صفقة القرن التي سبق للرئيس الامريكي دونالد ترامب الاعلان عنها في أول زيارة له الى السعودية في ماي الماضي بدأت تتضح، وهي صفقة تحيط بها الالغام وعنوانها لاءات ترامب للفلسطينيين.. لا لدولة فلسطينية ضمن أولويات الرئيس الامريكي ولا لمكتب لمنظمة التحرير طالما اختار الفلسطينيون محاكمة الاحتلال الاسرائيلي أمام المحاكم الدولية ولا لوساطة غير الوساطة الامريكية في أطول نزاع في منطقة الشرق الاوسط.. طبعا لا يبدو أن البيان الختامي لاجتماع وزراء الخارجية العرب أول أمس في القاهرة لبحث الخطر الايراني توقع هذه الهدية-القنبلة للرئيس الامريكي في هذه المرحلة.. فالاجتماع الطارئ لأحداث لم تعد طارئة يبدو وكأنه خارج الاحداث، وفي غياب وزراء خارجية لبنان والعراق وليبيا أصدرت الجامعة بيانها الذي أدرج «حزب الله» ضمن قائمة المنظمات الارهابية.. ومع أنها ليست المرة الاولى حيث كان لوزراء الداخلية العرب قبل عام خطوة مماثلة في اجتماعهم في تونس قبل أن ينتفض نشطاء المجتمع المدني ومناهضو التطبيع ويدفعوا بالرئيس الباجي قائد السبسي الى التنصل من القرار بكثير من اللباقة والحنكة.. قد يكون في بيان جامعة الدول العربية أول أمس بشأن الخطر العسكري الايراني بعد حادثة الصاروخ البالستي اشارة إلى تدويل الازمة الايرانية السعودية مع تفاقم احتمالات اللجوء الى مجلس الامن الدولي لتحذير إيران في مرحلة أولى. وإذا كان من الصعب استقراء تطورات المشهد في منطقة ملتهبة وما اذا كان الصراع سيدخل مرحلة الحل العسكري أم ستتجه الازمة الى تغليب القنوات الديبلوماسية، يبقى الواضح أن لبنان ممثلا في مؤسساته الرسمية والشعبية تعامل بكثير من الهدوء والحكمة مع أزمة استقالة الحريري المؤجلة سواء من جانب «حزب الله» الذي تجنب التصعيد او من جانب تيار المستقبل والشارع اللبناني عموما، فيما يبدو ان لموقف رئيس الجمهورية ميشال عون دوره في التعجيل بتحول الحريري الى باريس وانتقاله ربما اليوم الى القاهرة للقاء الرئيس المصري الذي لا يزال بين التأكيد والنفي.. ولكن في المقابل لا يبدو أن الجانب الفلسطيني سيتمكن من تجنب تداعيات هذه الازمة التي تسعى من ورائها اسرائيل الى تغيير المعادلة القائمة وفرض واقع جديد ربما يؤسس الى تطبيع العلاقات بين اسرائيل والسعودية وكذلك ما يوصف بدول الاعتدال السني في المنطقة وهو الاتفاق الذي يوشك أن يتحول الفلسطينيون الى وقود له في ظل صفقة القرن التي يستعد ترامب لإطلاقها والتي بدأت رائحتها تتسرب من كواليس المطبخ الامريكي الاسرائيلي. الاعلان عن تراجع ادارة ترامب عن فتح مكتب منظمة التحرير في واشنطن رسالة واضحة لا تحتاج مزيد التوضيح ومفادها أنه إذا اراد الفلسطينيون البقاء في واشنطن فعليهم ان ينسوا مطالبهم بملاحقة اسرائيل امام محكمة الجنايات الدولية وأن يسقطوا من حساباتهم المطالبة بإعلان الدولة الفلسطينية... انه منطق الوقاحة والابتزاز الذي يكشف عقلية الكاوبوي الخرقاء ويذهب الى أكثر من المساواة بين الجلاد والضحية... عام على وجود ترامب على رأس الادارة الامريكية جدد العهد مع الالتزام بمصالح وأمن اسرائيل الحليف الذي لا تقبل واشنطن بغير ارضائه... وقد كان وزير الخارجية الامريكي تيلرسون واضحا في هذا الشأن ولا نحسب أنه شعر بالإحراج أو بالخجل وهو يعلن أن الجهود الفلسطينية لملاحقة إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية تنتهك قانون الولاياتالمتحدة.. طبعا لا نتوقع أن يكون صوت جامعة الدول العربية الذي طالب واشنطن بالإبقاء على مكتب منظمة التحرير قائما في واشنطن مسموعا.. تماما كما لا يمكن التنبؤ بما سيكون رد الجامعة على دعوة وزير الحرب الاسرائيلي رؤساء الدول العربية للسير على خطى الرئيس المصري الراحل أنور السادات وزيارة القدس لفتح صفحة جديدة بين العالم العربي وإسرائيل. الاكيد اننا لسنا في إطار تطبيق المبادرة السعودية التي أطلقها الملك عبد الله في قمة بيروت سنة 2000 وشعارها التطبيع مقابل السلام، بل ازاء صفقة قد تعيد زمن الانتفاضة الاولى التي لم تنتظر اذنا وموافقة أو تصريحا من أحد...