لا حديث اليوم في الساحة السياسية والاجتماعية إلا على التهاب الأسعار وارتفاعها وهذا الحديث ليس وليد الساعة بل منذ أسابيع عديدة مع انفلات الأسعار من عقالها وظهور ضغوط تضخمية هامة أشارت إليها لا فقط أرقام المعهد الوطني الإحصاء ومؤشراتها بل كذلك واقع الأسعار في الأسواق. وقد أكدت أرقام المعهد الوطني للإحصاء والصادرة في نهاية الأسبوع الفائت هذا الاتجاه العام لتطور الأسعار ولهيبها فقد أشار تقرير المعهد إلى أن مؤشر الأسعار وصل إلى مستوى 6,4% في نهاية السنة المنقضية وهذا التطور هام باعتبار أننا تمكننا من كبح جماح التضخم منذ سنة 2014 إلى نهاية سنة 2016 حيث لم يتجاوز معدل التضخم خلال هذه السنوات الثلاث 5% وهذا يعتبر تطورا إيجابيا مقارنة بسنوات بعد الثورة والتي تجاوز فيها مؤشر الأسعار نسبة 5%-. إذن عرفت الأسعار رجوعا إلى مستويات الضغط العالي في نهاية السنة المنقضية وأسباب هذا الصعود عديدة أذكر منها تراجع الدينار أمام العملات الأجنبية مما انجر عنه تطور التضخم المستورد وارتفاع أسعار المواد المستوردة الاستهلاكية منها ونصف المصنعة والمواد الأولية المتجهة إلى التصنيع. السبب الثاني يخص تطبيق الآلية الأتوماتيكية لمواجهة الدعم على الطاقة والتي تم تطبيقها في شهر جوان الفائت مما نتج عنه ارتفاع في أسعار النقل. السبب الثالث يخلق مسالك التوزيع ولتواجد عديد شبكات المضاربة والابتكار والتي لعبت دورا هاما في تأجيج لهيب الأسعار وارتفاعها. أما السبب الرابع فيخص تراجع الإنتاج والاستثمار والإنتاجية مما خلق ضغوطا هامة على العرض مما أثر سلبا على الأسعار. إذن التقت كل هذه العوامل لتجعل من السنة المنصرمة سنة ارتفاع كبير للأسعار وظهور عوامل تضخمية كبرى والخوف كل الخوف في بداية هذه السنة هو أن يكون الارتفاع الذي عرفته الأسعار قاعدة انطلاق لدوامة تضخمية كبرى أو une spirale iflationniste ومرد هذا التخوف ناتج على ثلاثة أسباب لعل أهمها الإجراءات التي أتي بها قانون المالية لسنة 2018 كارتفاع الأداء على القيمة المضافة والذي سيكون له تأثير على مؤشر الأسعار ب 0,8%، مواصلة رفع الدعم على الطاقة ومواصلة تدهور الدينار مقارنة بالعملات الأجنبية. إن ارتفاع ولهيب الأسعار منذ نهاية السنة المنصرمة يتطلب حلولا وإجابات سريعة من قبل الحكومة للحد من تطورها وإيقاف إمكانية تحولها إلى دوامة تضخمية وهذه الإجابات لابد أن تأخذ بعين الاعتبار العناصر التالية، العنصر الأول هو ضرورة التعاطي مع التضخم بمعزل عن الوضع الاقتصادي العام. والحلول الراديكالية لقضية التضخم تتطلب العمل على عودة الإنتاج والإنتاجية العنصر الثاني يهم سياسة الصرف وضرورة العمل على المحافظة على مستوى الدينار أمام العملات الأجنبية بالرغم من صعوبة هذه العملية في ظل مخزوننا من العملة الأجنبية المسالة الثالثة تهم مواصلة المراقبة وتفكيك شبكات الاحتكار والمضاربة في التجارة الداخلية أما العنصر الرابع فيخص التنبه للانعكاسات التضخمية لرفع الدعم عن الطاقة. هذه بعض العناصر لمحاربة التضخم لكن الواضح أن التهاب الأسعار يتطلب حلولا سريعة لإيقافه وحتى لا يتحول الى دوامة تضخمية يصعب التحكم في انعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.