أكثر من 5000 مؤسسة صناعية أغلقت منذ الثورة إلى اليوم وآلاف أخرى تعيش وضعا أكثر من صعب، مختلف القطاعات دون استثناء وحتى الحيوية منها على شفىا هاوية، مئات الآلاف من مواطن الشغل ذهبت أدراج الرياح ومئات الآلاف الأخرى مهددة، نسيج صناعي برمته قد يندثر تماما إذا ما تواصل الحال على ما هو عليه. أسباب عدة وراء أزمة الصناعة الوطنية اليوم، أزمة تتفاقم من سنة إلى أخرى في ظل غياب إرادة سياسية حقيقية لحماية صناعتنا الوطنية. فالسوق المحلية تغرق يوميا بمختلف أنواع السلع ومن كل أصقاع العالم إما عبر التهريب وخاصة، وهذا المؤلم، عبر المصالح الديوانية. فوضع الميزان التجاري اليوم بات أكثر من حرج جراء توريد شتى أنواع السلع من الملابس الجاهزة إلى الأحذية إلى المواد الغذائية إلى الآلات الكهرومنزلية والخضر والغلال والبقول... وحتى الأدوية ومنتوجات الصناعات التقليدية صار الكثير منها يورد من الصين، رغم أن كل هذه المواد تصنع وتنتج في تونس من قبل مصانع تونسية تشغل مئات الآلاف من اليد العاملة التونسية. فعجز الميزان التجاري تفاقم خلال السنوات القليلة الماضية ليحطم اليوم كل التوقعات ويتجاوز كل الخطوط الحمراء حيث استقر خلال الأشهر العشرة الماضية من السنة الحالية عند 13.2 مليار دينار وبزيادة ب23.5 بالمائة مقارنة بنفس الفترة من السنة المنقضية 2016. عجز من المتوقع أن يفوق مع نهاية السنة الجارية رقما قياسا قد يصل إلى 16 مليار دينار لا سيما مع تواصل تدني صرف عملتنا مقابل العملات الأجنبية المرجعية حيث سجل سعر صرف الدولار مقابل الدينار مقارنة بنفس الفترة من السنة المنقضية ارتفاعا بحوالي 13 بالمائة والأورو بقرابة 18 بالمائة، عجز من المنتظر أن يتصاعد في ظل تواصل فتح أبواب التوريد على مصراعية أمام العلامات التجارية المختلفة في إطار نظام «الفرانشيز» الذي وجدت فيه بعض رؤوس الأموال ملاذا وربحا سهلا في ظل إثقال كاهل المؤسسات الصناعية بكم هائل من الأداءات الجباية المجحفة ما جعلها «تئن» تحت وطأة الوضع الاقتصادي من جهة والأعباء الجبائية من جهة ثانية وضيق السوق التي فتحت أمام شتى أنواع السلع الموردة من جهة ثالثة. فضعف نسب النمو المحققة ليس من فراغ على اعتبار أنه لا نمو دون صناعة وطنية ودون حماية الصناعة الوطنية، ولا استثمار دون بيئة تشجع عليها وتحميها، وأن تكون جالبا للاستثمار فهذا لا يقتصر على التشجيعات بل إرادتك وقدرتك على حماية مؤسساتك الصناعية.