لجميع أعوان المجمع وكذلك تفعيل الساعات الإضافية وعلى اثر هذه الجلسة تقرّر تنفيذ إضراب لمدة 3 أيام إبتداءً من 18جوان الجاري. وبالرغم من أن المفاوضات تمّت مع النقابة الأساسية لشركة موبلاتاكس التجارية إلا أن شركات (موبلاتاكس للنسيج وموبلاتاكس للصناعة وموبلاتاكس للخشب الاصطناعي) انظمّت بدورها الى الإضراب… أفاد خالد بوقرّة مدير إدارة الموارد البشرية بمجمع موبلاتاكس في سوسة أنّ قرار غلق جميع نقاط بيع المجمع جاء على إثر معاينة الإدارة خلال مدّة الإضراب الذي نفّذه عمّال المجمع أيام 18 و19 و20 جوان الجاري “أجواء متشنجة جدّا مصدرها ممثّلو النقابات الأساسية المنضوية تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل”، بحسب قوله. تبادل الاتّهامات.. واتهم ممثّل إدارة “موبلاتاكس” النقابيين ب”تهييج العمّال وتحريضهم على القيام بجميع الأعمال الممكنة لتنفيذ مطالبهم” كما قال، مضيفا أن الإدارة “عاينت كذلك رفع شعارات سياسية تمسّ من شخص صاحب مجمع موبلاتاكس ناجي المهيري “. كما بين بوقرة أن صاحب مجمع “موبلاتاكس” ارتأى أمام ما قال إنها “وضعية أمنية متردية بكامل البلاد” وحتى “لا تتعرض شركات موبلاتاكس التي تشغّل أكثر من سبعة آلاف عامل في كامل مناطق الجمهورية إلى أحداث شغب أو عنف محتملة اتخاذ قرار غلق المجمع بصفة وقتية في انتظار تحسّن الوضع والمناخ الاجتماعي”. وندّد خالد بوقرّة بتصريحات عدد ممّن وصفهم ب”المندسين في صفوف العمّال المضربين” والذين يريدون “استغلال الوضع للقيام بأعمال تخريب”حسب تعبيره. وردا على تصريحات صاحب مجمع موبلاتاكس التي اتهم فيها الاتحاد العام التونسي للشغل بأنه يعمل على إسقاط الحكومة، أفاد حسن المهذبى كاتب عام النقابة الأساسية لموبلاتاكس أن حوالي 4 آلاف عامل بأكثر من 80 نقطة بيع في كامل تراب الجمهورية إضافة إلى مصنع المجمع دخلوا في الإضراب على خلفية ما أسماه بتجاهل الإدارة العامة لمطالبهم القانونية والمشروعة” وقال المهذبى إن “إدارة المجمع تراجعت في جلسة 26 ماى المنقضي مع النقابات الأساسية بالمقر الاجتماعي للشركة عن تطبيق النقاط القانونية المدرجة بمحضر جلسة 21 ماى المنعقدة بوزارة الشؤون الاجتماعية”. ومن ناحيته أوضح أحمد قرون عن الجامعة العامة للمهن والخدمات التابعة للاتحاد العام التونسي للشغل أنّ “إدارة موبلاتاكس حضرت الجلسة الصلحية المنعقدة يوم الجمعة 15 جوان الجاري دون تقديم أيّ مقترحات من شأنها تجنيب التوتّر الاجتماعي بالمؤسسة رغم استعداد الطرف النقابي للتفاعل مع اى مبادرة ترمى إلى إرساء علاقات اجتماعية طيبة لجميع الأطراف”. بين تمسّك الاتحاد العام التونسي للشغل بتحقيق مطالبه تجسيما لمقولة أنه أكبر قوة في البلاد كما يردد نقابيوه.. وبين تشبّث أصحاب رؤوس الأموال بتأمين مصالحهم حتى وإن كانت على حساب حقوق أجرائهم في أغلب الأحيان يبقى العامل المستضعف كالريشة في مهب صراع الأقوياء…