تثير شبكة البرامج التلفزيونية الرمضانية بعد مرور أسبوع فقط من الشهر الكريم موجة من الاستياء تجاوزت حدودنا التونسية لتصل إلى المغرب ومصر كذلك بسبب ما تتضمنه من عنف مادي ومعنوي رأى فيه الملاحظون لا سيما من نشطاء المجتمع المدني بأنه محتوى يوجه رسائل سلبية إلى جمهور المشاهدين ومن شأنه أن يساهم في التطبيع مع العنف أو في تزييف الحقائق. ففي تونس ما فتئت الأصوات ترتفع لإيقاف مسلسل «شورب» الذي تبثه قناة التاسعة الخاصة وهو يتناول شخصية خارجة عن القانون عاشت في أواسط القرن العشرين. ويتعلق الأمر بعلي شورب أصيل أحد الأحياء الشعبية المعروفة في المدينة العتيقة بتونس والذي كان يروع الناس بأعمال العنف والبلطجة والمتاجرة في المخدرات لينتهي نهاية مروعة. ويتقمص الممثل المعروف بأعماله الكوميدية لطفي العبدلي دور الفتوة علي شورب في حين تتقمص الممثلة دليلة المفتاحي دور والدته ويعتبر هذا الدور هام لأنه عرف عن علي شورب احترامه الكبير لوالدته التي كانت وفق ما روي عنه الوحيدة القادرة على وضع حد لحالة الشغب أو العراك التي يكون شورب أحد الفاعلين فيها. وقد اعتبر الملاحظون في تونس أن المسلسل يقدم نموذجا سلبيا لجمهور الشباب في وقت نحتاج فيه إلى رسائل إيجابية تساعد على إعادة بناء المجتمع وتبث فيه قيم الخير واحترام القانون. أما برنامج الكاميرا الخفية» شالوم» الذي انطلقت في بثه قناة «تونسنا» الخاصة فقد أثار موجة من الاستياء وجدلا واسعا رددت صداه مواقع التواصل الاجتماعي وذلك بسبب فحوى البرنامج الذي يستدرج شخصيات سياسية وفنية ورياضية معروفة ويغريها بالمال لكي تفصح عن موقفها من التطبيع مع الكيان الصهيوني. وقد شكك العديد من المعلقين في نزاهة البرنامج وفي خلوه من الأجندات الخاصة. وفي المغرب ووفق ما نقله موقع «العربية نت» أثار عرض مشاهد تروّج للقتل والذبح وارتكاب الجرائم باستخدام سكاكين، في مسلسل هزلي يعرض على التلفزيون المغربي، انتقادات واسعة دفعت الرأي العام المغربي إلى مطالبة السلطات بالتدّخل لوقف بثّها، بسبب ما اعتبروها «رداءة لا تليق بالناشئة والأسرة المغربية». ويتعلّق الأمر بالمسلسل الهزلي «حيّ البهجة» الذي بدأ عرضه منذ أول أيام رمضان على القناة الثانية خلال وقت الإفطار، وظهرت في حلقاته الأولى لقطات لسكاكين مغطاة بالدماء، استخدمت بغرض التدرب على كيفية ارتكاب الجريمة، وذلك ضمن مشاهد رئيسية في المسلسل. ولم يرق هذا الإنتاج لتطلعات الجمهور المغربي، الذي انتقد الرسالة التي يروّج لها هذا المسلسل، خاصة أن عرضه يتزامن مع موعد الإفطار، وهو الوقت الذي تتابع فيه العائلات الشاشة الصغيرة. أما في مصر ووفق ما نقله موقع «الجزيرة نت» فإن عدة مسلسلات مصرية أثارت ردود أفعال مستاءة على خلفية ما تضمنته من محتوى اعتبر من وجهة نظر نقاد وملاحظين دعائية سياسية. ويأتي في مقدمة هذه المسلسلات مسلسل «كلبش 2» الذي يبث جزؤه الثاني هذا العام، بسبب محاولات تلميع صورة أحد السجون المصرية المشهورة بسمعتها السيئة. أما مسلسل «أبو عمر المصري»، فإنه دفع الخرطوم إلى تقديم «احتجاج رسمي» لدى القاهرة وفق ما نقله الموقع المذكور على ما قدمه من محتوى في حلقاته الأولى، حيث أظهر السودان ساحة مستباحة لمنظمات إرهابية، واعتبرت الخارجية السودانية في بيان لها المسلسل «عملا مسيئا للشعبين الشقيقين»، مطالبة السلطات المصرية المعنية بوضع حد لذلك. كما شن نشطاء سودانيون حملة بمواقع التواصل الاجتماعي على المسلسل، الأمر الذي دفع مصر للإعلان من خلال رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام عن حذف بعض مشاهد المسلسل التي قد تسيء لدولة السودان. ويلوم العديد من المتحدثين الذين تحصل الموقع المذكور على تصريحاتهم حول المادة الدرامية التلفزيونية المصرية في رمضان الحالي، صناع هذه الدراما على ما أسموه بالتحريض على العنف تجاه شريحة من المجتمع، وحملوهم المسؤولية في المساهمة في تزييف الواقع والحقائق وتبديل الأدوار حيث يصبح الضحية متهما والعكس صحيح. وهكذا فإن الدراما التلفزيونية الرمضانية التي عادة ما كانت تعتبر رفيقة الصائم في سهرات رمضان وأحد الأسباب التي تجعل سهرات رمضان رائقة وممتعة، تحولت إلى مصدر للقلق والجدل وخيبة الأمل.