انتظم يوم الأربعاء 6 جوان الجاري في قاعة صوفي القلي بمدينة الثقافة بالعاصمة لقاء فكري بعنوان «صورة الجهادي في الأعمال الروائية» بحضور الروائيين «شادية القاسمي» و«محمد عيسى المؤدب»، وذلك ببادرة من بيت الرواية بمدينة الثقافة التي يشرف عليها الكاتب كمال الرياحي. وقال «كمال الرياحي» في مستهل اللقاء الذي قدمه «لسعد بن حسين» ونشطه «محمد الحباشة»: «سنقوم الليلة بطرح موضوع إشكالي وهو صورة الجهادي في الرواية التونسية، هو موضوع تم طرحه قبل الثورات بالتحديد بعد أحداث 11 سبتمبر، ولعل أهم الروايات التي طرحت في هذا الموضوع هي «ريح الجنة» للروائي السعودي تركي الحمد التي يسرد فيها أحداث 11 سبتمبر، كذلك رواية «الإرهابي 20» للسعودي عبد الله ثابت ورواية «اقتلوهم جميعا» للجزائري سليم باشي. وحان الوقت لتسليط الضوء على الرواية التونسية التي تعنى بهذا الموضوع، لذلك سنتطرق إلى تجارب أدبية وروائية تونسية معاصرة. واختيار كلمة الجهادي ليس اعتباطيا بل هو من باب هزم النظرة الخارجية السطحية للجهادي والغوص في الأعماق قبل تكوين الجهادي، لذلك نحن ندخل هذا الموضوع دون أية أحكام مسبقة حول هذه الشخصيات». وقدمت الروائية «شادية القاسمي» الحائزة على جائزة الكومار الذهبي عن روايتها «المصب» (بالتناصف مع رواية توجان لآمنة الرميلي) لمحة عن سيرتها الذاتية ومقاطع من روايتها الأخيرة «رايات سود» التي اهتمت بموضوع الإرهاب وقالت: إن رواية «رايات سود» تتناثر فيها الأحداث زمنيا، تنقل أحداثا واقعية لذلك كان يجب أن أتصف بالدقة، من الأحداث الطلابية إلى أحداث سليمان وحرق مقام السيدة المنوبية إلى الثورة التونسية، أنا أنقل صورة الجهادي الذي ضغطت عليه الظروف المادية والتهميش وحادثة الطفولة كي أطرح الأسباب دون أحكام مطلقة». أما الروائي والناقد «محمد عيسى المؤدب» الذي كتب القصة القصيرة والرواية والمقال الأدبي وأنتج العديد من البرامج الأدبية، فقد قدم روايته الحائزة على الكومار الذهبي «جهاد ناعم» التي تتناول موضوع الهجرة غير الشرعية وتتعرض لعدة قضايا من بينها العنف والإرهاب والفساد قائلا: «لم أكن أحلم بتجاوز القصة القصيرة في كتاباتي ولكن جذبت من قبل العديد من العوامل حتى أنتجت «عرس النار وهيلينا». وفي روايتي «جهاد ناعم» قمت بطرح العوامل النفسية والاجتماعية والاديولوجية لتكوين الجهادي، انتصرت للشباب والحرية وقمت بتفكيك مؤسسات ترحيل الشباب إلى الجهاد الداعشي، وفي نفس الوقت قدمت قصة نضال الذي دفعته هذه الظروف للهجرة غير الشرعية ليصل بعد ذلك إلى بؤر الإرهاب. هي رواية تعطينا نظرة أخرى للشخصيات الجهادية». مع العلم أن العديد من الروائيين التونسيين كتبوا عن الإرهاب وحاولوا تحليل شخصية الإرهابي أو الجهادي عبر نصوص روائية من بينها من نجح في لفت انتباه القارئ وحصل على تشجيع الناقد الأدبي ومن بينها من لم يحالفه الحظ لسبب بسيط هو استسهال الموضوع واعتباره أحيانا بمثابة الموضة التي يمكن اللحاق بها والإستفادة منها. ولعل الكاتبة شادية القاسمي وخاصة من خلال روايتها «رايات سود» من بين ابرز كتاب الرواية في تونس الذين لامسوا القضية بعمق وكتبوا عن الإرهاب كتابة مقنعة وعميقة وجديرة بالإهتمام. هناك تجارب أخرى يمكن القول أنها جيدة على غرار رواية كاترسيس «لحنان جنان التي حازت بدورها على جائزة العمل الأول ضمن جوائز الكومار وكانت قد روت مأساة والدة تحاول استرجاع ابنتها التي تركت البلاد والتحقت بالجماعات المسلحة بسوريا. وكانت الرواية مقنعة لأنها كتبت بصدق وكان أسلوبها السردي بعيدا عن التكلف. وقد انخرط عدد من الإعلاميين المواكبين للأحداث ذات الصلة بالإرهاب في مغامرة كتابة رواية تنبني الأحداث فيها على شخصية الإرهابي نذكر من بينها مثلا الصحفي محمد معمري الذي كتب رواية «اعترافات ميت» وكذلك الصحفي كمال الشارني الذي كتب روايته الأخيرة «كاليتيم على آخر بيت مضاء» حول شاب عاش انكسارا فوجد نفسه في الجبال مع الإرهابيين. وإن كانت التجارب الروائية التونسية التي اهتمت بموضوع الإرهاب عموما لا تخلو من مجهود فإن أغلب التجارب مازالت تتحسس طريقها في الساحة الادبية واصحابها مطالبون بمزيد الإشتغال على الأساليب الفنية في كتابة الرواية لأن الرواية هي قبل كل شيء فن وأسلوب وأدوات وتقنيات لا يمكن لأي كاتب أن يتقنها في غياب امتلاكه لهذه المفاتيح حتى وإن تناولت مواضيع خطيرة وحارقة مثل موضوع الإرهاب في تونس.