تحتفل تونس اليوم كسائر دول العالم باليوم العالمي لحقوق الانسان تخليدا لذكرى الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي صاغ مبادئ أساسية ذات صبغة كونية لحقوق الانسان كانسان بصرف النظر عن كل الاعتبارات العرقية والطائفية والاثنية.. والسؤال الذي يفرض نفسه اليوم في بلادنا، هو هل نجحت تونس بعد الثورة ومن خلال مسار الانتقال الديمقراطي في تكريس منظومة حقوق الانسان كمبادئ أساسية غير قابلة للتجزئة أو التقسيط؟ لعقود، ارتبطت جرائم التعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان في تونس،بطبيعة النظام القائم على القمع والاستبداد، وقد خلنا أن سقوط الدكتاتورية سيدفع لإرساء مناخ ديمقراطي يحترم الحريات والحقوق ويحترم الكرامة البشرية، وسيدفع بمؤسسات الدولة التي تورّطت لسنوات في انتهاكات حقوق الإنسان لتقوم بعملية مراجعة وتعديل ذاتي لأساليب عملها للقطع مع هذه الممارسات المهينة للذات البشرية، ولكن يبدو أن مؤسسات الدولة المورّطة في انتهاكات حقوق الإنسان كمراكز الإيقاف والسجون فشلت في تغيير ممارسات استقرت لعقود كأحد أساليب العمل في التصدّي لظواهر الانحراف وللجرائم الإرهابية وفي انتزاع الاعترافات من الموقوفين على ذمة قضايا مختلفة وفي المداهمات الأمنية. هذه الممارسات التي لاحظتها لجنة مناهضة التعذيب للأمم المتحدة على إثر مناقشة التقرير الدوري الثالث لتونس خلال شهر أفريل 2016 وأوردت في شانها عدة توصيات عبّرت من خلالها اللجنة الأممية عن انشغالها بشأن تواصل ممارسة التعذيب بمراكز الأمن ضد المشتبه بارتكابهم لأعمال ارهابية وامتناع النيابة العمومية وقضاة التحقيق عن الاذن بإجراء الاختبارات الطبية لإثبات جريمة التعذيب خاصّة وأن هذه التقارير الطبية تؤكد أن المعاينات الطبية للمحتجزين تكون في الغالب ناقصة وغير مفصلة ولا تسلم للمحتجزين أو لمحامييهم إلا بإذن من قاضي التحقيق وهو ما يمنع ضحايا التعذيب أو سوء المعاملة من تأييد شكاويهم بالوثائق اللازمة.. كما عبّرت اللجنة عن انشغالها بحالات الاحتفاظ السرّي والتي عادة ما ترافقها ممارسات تعذيب. كما عبّرت اللجنة عن انشغالها بسبب عدد حالات الوفيات الحاصلة أثناء فترة الاحتجاز وفي ظروف مسترابة والتي لم تتوضح ملابساتها من طرف العدالة مثل حالة علي اللواتي ووليد دنقير ومحمد علي السنوسي وعبد المجيد الجدي ورشيد شماخي وفيصل بركات. غير أنه رغم توصيات لجنة مناهضة التعذيب، والتقارير الدورية التي تصدرها منظمات وطنية ودولية حول تواصل انتهاكات حقوق الانسان في بلادنا الاّ أن ذلك لم يحل دون تواصل هذه الانتهاكات وما تزال قوات الأمن بمختلف أسلاكها وفي مختلف أطوار الأبحاث والتحقيق تنتهك حقوق المواطنين وما تزال هناك سوء معاملة بالسجون وكذلك اجراءات «قانونية» تنتهك الحقوق والحريات كقانون الطوارئ. ضحايا التعذيب.. لا صوت لهم انطلقت اوّل أمس الجمعة بمدينة الحمامات أشغال المائدة المستديرة التي تنظّمها المنظّمة الدولية لمناهضة التعذيب حول موضوع «من أجل التنفيذ الشامل والتشاركي لتوصيات لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة بخصوص تقرير تونس»، وقد لاحظت المنظمة الدولية أن الدولة لم تستجب لأغلب توصيات اللجنة الأمنية، وأكّد نائب رئيس المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب مختار الطريفي أن «التعذيب يعود بنسق حثيث في تونس»وأن «المسألة الأخطر تتمثل في عدم متابعة الشكايات التي يتقدم بها الضحايا أو الهياكل المعنية وتنامي الإفلات من العقاب. وفي تقريرها لشهر نوفمبر 2017 أكّدت المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب