تحت عنوان «نظرة أخرى حول الهجرة» احتضنت تونس يومي 26 و27 من الشهر الجاري المنتدى الدولي التاسع للمنظمات غير الحكومية الشريكة الرسمية لليونسكو. وبحضور عدد كبير من الناشطين في المجتمع المدني القادمين من مختلف البلدان المتوسطية تم خلال هذا اللقاء المنتظم بالعاصمة ببادرة من المعهد العربي لحقوق الإنسان تعميق النقاش حول العديد من المسائل التي تهم أوضاع المهاجرين، ومن بينها الإدارة الإعلامية للهجرة. وكشف المشاركون في ورشة حول التعاطي الإعلامي مع ملف الهجرة التي أدارها بارتيك قالو نائب رئيس لجنة الاتصال بين المنظمات الحكومية واليونسكو، تقصير وسائل الإعلام في التعاطي مع قضايا المهاجرين واللاجئين خاصة منهم المهاجرين غير النظاميين، وطالبوا الصحفيين بالتنقل إلى المخيمات وبالإنصات إلى قصص المهاجرين وبتغليب الحس الإنساني لديهم عند كتابتها. وأشار بعضهم الى أن بلدان أوروبا التي توصد أبوابها في وجه المهاجرين غير النظاميين وتقول إنهم يتسببون لها في أزمة، هي التي تعيش أزمة لأنها لم تستطع التكيف مع وضعياتهم. وقدمت فابيان لاسال ممثلة منظمة «اس او اس المتوسط» أشرطة مصورة مؤثرة جدا وهي تعبر عن معاناة مهاجرين أفارقة ألقوا بأنفسهم في قوارب الموت، وهناك منهم من نجا من الموت بأعجوبة بعد أن تمكن فريق الأس او اس من إنقاذهم في عرض البحر. وذكرت فابيان أن الجمعية تتكون من مجموعة من الجامعيين والحقوقيين والباحثين ومن مصور ومكلفة بالاتصال، وللتحسيس بقضية المهاجرين علمت على تسهيل مهمة العديد من الصحفيين، كما أعدت كتابا تضمن شهادات حية للمهاجرين. وقالت ممثلة جمعية اس او اس المتوسط ان الجمعية تتعرض للكثير من الضغوطات خاصة السياسية لكنها تعتبر أنه من واجها مساعدة المهاجرين في قوارب الموت والإعلام عنهم وحمايتهم. وفسرت فابيان سبب نشوء مثل هذه الجمعية بأن وجودها كان نتيجة مباشرة لعجز الدول الأوروبية على تركيز منظومة إنقاذ فعالة وذات جدوى في المتوسط، وبينت أن إيطاليا كان لها برنامج إنقاذ المهاجرين في عرض البحر لكنها توقفت عن أداء هذه المهمة الإنسانية نظرا لأنه لم يعد لها القدرة على مواصلتها، وكان من المفروض وقتها أن تجتمع الدول الأوروبية وتتباحث سبل مواصلة أداء ذلك العمل الإنساني لكنها لم تفعل، وفي هذا السياق ولدت جمعية «آس او اس المتوسط». وخلصت فابيان لاسال إلى أن المجتمع المدني بإمكانه أن يساعد المهاجرين وأن يشد على أياديهم. ولدى حديثه عن دور الإعلام في قضية الهجرة قال الصحفي زياد كريشان إن هناك أوهاما لا بد من التخلص منها وأهمها ان الصحفيين يصنعون الرأي العام وبين ان الصحفيين لا يصنعون الرأي العام ولا يعرفون من الذي يصنعه وان كان الرأي العام يصنع لذاته. وأضاف انه لو كانت هناك معلومات دقيقة وصحيحة ولو أن وسائل الإعلام تؤدي مهمتها بحرفية وموضوعية لانتهت المشاكل. وتحدث كريشان عن الهجرة في المخيال الجمعي وبين ان البشر يعيش قصة هجرة بدأت مع ادام وحواء، وتواصلت هجرة الإنسان العاقل من إفريقيا نحو كل بقاع الأرض التي عمرها، فبقدر تطور البشرية أصبح العالم قرية صغيرة وكانت الأبواب مفتوحة وهناك الكثير من المهاجرين الذين تدفقوا على بلدان جنوب المتوسط لكن هذا الموضوع لا تقع إثارته، واليوم ينظر للمهاجرين