طبعا، ليس المقصود رائعة «الأمير الصغير» لأنطوان دو سانت اكزوبيري الغارقة في الخيال، ولكن بأمير حقيقي يحلم بتحول جذري في مجتمع تقليدي متدين يحتكم للشريعة الإسلامية ويستند لها في تنظيم الحياة الاجتماعية والسياسية، ألا وهو ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان، الذي ما انفك يكشف عن توجهات في الاصلاح غير مسبوقة في العائلة الملكية السعودية. وهو في كل مرة يفاجئ الملاحظين بالإعلان حينا عن خطوات أكثر جرأة مما سبق معلنا الانتصار لحق المرأة السعودية في المساواة في الراتب بعد أن دافع عن حقها في قيادة السيارة ونبذ ما تتعرض له من اقصاء وتهميش في مجتمع ذكوري، والتأكيد حينا آخر على مواصلة الحرب على الفساد والقطع مع مخططات الاخوان في بلاده.. وسواء كان هدف الامير السعودي الترويج لصورة جديدة للملكة لدى الحليف الامريكي في هذه المرحلة أم كان هدفه التسويق لموقعه داخل المملكة مستقبلا فان الاكيد أن النوايا الطيبة لا تصنع السياسة ولا تغير الواقع، وأن ما يبشر به ولي العهد السعودي يبقى موضوع اختبار مهم بالنسبة له. ولعلها المرة الاولى منذ إطلاق الحملة على الفساد وفتح سجن فندق الريتز لاستقبال السجناء من الامراء والمسؤولين التي يثير فيها ولي العهد السعودي الجدل داخل وخارج المملكة باعترافه أن التطرف اجتاح المملكة وفرض الفصل بين الاناث والذكور في الفضاءات العمومية... ولو أننا نمضي قدما في رصد تصريحات الامير محمد بن سلمان فربما نفاجأ بالتحول العميق الحاصل في المواقف بما يدعو جديا للتساؤل الى أي مدى يمكن لولي العهد أن يمضي في دفع الاصلاحات وتغيير العقليات؟ من الواضح أن طموحات الامير السعودي عالية وسقف تطلعاته غير محدود بما يعني أنه قد لا يكون من الهين فرض هذه التوجهات الجديدة على رجال الدين المتنفذين في المملكة ومجلس الشورى وأصحاب الفتاوى الذين يملكون حق الفصل بين الحلال والحرام.. صحيح أن الامير السعودي يتمتع بعلاقات متينة بصهر الرئيس ترامب غاريد كوشنير وأن علاقتهما كانت وراء اقناع ترامب بأن تكون الرياض محطته الخارجية الاولى بعد انتخابه رئيسا وهو ما تحقق فعلا مع ارتباط تلك الزيارة بأول قمة امريكية سعودية تلتها اول قمة امريكية اسلامية بحضور قادة خمسين بلدا مسلما كشف خلالها ترامب عن صفقة القرن في الشرق الاوسط ولكن دون أن يذهب الى كشف أسرارها.. لقد حرص ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على أن يستبق زيارته الاولى التي تبدأ اليوم الى واشنطن للقائه الرئيس الامريكي دونالد ترامب بحديث تلفزي لا يخلو بدوره من الاثارة.. الامير السعودي الشاب كشف عن تطلعات لمكافحة الفكر المتطرف في المملكة وارث تنظيم اسامة بن لادن وهجمات 11 سبتمبر وقد ذهب الى حد اعتبار أن المملكة كانت ومنذ 1979 من ضحايا هذا الفكر.. ولا شك أنه يشير بذلك الى الثورة الاسلامية في ايران والتحولات التي فرضها سقوط نظام الشاه في المنطقة وصولا الى الصراعات التي تعصف بها.. الامير كشف مجددا عن موقفه من الدور الايراني في المنطقة وتحديدا في الازمة اليمنية وذهب الى حد وصف خامنئي ب»هتلر» الجديد واتهام ايران بأنها تأوي الزعيم الجديد لتنظيم «القاعدة» وتدعم الحوثيين على حد تعبيره.. ومع ذلك فقد كشف الامير السعودي عن أشياء وتكتم بشأن أشياء وملفات شائكة ومنها الازمة في سوريا وموقف المملكة من نقل السفارة الامريكية الى القدس وربما تجنب التطرق لهذه المسائل على الاقل في هذه المرحلة... وفي اعتقادنا أنه إذا كانت طموحات الامير السعودي نابعة من قناعة بأن العالم يتغير وأن الانتماء للقرن الواحد والعشرين يقتضي التعجيل بالإصلاح ونبذ العقليات المفلسة وتحرير العقول من الجهل والتخلف فتلك مسألة مهمة، أما إذا كان الامر مرتبطا بتسويق صورة المملكة في الخارج والفوز برضاء البيت الابيض فتلك مسألة أخرى ... الى هنا لا يبدو المشهد مكتملا وسيبقى الغموض سيد المشهد بشأن المضي قدما في فرض الاصلاحات التي أعلنها الأمير السعودي التي لا شك أنها ستكون بمثابة الزلزال في المجتمع السعودي..