من مصر الى سوريافتركيا... جولة ماراطونية للرئيس الروسي قبل انطلاق موعد مفاوضات جنيف حول الشأن السوري المرتقبة هذا الاسبوع.. جولة بوتين في المنطقة كانت محاطة بالكثير من التعتيم والسرية في الجزء الاهم منها. وإذا كانت المحطتان المصرية والتركية من جولته سبق الاعلان عنهما فان المحطة السورية ظلت قيد الكتمان.. اي دور لمصر في المشهد السوري في هذه المرحلة وهي التي حافظت على الحياد من الازمة السورية منذ بدايتها؟ وأي دور لتركيا التي اتخذت ومنذ البداية موقفا رافضا لأي دور للرئيس السوري بشار الاسد في تحديد مستقبل سوريا؟ الواقع أن الموقف التركي الذي ساهم الى حد بعيد في عبور المقاتلين والمسلحين الى سوريا يبقى الاكثر تعقيدا بالنظر الى حجم التدخل العسكري التركي في الازمة السورية لإسقاط ورقة الاكراد وتجنب امتداد العدوى الى اكراد تركيا.. قبل محطة اولى قادته الى مصر والتقى خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في زيارة معلنة سلفا وهي الاولى لبوتين منذ حادثة سقوط الطائرة الروسية في شرم الشيخ حط الرئيس الروسي في قاعدة حميميم الجوية بمحافظة اللاذقية. زيارة مفاجئة أعلن خلالها الزائر بدء سحب عدد من القوات الروسية من هذا البلد بعد سنتين من الحرب الى جانب الجيش السوري وبدعم من ايران ضد تنظيم «داعش» الارهابي... الزيارة التي لا تخلو من دلالات متعددة بين ما ظهر وخفي من أهدافها أعادت الى الاذهان الزيارات المفاجئة والمتكررة للرؤساء والمسؤولين في الادارات الامريكية المتعاقبة الى كل من افغانستانوالعراق حيث كانوا يظهرون بشكل مفاجئ ودون سابق اعلام ليخاطبوا الراي العام وكأنهم الحكام الفعليين... ظهور بوتين في قاعدة حميميم الجوية يأتي بعد أسبوع على زيارة مفاجئة وغامضة للرئيس السوري بشار الاسد بدوره الى شوتشي حيث التقى الحليف الروسي عشية القمة الثلاثية الروسية الايرانية التركية وبالتزامن مع مؤتمر المعارضة الذي احتضنته الرياض.. المثير أن الرئيس الروسي وجد في استقباله في القاعدة السورية وزير دفاعه سيرغي شويغو الى جانب الرئيس السوري حافظ الاسد.. اعلان الرئيس الروسي بسحب جزء من القوات الروسية يأتي في أعقاب اعلان موسكو عن تطهير سوريا من تنظيم «داعش» الارهابي... وقد جدد بوتين بالأمس رسالته بأن قواته ستوجه ضرباتها مجددا الى هذا التنظيم لو عاد ليرفع رأسه في سوريا.. الانسحاب الروسي من سوريا ليس نهائيا والوجود العسكري الروسي سيستمر في سوريا الى أن يأتي ما يخالف ذلك.. وفي كل ذلك يبقى الغموض سيد المشهد حول عدد هذه القوات ومواقع انتشارها. فالأكيد أن روسيا ليست منظمة خيرية ولم تدخل سوريا دفاعا عن شرعية الاسد ولا حرصا على وحدة سوريا الترابية كما يروج له حتى وان كان هذا عنوان الخطاب الروسي الذي ساعد الى حد كبير على الحفاظ على سوريا من التفكك والانقسام بعد سبع سنوات من الحرب المدمرة التي جعلت من هذا البلد خرابا... روسيا تدخلت حفاظا على مصالحها الحيوية في المنطقة ودفاعا عن موقعها أمام هيمنة الوجود الامريكي الذي تمكن من العراق... ويبدو ان فصلا دمويا دمر المنطقة واستنزف شعوبها يمكن ان يطوى قريبا ولكن قد لا يعني ذلك نهاية الصراعات الدموية في منطقة تعيش على فوهة بركان... بوتين أكد انه سيواصل التحالف مع إيرانوتركيا في الملف السوري بمعنى ان المرحلة القادمة قد تأتي بما يطوي صفحة دموية كلفت السوريين تراجعا يقاس بأكثر من خمسين عاما بسبب حجم الدمار والخراب الذي امتد الى البلاد وساهم في تشريد ومقتل الالاف... التوازنات الجديدة في المشهد السوري بدأت تكشف عناوينها الكبرى التي يبقى العرب الغائب الابرز فيها منذ ان تخلوا عن سوريا كما تخلوا من قبل عن فلسطينوالعراق واليمن والسودان دون ان يتحركوا لمنع وقوع المآسي او على الاقل الحد منها... النظام الدولي الجديد يرسم توجهاته في المنطقة على خلفية لعبة مصالح كبرى بين القوى الدولية تحسبا لصراعات جديدة على خلفية ما يحدث في اليمن وتفاقم الدور الايراني في المنطقة... المهم ان بوتين الذي أعلن ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة يبدو مزهوا بما تحقق له في سوريا...