تراجع مخزون تونس من العملة الصعبة مجددا إلى 10744 مليون دينار لينزل إلى ما يعادل 72 يوم توريد بتاريخ 4 جوان 2018، بعدما كان يوم 21 ماي الماضي في حدود 10795 مليون دينار اي ما يُعادل 73 يوم توريد. وفقد بذلك مخزون العملة الصعبة مدفوعا بتواصل انخفاض قيمة الدينار أمام العملات الرئيسية وتفاقم عجز الميزانية، أكثر من 23 يوم توريد مقارنة بما كان عليه مخزون العملة الاحتياطي في أكتوبر 2017. وكان معدل الاحتياطي خلال الشهرين الماضيين يحوم حول معدل تراوح بين 77 و74 يوم توريد. ويُعدّ بلوغ احتياطي تونس من العملة الصعبة عتبة 72 يوم توريد أدنى معدل يسجله منذ بداية السنة الجارية بعد أن سجل الاحتياطي لأول مرة منذ عقود انهيارا تاريخيا وقياسيا منذ ديسمبر 2017 حين تخطى حاجز ال90 يوما وهو المعدل العالمي لاحتياطي أي دولة يضمن لها استقرارا ماليا وقدرة على سداد الديون والتوريد والاقتراض.. ويعكس الانهيار المتواصل لمخزون العملة الصعبة عجز البنك المركزي والسياسية النقدية المتبعة في التحكم في نزيف الانهيار رغم الإجراءات المتخذة قبل أسابيع خاصة في مجال الترفيع في نسبة الفائدة الرئيسية. كما لم يمكن القسط الثالث من القرض الممد من صندوق النقد الدولي الذي افرج عنه في مارس الماضي من انعاش خزينة الاحتياطي الا بمقدار ضئيل جدا لم يتعد ال5 نقاط قبل أن يعاود المخزون انهياره مجددا. ووفقا لخبراء في الاقتصاد وبالعودة إلى بيانات سابقة للبنك المركزي التونسي، فإن الأمل المتبقي من انتعاشة محتملة لاحتياطي العملة الصعبة رهين ما سيحققه الموسم السياحي من مداخيل بالعملة الصعبة وهو الذي يلوح واعدا، وأيضا بعائدات منتظرة من الصادرات خاصة منها التمور وزيت الزيتون خاصة مع تسجيل تسحن في ميزان التجاري خلال الثلاثية الأولى من السنة الحالية.. وأيضا مع إمكانية صرف صندوق النقد الدولي للقسط الرابع من القرض الممدد خلال الأسابيع القادمة.. جدير بالذكر أن رئيس بعثة صندوق النقد الدولي في تونس "بيورن روثر" أكّد أنّه لا بدّ من تخفيض قيمة الدينار التونسي أكثر خلال سنة 2018 إذا أرادت تونس دفع حركة التصدير وإنعاش اقتصادها الذي قال انه تأثّر بالتقلّبات السياسيّة منذ الثورة. وفي تعليقه على التقلّص المتواصل لمخزون تونس من العملة الصعبة أوضح أنّ "المدّخرات الضعيفة (احتياطي العملة الصعبة) يمكن أن تُحبط المستثمرين لكنّها لا تنبئ بأزمة نقديّة». انهيار الدينار ويفسر الانخفاض المتواصل لاحتياطي العملة الصعبة أساسا بالانهيار الكبير الذي شهده الدينار التونسي منذ عامين والذي فقد أكثر من 20 بالمائة من قيمته. كما يفسر بازدهار سوق الصرف الموازية وارتفاع حجم الأموال النقدية المتداولة خارج البنوك التي بلغت مستويات قياسية.. وعادة ما ترتفع موجودات العملة الصعبة نتيجة ثلاثة عوامل رئيسية، وهي صرف قروض خارجية بالعملة الصعبة، وتحسن الميزان التجاري، وتحسن المقابيض من نشاط التصدير والسياحة.. وكان البنك المركزي قد فسّر تراجع احتياطي العملة الذي بلغ منتصف أوت 2017، 90 يوم توريد إلى سداد قرض ساموراي (ياباني) الذي بلغ أجل سداده، ودفعت تونس ما قيمته 12,7 مليار يان (ما يعادل حوالي 270 مليون دينار أو يومي توريد). ووفقا للبنك المركزي عرفت سنة 2017 ارتفاعا في مخزون العملة الصعبة إلى 116 يوم توريد في شهر فيفري 2017 بعد صرف قرض من المانحين الكبار في لندن لفائدة تونس قيمته 850 مليون أورو، لكنه تراجع مرة أخرى تحت تأثير الضغوط المتواصلة على الميزان التجاري، وخدمة الدين الخارجي، وتراجع مداخيل العملة الصعبة المرتبط خاصة بتراجع إنتاج الفسفاط والمحروقات من جهة، وتراجع المقابيض بالنقد الأجنبي رغم تحسن النشاط السياحي بسبب ازدهار نشاط المعاملات بالعملة الأجنبية بالسوق الموازية.. ويتطلب الحفاظ على احتياطي العملة في مستويات مطمئنة التحكم في مستوى نمو العجز التجاري وخاصة إعادة تأهيل قطاعات الإنتاج الحيوية الجالبة للعملة الصعبة ومكافحة الأنشطة الموازية التي تعمل بطريقة لا يمكن التحكم فيها على امتصاص الموارد المالية سواء كانت بالدينار او بالعملة الصعبة.. أزمة سيولة وازدهار السوق الموازية.. بدورها، سجلت النقود والأوراق النقدية المتداولة في تونس أي الأموال السائلة خارج المنظومة البنكية رقما قياسيا جديدا، حسب ما تشير إليه الإحصائيات والمؤشرات المالية والنقدية التي يصدرها يوميا البنك المركزي. فقد وصل حجم الأموال النقدية المتداولة في السوق بتاريخ 4 جوان 2018 ما يفوق 11712 مليون دينار أي بمعدل 13 بالمائة من الناتج المحلي الخام. علما أن حجم الأموال والأوراق النقدية المتداولة المسجل في أواخر سنة 2010 قدر بنحو 5.790 مليار دينار. ويعكس الحجم الكبير من الأموال المتداولة أن البنك المركزي والحكومة عجزا عن السيطرة على السوق الموازية المتسبب الرئيسي في ارتفاع حجم السيولة المالية المتداولة خارج المنظومة البنكية أي انها لا تمر بالضرورة عبر حسابات بنكية مفتوحة، وهو ما يفسر بتنامي ظاهرة التهرب الضريبي والجبائي، ومحدودية المعاملات المالية الالكترونية أي دون مسك وتداول اوراق نقدية (كاش) في المعاملات التجارية والمالية.. في سياق متصل أكد البنك المركزي أنه قام الى حد 4 جوان 2018 بضخ 14459 مليون دينار في السوق المالية في ارتفاع يقدر بأكثر من 45 بالمائة عما كان عليه الأمر مثلا بتاريخ 28 جوان 2017 التي تم فيها ضخ 9182 مليون دينار في السوق المالية وهو رقم قياسي آخر يؤكد وجود أزمة سيولة نقدية في تونس..