لم ينته الجدل و«الضوضاء» حول الانتخابات البلدية بمجرّد الإعلان عن النتائج الأولية التي كانت متوقّعة وعكست المزاج العام السائد سواء من حيث ضعف نسب الإقبال على الاقتراع والتصويت أو من حيث نتائجها السياسية في علاقة بالأحزاب الفائزة في هذه الانتخابات أو حتى في علاقة بالقائمات المستقلّة التي استطاعت هزم»الماكينات» الحزبية «التقليدية» وفرض نفسها في المشهد العام كشريك فاعل في الحكم المحلّي،لكن هذا الجدل سيتواصل وربما بأكثر حدّة إلى غاية 6 جوان القادم وهو الموعد الذي حدّدته الهيئة العليا للانتخابات للإعلان النهائي عن نتائج انتخابات بلديات-2018 بعد تقبّل الطعون. ولكن هذا الجدل لن يأخذ صبغة انتخابية بل سيكون جدلا يحوم بالأساس حول التحالفات والتوافقات المزمع عقدها في علاقة بانتخاب رؤساء المجالس البلدية لأن الانتخابات البلدية التي أجريت كان هدفها انتخاب أعضاء المجالس البلدية وليس انتخاب رؤساء البلديات. وانتخاب رؤساء البلدية سيكون»المعركة الخفيّة» في أغلب البلديات وانطلاقا من السياقات الراهنة التي فرضتها نتائج الانتخابات البلدية فان أغلب الملاحظين يتوقّعون حسم مسألة انتخاب رئيس بلدية من بين رؤساء القائمات الفائزة بالانتخابات في بلدية معينة سيخضع لمبدأ التحالف والتوافقات السياسية. ومن بين البلديات التي شدّت اهتمام الرأي العام بالنظر لخصوصيتها السياسية وكذلك لرمزيتها التاريخية نجد بلدية تونسالمدينة، الذي شدّ اهتمام الرأي العام أثناء الحملة الانتخابية واليوم يحظى باهتمام أكثر بعد النتائج المعلنة في هذه الدائرة والتي أفرزت فوز قائمة حركة النهضة وعلى رأسها عضو المجلس التأسيسي السابقة سعاد عبد الرحيم، وفوزها دعّم حظوظها في الوصول الى منصب رئيس بلدية تونسالمدينة أو»شيخ مدينة تونس» هذا المنصب الذي يحمل رمزية تاريخية تعود الى عهد البايات عندما كان الباي يعيّن بأمر علّي»شيخ مدينة تونس» من عليّة القوم ومن المرموقين وأساسا من كبار التجّار أو العلماء أو من مالكي الأراضي. لكن اليوم اختار التونسيون وعن طريق الاقتراع وبارادة انتخابية حرّة من يمثلونهم في المجالس البلدية ولكن رؤساء البلدية مسألة ستخضع دون شك لمبدأ التوافقات والتحالفات السياسية. «شيخ المدينة» يؤنّث .. لم لا؟ في 2011 دخلت سعاد عبد الرحيم التاريخ كأوّل امرأة سافرة في حزب المحجّبات واليوم قد تدخل التاريخ كأوّل امرأة في انتخابات المجلس التأسيسي لسنة 2011، صنعت سعاد عبد الرحيم الحدث عندما ترشّحت عن قائمة حركة النهضة بدائرة تونس 1 واستطاعت أن تدخل المجلس الوطني التأسيسي كأوّل امرأة «سافرة» في حزب «المحجّبات» ورغم استقالتها بعد ذلك من الكتلة النيابية لحركة النهضة الاّ أنها ظلّت على انتمائها الحزبي، ومرّة أخرى تُغامر حركة النهضة وترشّحها على رأس قائمتها الانتخابية بتونس 1 لمنصب شيخ مدينة تونس، وبعد اعلان نتائج الانتخابات وفوز حركة النهضة بهذه الدائرة الانتخابية التي تعد أكبر بلدية في الجمهورية ولكونها تحتوي على 60 مقعدا وتعدّ حوالي 600 مكتب اقتراع، باتت سعاد عبد الرحيم على قاب قوسين او ادنى من منصب»شيخ مدينة تونس» لتكون بذلك أوّل امرأة تونسية منذ سنة 1858، تاريخ احداث منصب»شيخ المدينة»بمرسوم ممضى من الباي محمّد بن حسين. ولم تخف سعاد عبد الرحيم سعادتها في كل تصريحاتها الاعلامية بالأمس بأن تكون أوّل امرأة في تونس تتولّى منصب»شيخ المدينة» معتبرة أن ذلك يمثّل فخرا للمرأة التونسية، كما بدت عبد الرحيم واثقة من توليها المنصب رغم كل ما يقال عن كون التحالفات السياسية قد تطيح بأحلامها في الوصول الى هذا «المنصب الرمز»حيث علّقت عن ذلك بقولها حرفيا «لا