بداية لا بد من الاشارة الى أن الامر لا يتعلق باستهجان او التقليل من شأن هذا الحيوان الذي سيرافق الصينيين طوال العام الجديد والذي سيكون عنوانا للسنة القمرية الجديدة وفقا للموروث الحضاري والثقافي الصيني.. وخلال أيام سيكون أكثر من مليار ونصف من الصينيين في استقبال عام الكلب رمز الوفاء والاخلاص ولكن أيضا رمز المسؤولية والشفافية في العقلية الصينية المتوارثة. وسيقيمون لذلك الاحتفالات في كامل انحاء العملاق الصيني وفي مختلف الاوساط الشعبية والرسمية وسيخصصون لذلك ذلك ان طقوس الاحتفالات بالسنة الجديدة في الصين تفرض حسن استقبال العام الجديد وكلما كان اليوم الاول موفقا كان الامر كذلك طوال ايام العام وتكون سنة الكلب بامتياز... عام الكلب بالنسبة للصينيين هو غير ما يمكن ان يحمله مثل هذا الوصف في ثقافة غيرها من الشعوب حيث يعتبر مجرد إطلاق «الوصف» على موسم او حدث او موعد لعنة ونقمة ومؤشر على التردي والانهيار والقتامة في كل مظاهرها...مساحات واسعة في مختلف الفضاءات.. احتفالات الصين بعام الكلب تأتي في أعقاب عام الديك مع تسجيل الاقتصاد الصيني نسبة نمو تجاوزت التوقعات وبلغت 6.9 بالمائة للسنة 2017، وعلى وقع توقعات بأن القادم أفضل.. عام الكلب في حسابات الصينيين لا ينطبق بأي حال على واقعنا العربي الذي تعجز كل الكلمات في وصفه، اذ وبخلاف ما تسجله الصين من تحولات متسارعة ومن تقدم في مختلف مجالات الحياة جعل العملاق الصيني يجتاح اسواق العالم ويفرض اليان الصيني في الاسواق العالمية بعد ان اكتسحت البضاعة الصينية الاسواق وامتدت خلال اقل من نصف قرن عبر مختلف قارات العالم دون أن تضطر الصين لتحريك ترسانتها العسكرية او ارسال قواتها البرية او اطلاق طائراتها الحربية أو حتى اطلاق رصاصة واحدة... استطاع الاقتصاد الصيني خلال اربعة عقود القفز ليبلغ درجة من النمو جعلته الاول في العالم ومهدت له سياسة الانفتاح والاصلاح للخروج من دائرة الانكماش والتقوقع واستبدال شعار زعيمه ماو تسي تونغ من الحلم بتوفير حبة طماطم لكل فم وعجلة هوائية لكل بيت، الى ما هو أعظم وأكبر من ذلك، وهو التربع على عرش العالم ماليا وتجاريا ولكن أيضا علميا ومعرفيا. فالجامعات الصينية تنافس اليوم أكبر الجامعات الامريكية والبريطانية والفرنسية، وخزينة الصين من العملة الصعبة هي الاثقل في العالم... لا شيء يأتي صدفة، فالصين حققت معجزتها الاقتصادية بالانضباط والمثابرة والاصرار على التحدي ومنافسة الجار الياباني.. صحيح ان الصين لم تتجاوز بعد معركة الحريات ولكن في بلد يعد 56 اقلية مختلفة ولكن متجانسة تصنع قوة هذا البلد، فإن كسب الرهان لن يتأخر كثيرا.. نتوقف عند عام الكلب الصيني ونحاول البحث عن عام الكلب العربي.. وهو وصف لا نخاله في الحقيقة إلا مجسدا للواقع العربي المشترك الذي لا يكاد يُفرح صديقا او عدوا.. ولعل في تصريحات الامين العام لجامعة الدول العربية بالأمس ما يختزل كل المشهد، حيث صرح ابو الغيط «بأن المنطقة العربية تعاني من أكبر عجز غذائي في العالم، وهي المنطقة الوحيدة التي شهدت زيادة في الجوع والفقر خلال السنوات الماضية».. تصريح لا يحمل مفاجأة ولو قال أبو الغيط غير ذلك لكانت الصدمة فعلا.. نعم هو عام كلب بكل المقاييس، فكل لحظة تمر يسجل معها العالم موت طفل يمني، وإن لم يحدث الموت بسبب القصف والرصاص حدث بسبب الجوع او الكوليرا.. وفي سوريا تتجمد اجساد الاطفال السوريين على الحدود بين لبنانوسوريا وتحنط لتسجل للتاريخ حجم المعاناة.. وفي السودان يجند الاطفال للصراعات الدموية وفي العراق تحرم اجيال متعاقبة من حق الحياة والعلم والمعرفة وفي فلسطين فتلك حكاية اخرى فقد عادت قوافل الشهداء تباعا امام عودة الهجمة الشرسة للاحتلال... والقائمة قد تطول... ومن كان يعتقد اننا في تونس مهد الربيع العربي لسنا بمنأى عن ذلك بعد ان تعددت محاولات اقحام البلاد في قائمات سوداء للملاذات الضريبية وأخرى لتبييض الاموال وتمويل الارهاب وحيث يمر موت تلميذتين حرقا في المبيت المدرسي دون ان يحرك السواكن؟.. عام كلب، وحبذا لوكان كلبا صينيا..