بمجرد حلول سنة إدارية جديدة وحتى قبلها بساعات تم الترفيع في أسعار جل المنتوجات المعيشية والخدماتية في إطار خفض العجز المتفاقم في الميزانية وإيجاد موارد جديدة لموازنة البلاد.. زيادات ستتبعها بالتأكيد زيادات أخرى منجرة عنها على غرار الزيادة في معاليم النقل والكهرباء والمنتوجات الصناعية.. الترفيع في الأسعار جاء وفقا لقانون مالية جوبه بعدة انتقادات قبل تمريره وبعده وخاصة فيما يتعلق بالترفيع في الضرائب والأداءات التي ستمس بالتأكيد من المقدرة الشرائية للمواطن وخاصة الطبقة الضعيفة وحتى المتوسطة.. لكن يبدو أن لا خيار اليوم أمام الحكومة في ظل التهديد الحاصل بالانهيار وخطورة سياسة الاقتراض الخارجي وضعف الموارد الداخلية إلا هذا الحل.. فالزيادات ضرورية لتعديل الأوضاع وإنقاذ الموازنة العامة للدولة، لكن من الواجب كذلك على الحكومة تحقيق المعادلة بين الجانب الاقتصادي والجانب الاجتماعي في ظل انهيار المقدرة الشرائية وتضخم الأسعار.. كذلك من الواجب على الحكومة البحث عن موارد إضافية للدولة بعيدا عن جيب المواطن الضعيف وتحقيق المعادلة الجبائية التي تبقى الحل الأسلم والأمثل في مثل هذه الظروف عبر إصلاح المنظومة الجبائية ومراجعة جديدة للمجلة الجبائية والإلغاء التام والحقيقي للنظام التقديري وإدراج كل القطاعات المنضوية تحته ضمن النظام الحقيقي مع إيجاد طريقة لإدماج القطاع الموازي في النظام الجبائي.. وكذلك إيجاد صيغة للحد من الإنفاق العمومي الزائد على اللزوم والذي يرتقي أحيانا إلى درجة الفساد.. إن الوضع الاقتصادي الراهن يتطلب من الجميع المساهمة في الخروج منه ولن يكون ذلك إلا عبر الزيادة في الإنتاج والرفع من مردودية قطاعات الفسفاط والنفط والسياحة والنسيج والصناعات الميكانيكية والكهربائية باعتبارها القطاعات الأكثر تصديرا والجالبة للعملة الصعبة.. والحديث عن العملة الصعبة يجرنا حتما إلى الحديث عن وضع الدينار التونسي الذي بلغ قبيل ساعات من رأس السنة الميلادية سقف ال3 دنانير مقابل الأورو.. وهو مؤشر خطير سيؤثر سلبا على معدل التضخم وسيزيد من تضخم الأسعار ويرفع من كلفة الدين الخارجي ويزيد في تكلفة التوريد وبالتالي زيادة حجم العجز التجاري.. سنة جديدة لن تقل صعوبة عن سابقاتها.. خاصة أن سنة 2018 ستشهد مرور الدولة إلى تنفيذ التزاماتها وخلاص ديونها وفوائد ديونها وهو ما ستكون له انعكاسات أخرى كبيرة على الموازنة العامة لن تجد له الحكومة من مخرج سوى مزيد الغوص في دوامة الديون والاقتراض من أجل خلاص القروض وهو ما لا نأمله ولا تأمله الأجيال القادمة.