أعتقد ان التوافقات يمكن أن تكون بعيدا عن ارادة الشعب.. التحالفات يمكن أن تكون في بلديات أخرى ولكن لرمزية بلدية تونس أعتقد أن بقية الزملاء سيوافقون على أن أكون رئيس بلدية تونس». الفائزون بدائرة «شيخ المدينة» أفرزت النتائج الانتخابية لدائرة تونس 1 على حصول حركة النهضة على 30.7بالمائة من الأصوات تليها حركة نداء تونس 27.9 بالمائة ثم التيار الديمقراطي 11.9 بالمائة فالإتحاد المدني 9.6 بالمائة. وجاءت القائمة المستقلة «مدينتي تونس» في المركز الخامس6.7 بالمائة من الأصوات ثم الجبهة الشعبية سادسة 6.2 بالمائة. ولكن هذه النتائج كانت لانتخاب أعضاء المجالس البلدية وليس لانتخاب رئيس بلدية تونسالمدينة أو»شيخ المدينة» لأن الظفر بهذا المنصب يتطلّب إمّا التوافق بين أعضاء المجلس البلدي والمتكون من 60 عضوا أو عن طريق الانتخاب في صورة عدم التوافق وذلك بعد ترشح رؤساء القائمات. وحسب نتائج الانتخابات فان أعضاء المجلس سيختارون ليكون «شيخ مدينة تونس» القادم امّا سعاد عبد الرحيم عن حركة النهضة أو كمال إيدير عن نداء تونس أو أحمد بوعزي رئيس قائمة التيار الديمقراطي أو مهدي الرباعي رئيس قائمة الاتحاد المدني أو محمد منير بن ميلاد رئيس قائمة ‹›مدينتي تونس›› المستقلة أو لطفي بن عيسى رئيس قائمة الجبهة الشعبية. وقد تكفي نظرة سريعة على هذه القوى السياسية الفائزة بالمجلس البلدي والتي ستتولّى بعد ذلك انتخاب «شيخ المدينة» وبالنظر لخلفية هذه القوى الفكرية والأيدلوجية فان الطريق الى منصب «شيخ المدينة» وخاصّة بالنسبة لسعاد عبد الرحيم لن يكون سهلا بعيدا عن «التوافق». التوافق أم الانتخاب في تصريح ل«الصباح» أكّد بوبكر بن ثابت الكاتب العام السابق للهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن»انتخاب شيخ مدينة تونس سيكون بنفس الطريقة التي سيُنتخب بها رؤساء البلديات من بين رؤساء القائمات الفائزة بالانتخابات وذلك بعد صدور النتائج النهائية للانتخابات البلدية بعد استيفاء آجال الطعون» مضيفا «عندها يجتمع مجلس الهيئة في جلسة انتخابية لينتخب أحد رؤساء القائمات الانتخابية الفائزة في الانتخابات من بين القائمات الانتخابية المشكّلة للمجلس البلدي وهؤلاء الأعضاء هم من سينتخبون رئيس بلدية تونس أو شيخ المدينة». كما أشار بوبكر بن ثابت الى كون «هذا من الناحية القانونية ولكن من الناحية السياسية الاتفاقات والتحالفات هي من سيحسم مسألة انتخاب رئيس المجلس أو شيخ المدينة، وبالتالي الاتفاقات هي من ستفرز رئيس المجلس وكذلك رئاسة أهم لجان المجلس وقد سمح القانون بالتوظيف السياسي للنتائج والاتفاقات والتحالفات السياسية هي من سيحسم في النهاية من سيكون رئيس المجلس». الحديث من طرف عدد هام من الملاحظين والمتتبعين للشأن الانتخابي عن كون التوافق والتحالفات سيسود اغلب المجالس البلدية عند انتخاب رؤساء البلديات، يجد مبرّراته نتائج الانتخابات البلدية،حيث فازت كل من حركة النهضة في المركز الأوّل ونداء تونس في المركز الثاني بأغلب الدوائر الانتخابية، وهو ما فسّرته عدّة قيادات من كلا الحزبين بأن نتائج الانتخابات البلدية تعكس رضاء شعبيا عن سياسة التوافق بين النهضة والنداء رغم العزوف اللافت الذي شهدته هذه الانتخابات والذي لم يتجاوز نسبة 33.7 بالمائة من مجموع المسجلين بهذه الانتخابات. ولم يشكّك حزب نداء تونس في فوز النهضة بهذه الانتخابات بفارق يقدّر بين 3 الى 5 نقاط، في المقابل فان زعيم حركة النهضة عبّر عن فوز حركة النهضة بإعلانه «انتصار نهج التوافق».. وحسب كل المؤشرات فان مبدأ التوافق المسيطر على المشهد السياسي سيزداد ترسّخا في انتخاب رؤساء البلديات.