في ندوة جمعت صباح أمس أبرز الوجوه النضالية الحقوقية من أجل تكريس ثقافة حقوق الإنسان منذ عقود في بلادنا وفي المنطقة المغاربية اجمع اغلب الحضور على تقصير النخب السياسية في الإقلاع بمنظومة حقوق الإنسان والحريات.. تحت عنوان «التربية على حقوق الإنسان والمواطنة سؤال الحرية والمسؤولية «احتضن المركز الدولي لتكوين المكونين ندوة مشتركة بين كل من السفارة الغربية والمعهد العربي لحقوق الإنسان بتونس والمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب الى جانب وزارة التربية وذلك بالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10 ديسمبر 1948. وقد وجبت الإشارة إلى ملاحظتين أساسيتين في هذه الندوة التي قطعت مع ما دأبت عليه اغلب الندوات التي تمتد على مدى يوم أو أكثر وعمدت بالتالي إلى الجمع بين ضمان الفائدة وربح الوقت. ولكن تبقى المعضلة الأساسية بشأن مثل هذه الندوات المهمة كيف يمكن أن تتجاوز حدود أسوار القاعات التي تحتضنها لتبلغ أوسع شريحة ممكنة من مكونات المجتمع ونشر ثقافة حقوق الإنسان التي لا تزال حكرا على النخب.. وإذا كان الإجماع حاصل بين مختلف الأطراف بشأن أهمية تكريس ثقافة حقوق الإنسان في المجتمعات والمؤسسات التربوية فان المقاربات بشأن تحقيق هذا الهدف تواجه الكثير من التحديثات والتعقيدات. سفيرة المغرب السيدة لطيفة أخرباش وفي مداخلتها بشان التربية على حقوق الانسان من اجل مواطنة مسؤولة دعت الى التحلي بالجرأة وتسمية الاشياء بمسمياتها عندما يتعلق الامر بالتبني الانتقائي لمنظومة حقوق الانسان والانتقال الديموغرافي واستعرضت سلسلة من الأمثلة اليومية المرتبطة باستغلال المواقع الاجتماعية للتأثير السلبي على فئة الشباب الذي يمثل الشريحة الأوسع للمجتمع.. وتساءلت سفيرة المغرب عن منظومة حقوق الإنسان في البرامج التربوية.. وزير التربية حاتم بن سالم أقر أن المجتمع بصدد التحول من التربية والتعليم لحقوق الإنسان إلى ثقافة حقوق الإنسان التي وصفها بأنها الأصعب في المدرسة التونسية واعترف بن سالم بأنه «لم يشهد بعد هذه النقلة النوعية في تجربته في المؤسسة التربوية في عهدين قبل وبعد الثورة في تكريس ونشر ثقافة حقوق الإنسان «وخلص إلى أن المجتمع المدني من تحمل المسؤولية في السنوات الأخيرة في تكوين ثقافة حقوق الإنسان. بن سالم شدد على أن حقوق الإنسان تظل جزءا من مادة تدرس بصفة آلية ضمن البرامج التربوية ولا تنبثق من رؤية مستقبلية وهو ما وصفه بضعف المنظومة التربوية التونسية والمغاربية والعربية. وزير التربية أكد ان مسألة حقوق الإنسان تبقى ثانوية وليست ركيزة أساسية في بناء ثقافة الديموقراطية. وأشار إلى أن بناء هذه المقاربة يفرض ألا يتوقف دور المعلم عند دور المربي بل يجب ان يشمل كذلك دور المناضل في مجال حقوق الإنسان. وانتقد بن سالم دور النخبة التي لا تتفاعل بصفة مسؤولة مع واقع حقوق الإنسان في مجتمعاتنا حيث ظل دور النخبة منحصرا في برج عاجي ضمن ندوات مغلقة الى أن صدما بالنعرة العنصرية غير المقبولة بين شبابنا. ودعا بن سالم للخروج من هذا الإطار الضيق وإعادة النظر في مسألة حقوق الإنسان بين النخب والعامة. حقوق الإنسان أزمة سلطة إدريس اليزمي رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان في المغرب أشار الى تحقيق تقدم محدود في مجال حقوق الإنسان الذي يواجه الكثير من التحديات أهمها التحدي الديموغرافي وما أطلق عليه بأزمة العصرنة في علاقة بأزمة السلطة في مفهومها الذكوري التقليدي والعائلي والسياسي. وكشف أن 97 بالمائة من المغاربة يعتبرون حقوق الإنسان مسألة ضرورية حسب استطلاع