تقريرها الشهري المتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان أن المنظمة ما زالت تسجل حالات عنف شديد ضّد الشبان في الشارع تحت ذرائع مقاومة الجريمة وترويج المخدرات، وأن هذه الاعتداءات تسبّبت في أضرار جسيمة للمعتدى عليهم وهم ممنوعون من الحصول على شهادات طبية في الغرض إلا بإذن من القضاء، كما أشار تقرير المنظمة إلى كون ضحايا العنف الأمني لو عنّ لهم تقديم شكاوي بالأمنيين يتعرضون لحملات تشويه على مواقع التواصل الاجتماعي بالترويج لكونهم من عتاة المجرمين وبأنهم يستهدفون قوات الأمن. وأشار كذلك تقرير المنظمة الى تقاعس وزارة الداخلية في تنفيذ القرارات الصادرة من القضاء في علاقة بالإقامة الجبرية، كما أكّد التقرير أن هذا الوضع، يتطلّب إصلاح قانون حالة الطوارئ بما في ذلك وجوب تعليل قرارات الإقامة الجبرية وسرعة النظر فيها من قبل القضاء ووجوبية ردّ وزارة الداخلية على الطعن القضائي. الاقامة الجبرية بين الداخلية والقضاء أورد تقرير المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب لشهر نوفمبر عدةّ حالات لانتهاكات حقوق الانسان نورد بعضها ومنها حالة الشاب كريم شلبي الذي قامت دورية أمنية اواخر شهر نوفمبر الماضي بالاعتداء عليه جسديا وخلّف له هذا الاعتداء عشرة غرز في جبهته وثلاث غرز في مؤخرة رأسه تم نقله صحبة مرافقته إلى مركز الأمن أين اتضح لرئيس المركز أنه لا علاقة لهما بأي جريمة وطلب الاعتذار منهما. وقد تعرّض بعد ذلك صحبة شقيقته أروى الى حملة تشويه على شبكة التواصل الاجتماعي من قبل صفحات مشبوهة تروج أن كريم كان رفقة صديقه بصدد انتظار شخص سيجلب لهما المخدرات وأنهما لاذا بالفرار لدى مشاهدتهما السيارة الأمنية وأنهما اصطدما بدراجتهما النارية بشجرة وأن لشقيقته علاقة غرامية بشخص له نفوذ. وتطرّق أيضا التقرير الى حالة بلال الكوكي الذي تم اعلامه شفويا في شهر ديسمبر 2015 من قبل مصالح الأمن أنه أصبح خاضعا لإجراء الإقامة الجبرية بناء على أمر 26 جانفي 1978 المتعلق بتنظيم حالة الطوارئ. وتم الزامه بالإقامة بجهة الدندان حيث يوجد مقر عمله والحال أن مقر إقامة عائلته كائن بجهة سيدي حسين وهو ما أدى إلى عدم تواصله مع أفراد أسرته. وقد استطاع بلال استصدر قرار استعجالي عن المحكمة الإدارية بتاريخ 19 أفريل 2017 قضى بتوقيف تنفيذ قرار السيّد وزير الداخلية والقاضي بوضعه تحت الإقامة الجبرية وذلك إلى حين البت في الدعوى الأصلية. ولكن رغم صدور قرار المحكمة لا زال بلال خاضعا لقرار الإقامة الجبرية. وقد صرّح كاتب عام المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب الأستاذ منذر الشراني ل»الصباح» أنه رغم تقلّص حالات الانتهاكات التي رصدتها المنظمة من 255 حالة في 2015 الى 150 حالة في 2016 وصولا الى 50 حالة في 2017، الاّ أن ذلك لا ينفي وجود هذه الانتهاكات خاصّة المتعلّقة بالإقامة الجبرية، اذ قال «نحن نطالب باحترام قرارات القضاء الإداري في علاقة بإجراء الإقامة الجبرية كما نطالب بتمكين المحتفظ بهم من حقوقهم في حضور محام والإطلاع على محتوى محاضر البحث قبل الإمضاء عليها. وتمكين أيضا ضحايا العنف الأمني من شهائدهم الطبية حتى لا يضطروا للجوء إلى القضاء للمطالبة بها، بالإضافة الى تمكين الموقوفين المصابين بأضرار بدنية نتيجة العنف من العلاج الطبيّ الناجع». من المواضيع التي ما تزال تثير الجدل بشأنها نجد حالة الاقامة الجبرية التي يرى جلّ الحقوقيين ضرورة تعديل القانون المنظّم لهذه الحالة الاجرائية حتى لا يتم توظيفها للتنكيل بالأشخاص المشتبه بهم عادة دون أدلّة وبراهين.