في الوقت الذي خفت فيه الضجيج المحيط بصحة الرئيس الباجي قائد السبسي، وفي الوقت الذي تراجع فيه عدد واسع من صفحات التواصل الاجتماعي على «التويتر» و«الفايس بوك»، عاد ذات الموضوع ليطفو من جديد على سطح الاحداث بعد ان تناول المستشار نورالدين بن تيشة ذات الملف اثر تدخل له على «قناة نسمة». خروج بن تيشة وتعريجه على صحة الرئيس لم يكن موفقا هذه المرة بعد أن هدأت موجة سؤال «كيف حال الرئيس»، أين نجحت المستشارة سعيدة قراش في الإجابة عليه. نجاح كان مقنعا بالنسبة للبعض وعكسه للبعض الآخر سيما وأن الرئيس لم يظهر في نشاط رسمي منذ نحو اسبوع وقد بدأ عليه الانهاك في زيارته الأخيرة إلى مدينة بنزرت لإحياء ذكرى الجلاء بالجهة، حيث ظهر الرئيس ثقيل الخطى وهو ما يثبته فيديو اللحظة التي وضع فيها اكليل الزهور على تمثال الشهداء يومها. هكذا امر نفته قراش على صفحتها الرسمية على «الفايسبوك» وكتبت انّ ما يُقال عن تدهور صحّة رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي إشاعة. وقالت «إنّه تتمّ تغطية نشاط رئيس الدولة بشكل يومي وهو منشور في كل وسائل الاعلام وعلى الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية وموثق بفيديوهات تتضمن تصريحات الشخصيات الوطنية والأجنبية التي يستقبلها السبسي». وأضافت قراش أنّها تجد نفسها مضطرّة للرد على أكاذيب وإشاعات دنيئة يتم الترويج لها، وأنّ لا عزاء للمفلسين سياسيا وأخلاقيا سوى تأثيث فراغهم وخوائهم السياسي وانحدارهم الاخلاقي بإشاعات مبتذلة، على حدّ تعبيرها. وبعيدا عن قراءة الصورة أو الفيديو فقد حاولت سعيدة قراش تجنب الخوض اكثر في ملف صحة الرئيس رغم اطلالتها وتصريحاتها المتكررة لمعرفتها المسبقة بأن الأمر لا يستحق ولأن اطناب الحديث فيه قد يحمل ردة فعل سلبية ويزيد من تسليط الضوء عن حقيقة صحة رئيس الدولة. وبعد مرور نحو 3 أيام من مناقشة الموضوع وبداية اقتناع الجمهور السياسي بأنه لا صحة لتدهور صحة الرئيس والتفات عموم التونسيين إلى مواضيع ومسائل أخرى أعاد بن تيشة الكرة الى ذات الملعب ليعود السؤال هذه المرة وبحدة باحثا عن حقيقة ما تردد من تدهور صحة الباجي قائد السبسي. ولئن دافع المستشار نورالدين بن تيشة على «سيد القصر» وقدم معطيات توحي بأن الرئيس في حال جيدة لكن توقيت خروجه على نسمة كان غير موفق وهو ما دفع بمحللين لطرح الفرضيتين التاليتين. الحقيقة.. إلى حين لم يكن موضوع صحة الرئيس مطروحا منذ الانتخابات الرئاسية وذلك بعد أن دعا القيادي الدستوري المستقيل من نداء تونس حينها عمر صحابو إلى ضرورة الاطلاع عن الملف الصحي للباجي قائد السبسي. نقطة استغلها معظم المترشحين لمنصب رئيس الجمهورية آنذاك واهمهم المترشح الذي دعا في ندوة صحفية له بالعاصمة بقية المترشحين للإدلاء بملفاتهم الصحية. وبعد نحو 3سنوات عاد الموضوع ليطرح على النقاش بعد التصريح مؤسس حزب التيار الديمقراطي محمد عبو حين قال: «إن رئيس الدولة قدّم قانونا وحيدا وهو قانون المصالحة الإدارية وهو قانون قسّم به المجتمع»، على حد تعبيره. وأضاف «أن أي شخص في سن رئيس الدولة من الضروري أن يكون مصابا بكل أمراض الشيخوخة وهو ما يجعله يتخذ القرارات بشكل عاطفي وانفعالي». وشدّد عبو على أن رئيس الجمهورية «يجب أن يكون في وضع صحي مقبول حتى يتمكن من اتخاذ القرارات الصحيحة». ولم يجف حبر هذا الخبر حتى تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي ما مفاده «إن قائد السبسي قد انتقل إلى باريس للعلاج بعد أزمة صحية حادة»، وهو ما أنكرته قراش بل واتهمت مطلقي الاشاعة بالمفلسين السياسيين. واذا ما افترضنا جدلا صحة ما اكدته الناطق الرسمي قراش والمستشار بن تيشة فلماذا كل هذا الاصرار في الحديث عن صحة الرئيس والظهور المتواتر لتأكيد زيف الخبر والحال انه «اشاعة» لا يحتمل كل هذا «الحماس»؟ بن تيشة مجددا.. تبقى الفرضية الثانية هي الاقرب الى الواقع فظهور بن تيشة كمدافع عن «صحة» الرئيس في الوقت الضائع يحيلنا الى امكانية القول ان ما قاله المستشار يأتي كمحاولة لإقناع الرئيس ومن معه بانه مهتم لصحته ولا يمكن ان يمر هذا الحدث دون ان يدلو بن تيشة بدلوه فيه وان يخوض في المسالة ولو متأخرا في تأكيد منه على انه حاضر ومستعد للخوض في الامر وحتى يثبت بن تيشة «ولاءه» للرئيس. وتضمن تدخل بن تيشة اشارة على انه لم يعد الرجل القوي في القصر بعد ان تراجعت ادواره في العديد من الملفات واهمها قانون المصالحة الادارية الاخير حيث دخل المستشار في منافسة خفية ضد مدير الديوان الرئاسي سليم العزابي. فبعبد ان صوت البرلمان على قبوله بقانون المصالحة اصدرت صحيفتان يوميتان(باللغة العربية والفرنسية) مقالين تضمنا الاشادة بدور العزابي في ادارة التفاوض بشان قانون المصالحة وقد صدر المقالان ليثبتا للراي العام انه لولا العزابي لما مر القانون المرفوض شعبيا وسياسيا. ولم تمر 24 ساعة حتى صدر مقال آخر بنفس الصحيفة الناطقة بالعربية لتنقل لنا ان نورالدين بن تيشة هو من قاد المفاوضات ولقاءات الاحزاب لحملها على القبول بقانون المصالحة. وقد اظهرت المقالات الثلاثة الصادرة على ان هناك محاولات جارية وجادة داخل القصر للفوز «بقلب سي الباجي». ويبدو واضحا ومن خلال ما تقدم ان نورالدين بن تيشة وصل متأخرا في سباقه امام سعيدة قراش وسليم العزابي.