أعلنت رئاسة مؤسسة التلفزة التونسية أمس في بلاغ لها أنها قررت إقالة مدير القناة الوطنية الثانية على «إثر قيامه ببث انطلاق أشغال الجلسة العامة لمجلس نواب الشعب أرضيا عوضا عن البث الفضائي مثل ما جرت به العادة». وأضافت في نص البلاغ «انه سيتم إعادة بث أداء قسم النائب ياسين العياري وبداية انطلاق أشغال الجلسة العامة الصباحية لمداولات مجلس نواب الشعب ظهر اليوم»( يوم أمس بطبيعة الحال). وقد أثار الخبر استغراب المعلقين الذين لم يقتنعوا بأن الإقالة جاءت اثر خطأ مهني بل هي نتيجة تدخلات أطراف سياسية في الخط التحريري للتلفزة الوطنية ممثلا هذه المرة في البرلمان الذي والحقيقة، لم تثر الإقالة في حد ذاتها الاستغراب وإنما الأسباب المعلنة التي اقتضت أن تتخذ رئاسة التلفزة الوطنية هذه الخطوة التي أحيت المخاوف من عودة الإعلام العمومي إلى دائرة التضييقات وجعلت البعض ينبهون من خطورة التدخل في خط التحرير من أطراف خارج المؤسسة سواء كانوا يمثلون سلطا سياسية أو قوى ضغط اقتصادي وغيرها. وحذر الملاحظون من المحاولات التي تسعى إلى العودة بالإعلام العمومي إلى زمن ما قبل الثورة حيث كان إعلاما مطوعا لخدمة النظام السياسي ومصالحه ومصالح الدائرين في فلكه... وهي مخاوف مشروعة نظرا لأن الإقالة جاءت نتيجة مباشرة لعدم بث حصة أداء القسم للنائب الجديد بالبرلمان ياسين العياري عبر الأقمار الصناعية وكأن من حقه ومن حق البرلمان برمته أن يمارس سلطة مباشرة على القنوات التلفزيونية الوطنية. والحقيقة، لا بد من الإشارة إلى أن خبر الإقالة لم يساعد في تخفيف حدة النقاش اليوم حول أداء التلفزة الوطنية التي هي محل انتقاد الجميع تقريبا بسبب عدم قدرتها على تقديم مادة مقنعة شكلا ومضمونا تتماشى مع انتظار جمهور المشاهدين، بل زاد في حجم المخاوف من أن تكون التلفزة الوطنية اليوم وسيلة في يد السلطات السياسية وأن تحيد عن دورها كوسيلة إعلام وطنية في خدمة المجموعة الوطنية. مع العلم وقد أشرنا إلى ذلك في عدد يوم أمس في مقال للزميلة علياء بن نحيلة - أن تخلي التلفزة الوطنية عن المنافسة على جمهور الدراما في رمضان هذا العام قد خلق أجواء متوترة وقوبل بمعارضة شديدة من أهل الميدان (كتاب سيناريو ومخرجين وممثلين ومخرجين وتقنيين) ولم تقنع الأسباب التي قدمتها التلفزة الوطنية عن التخلي عن إنتاج مسلسل لرمضان هذا العام، من ذلك مثلا أنها تشتغل على عمل درامي تاريخي ضخم، الملاحظين، لأننا في تونس خلقنا منذ عقود مفهوما اسمه «رمضان التلفزيوني» حيث تكثر نسب المشاهدة للقنوات التونسية العمومية والخاصة. وقد صارت المنافسة شديدة مع انفتاح المشهد السمعي البصري على القطاع الخاص وتحقيق التعددية في المجال. ومن الصعب استيعاب فكرة غياب القنوات الوطنية عن المنافسة وترك المجال للقنوات الخاصة. ولنا أن نذكر وفق ما أشرنا إلى ذلك في عدد يوم أمس بأن مجموعة من الممثلين والمنتجين وكتاب السيناريو والمهتمين بالقطاع اختاروا التصعيد في لهجة الاحتجاج في الأيام الأخيرة ووجهوا رسالة إلى رئيس الحكومة أعلنوا فيها صراحة عن عدم اطمئنانهم لقرارات رئيس مؤسسة التلفزة الوطنية مع العلم أن الهايكا (الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري) والعديد من الهياكل النقابية نادت بتعيين رئيس للمؤسسة يتحمل كامل مسؤوليته وبالتالي إنهاء فترة الرئاسة بالنيابة. وها أن خبر إقالة مدير القناة الوطنية الثانية عماد بربورة في هذا المناخ المتوتر والأسباب المرافقة لها التي أثارت المخاوف من العودة إلى زمن ما قبل الثورة يأتي لتزيد القناعة بأنه وجب اليوم فتح ملف التلفزة الوطنية بجدية.