لم ينه الدستور الجديد الذي يُلزم الدولة في فصله السادس بضمان حياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي، الجدل الدائر حول التوظيف الحزبي لدور العبادة والمنابر الدينية في الدعاية السياسية، وتزداد المخاوف من هذا التوظيف مع اقتراب موعد كل استحقاق انتخابي، هذه المخاوف تتغذّى بالأساس من التجارب الانتخابية السابقة أين لعبت المساجد والمنابر خاصّة في انتخابات 2011 دورا خطيرا في شيطنة الخصوم السياسيين وفي الدعاية لقوى حزبية دون أخرى بدعوى أن هذه القوى الأقرب إلى الحفاظ على الهوّية الإسلامية للمجتمع التونسي.. ورغم التوظيف الحزبي للمساجد في 2011، إلا أنه وفي انتخابات2014 سعت كل الأطراف إلى تحييد المساجد التزاما بالدستور الجديد الذي نصّ صراحة على أن الدولة ملزمة بتحييد المساجد، واليوم يُطرح نفس الملف بمناسبة الانتخابات البلدية حيث تزداد المخاوف من توظيف المساجد في هذه الانتخابات التي لها خصوصية محلية بما يجعل الخطاب المسجدي أكثر تأثيرا في الناس خاصّة اذا كان بعض المرشحين في قائمات حزبية أو مستقلة هم من أئمة المنابر الذين يتواصلون مع الناس ويؤثرون في خياراتهم وتوجهاتهم.. وأمام هذه الرهانات والتحديات سارعت وزارة الشؤون الدينية لاصدار منشور داخلي استنادا على الفصل السادس من الدستور يلزم الادارات الجهوية بإنهاء تكليف كل إمام أعلن ترشّحه للانتخابات البلدية حتى لا يجعل من المنبر بوق دعاية لخاصّة نفسه.. الوعّاظ لمراقبة حياد المساجد بحكم الدستور والقانون فان وزارة الشؤون الدينية موكولا لها مهمّة مراقبة الخطاب الديني وعدم انحيازه السياسي أو الحزبي وخاصة خطب الجمعة وتتم عملية المراقبة هذه عن طريق سلك الوعّاظ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح اليوم هل يستطيع سلك الوعّاظ يتكوّن من 600 واعظ في كامل أنحاء البلاد من مراقبة عدم توظيف دور العبادة للدعاية لأي طرف حزبي أو سياسي كما دعت لذلك وزارة الشؤون الدينية في بيانها الأخير. من المؤكّد أن عدد الوعاّظ غير كاف لرصد كل التجاوزات والخروقات وعلى تغطية كامل مساجد الجمهورية وهو ما يطرح صعوبات في المراقبة، صعوبات لا تنفيها الوزارة ولكنها تؤكّد أنها تعوّل على وعي المواطنين وعلى يقظة المجتمع المدني لرصد كل التجاوزات، الا أن الوزارة ارتأت في السياق ذاته إنهاء تكليف الأئمة المرشحين للانتخابات حتّى تقلّص من مخاطر توظيف المنابر وتبعد كل شبهات التوظيف التي قد تلاحق المنابر الدينية. وفي تصريح ل"الصباح" أكّد مصدر مطلّع بوزارة الشؤون الدينية أكّد انه تم الى حدّ يوم الجمعة إنهاء تكليف15 إماما ولكن أحدهم سيعود للمنبر لسقوط قائمته، ومن بينهم 3 أئمة من ولاية بنزرت حيث أكّد المدير الجهوي للشؤون الدينية ببنزرت في تصريح اذاعي أمس بأنه تم إصدار 3 قرارات إنهاء تكليف وقتي ل3 أئمة من معتمديات رأس الجبل ومنزل بورقيبة، معتبرا أن هذا القرار يضمن حياد المساجد والجوامع عن التجاذبات السياسية وفيه مصلحة للمعنيين باعتباره سيوفر هامشا أكبر من الحرية لممارسة نشاطهم الانتخابي. وان كان إنهاء تكليف الأئمة ،قرارا وجد استحسانا كبير لدى المتتبعين للرأي العام باعتباره يبعد كل شبهات التوظيف الحزبي على المنابر، الاّ أن هناك تيارا من بين الأئمة والفقهاء وعلى رأسهم رضا الجوادي يعتبرون أن فصل الدعوي عن السياسي، مفهوم»عائم استعمل لإبعاد بعض الوجوه الدّعوية عن التأثير المميز في الساحة السياسية، معتبرا أن هذا المفهوم أصبح»بوابة لعلمانية اسلاموية تجمع العجائب والتناقضات»وفق تعبيره.