حديث وأشار الى أنه لو تم هذا الاستطلاع في وقت سابق لما كانت النتائج مختلفة وقال اليزمي «إن إحدى المشاكل الأساسية الاقلاع المتأخر للتعليم» موضحا أن المنظومة التعليمية تعرف اخلالات كبيرة وانها غير عادلة ولا تضمن الجودة والمساواة بين ابناء الريف والمدن ولا بين الإناث والذكور وبالتالي لا وجود لمنظومة حقوق إنسان متكاملة. هناك حاجة لإعادة طرح مفهوم حقوق الإنسان عبد الباسط بلحسن رئيس المعهد الوطني لحقوق الإنسان تساءل عن مفهوم حقوق الإنسان واعتبر ان هناك حاجة اليوم لإعادة طرح هذا المفهوم مشيرا إلى أنها المرة الأولى التي أصبحنا نتحدث فيها عن وجود مكتب لحقوق الإنسان في حي السيدة الشعبي. واعتبر ان التعليم عامة وتعليم حقوق الإنسان مدخل الى الكرامة. بلحسن خلص الى ان الطريق الى حقوق الانسان لا تزال بعيدة عن واقع الناس وعن اهتمام العامة. وكشف ان هناك نخبا تحارب حقوق الإنسان وأشار الى أن توصية عشرية الأممالمتحدة لحقوق الانسان في المؤسسة التربوية لم تعمل بها اي وزارة في العالم العربي. وأشار بلحسن الى ان موازين القوى والسلطة تعتبر انها غير مطلوبة وان حقوق الإنسان التي قامت على مبدا المساواة تثور المجتمع وان إدماج حقوق الإنسان في المدرسة سيحدث نوعا من المفاجأة في المجتمع. بلحسن أشار الى ان هناك في النظام السابق من درس انجازات النظام في مجال حقوق الإنسان وهناك من درس التعذيب في السجون. وشدد على وجود نقص بيداغوجي بين الحرية والمسؤولية وقال «كل حق يحتمل واجبا ولكن هذا منقوص في ثقافتنا. ودعا مدير المعهد العربي لحقوق الإنسان إلى تعليم الأجيال العلاقة بين الحق والواجب. وحذر من وجود قاعدة تبرر الاستبداد والفساد وقال انه لا وجود لبوصلة تحدد فكرة الحق والمسؤولية والواجب.. النائبة والحقوقية بشرى بلحاج حميدة وفي نفس الاتجاه الذي توخاه مدير المعهد العربي لحقوق الإنسان شددت على المخاوف من ترويج منطق الشعبوية وتخويف العامة من حقوق الإنسان واعتبرت ان المشكلة كامنة في النخب والمؤثرين على الرأي واعتبرت أنه دور سلبي وغير مقبول يدفع إلى الصمت عن الحق وأشارت النائبة إلى أن التونسي لم يفهم حقوق الإنسان وان الأحزاب السياسية لم تستوعب معنى حقوق الإنسان وان محيطنا ليس سهلا بالمرة. وقالت بلحاج حميدة «لقد قصرنا في مجال الحقوق الفردية» وشددت على أهمية التوجه نحو احترام الآخر وحرمته ومواطنته. وأشارت إلى وجود نخبة زيتونية مستنيرة تفوقت على الكثير من العلمانيين وان لدى هؤلاء رؤية ايجابية جدا غير المتداولة. النائبة اعتبرت أن محيطنا ليس سهلا بالمرة في التعاطي مع مسالة الحقوق والحريات وأن عقلية الكثير من التونسيين بما في ذلك النواب لا تقبل ولا تفهم كيف يمكن تجنيد محامين للدفاع عمن ارتكب عملا إرهابيا.. وأشارت إلى أن المسألة ليست مسألة قوانين وتشريعات وأكدت أن القوانين موجودة وانه تم في لجنة الحقوق والحريات القيام بجرد حول كل القوانين التميزية بما في ذلك المتعلقة بذوي الإعاقة. وأشارت إلى انه من المهم اليوم البحث عن كيفية الوصول إلى أوسع شريحة من الشباب. وعن المشروع المتعلق بالمساواة في الإرث التي طرحها رئيس الجمهورية في 13 أوت الماضي أشارت إلى أن أغلبية الأطراف السياسية مستعدة للتقدم خطوات في هذه المسالة الحساسة ولكن هناك مخاوف انتخابية وراء تعطيل الأمر قبل شهرين على موعد انتهاء أشغال اللجنة المعنية بمسالة المساواة في الإرث.. وقد وجب الإشارة إلى ان الزميل زياد كريشان رئيس تحرير صحيفة المغرب تولى تقديم وتنشيط الندوة وتوجيه المداخلات والنقاش بما يثري الحوار ويقتنص المعلومة من مصادر الخبر...