المتدفقين على أوروبا على انهم يهددون اقتصادها، ويهددون الهوية ونمط العيش فالمهاجر عندما يطالب باحترام حرية العقيدة او التنوع الثقافي أصبح ينظر إليه كمهدد للوحدة الوطنية ولكيانها. وأشار كريشان الى ان كل الدراسات تثبت أن المواطن الغربي المطلع على وسائل الإعلام خاصة منها الصحافة المكتوبة والمواطن المهتم بالأخبار والسياسة والمستهلك للإعلام الجدي هو أكثر تفهما للمهاجرين من المواطنين الذين يستهلكون صحافة الترفيه والإثارة، وبالتالي فان الإعلام الجدي والإعلام الذي يقدم الحلول لمشاكل الهجرة لا يقبل عليه الجميع بل هناك من يقبلون على إعلام الإثارة. وذكر كريشان أن هناك فئات تعتبر نفسها متضررة من العولمة، وهي التي تصوت لترامب وهي التي تصوت لتنظيمات أقصى اليمين وهي التي تصوت لفائدة البريكسيت، وبالتالي فان التحدي المطروح أمام الإعلام هو كيفية الوصول الى هذه الفئات. اما في تونس فان التحدي يكمن في كيفية الوصول الى صنف من الناس لا يدركون أن تونس أصبحت أرضا يحن لها المهاجرون. وخلص كريشان الى ان هناك جهدا كبيرا يجب على الصحفيين بذله من اجل إقناع التونسيين بحسن استقبال هؤلاء المهاجرين وتمكينهم من حقوقهم لان البلدان المصدرة للهجرة عليها ان تقتنع هي الأخرى بان لها واجبا إزاء المهاجرين. الصحافة الأخلاقية قدمت عايدة القيسي المستشارة في تطوير وسائل الإعلام في شبكة الصحافة الأخلاقية بالمملكة المتحدة العديد من التوصيات للإعلاميين المشاركين في المنتدى الدولي التاسع للمنظمات غير الحكومية الشريكة الرسمية لليونسكو، وأهمها نقل الحقيقة كل الحقيقة ودون انحياز. وقالت ان هذه الشبكة تركز على موضوع الهجرة سواء من حيث الأدوات المتاحة للإعلام والمجتمع المدني لتحسين التغطية الإعلامية لقضايا الهجرة أو من حيث تقديم النصائح للصحفيين حول كيفية تغطية الأحداث المتصلة بموضوع الهجرة بالتركيز على الجانب السردي والابتعاد عن التسييس. وأضافت القيسي أن الشبكة تعمل على دعم الصحافة الأخلاقية التي تركز على حقوق الإنسان لان الإنسان هو أهم شيء في العمل الإعلامي، وذكرت ان الشبكة شرعت في الاشتغال على موضوع الهجرة منذ سنوات وأصبح هذا الملف اليوم من الملفات الرئيسية في أجندة المتوسط. وبينت ان الإعلام عندما يتطرق لموضوع الهجرة يركز على موقف الاتحاد الأوروبي منها في حين من الأفضل ان يركز على الصورة وان يتحدث الى المهاجرين وان يتنقل الى أسرهم ويستعمل صورها في التقارير الصحفية، فبمثل هذه الكيفية يمكنه أن يؤثر على الرأي العام.. وأضافت المستشارة في شبكة الصحافة الأخلاقية أن الشبكة أصدرت مؤلفا حول كيفية تطوير سياسات الهجرة على ضفتي المتوسط ومن بين المخرجات الرئيسية لهذا الإصدار التأكيد على ان صوت المهاجرين لا يصل الى الإعلام، وهو ما يتطلب تجاوز هذا النقص من خلال استحثاث الصحفيين على التطرق لقضايا الهجرة والاتجار بالبشر والمشاكل التي يعاني منها المهاجر وذكرت ان الشبكة أعدت أشرطة وثائقية وأدلة وقاموس للمصطلحات المتعلقة بالهجرة وذلك لتلافي استعمال بعض العبارات الأخرى المتداولة في الأوساط الإعلامية. وأضافت ان الشبكة تتوجه إلى الصحفيين بجملة من النصائح أولها توخي الدقة في التغطية الصحفية ونقل الحقيقة وتصوير الواقع كما هو ودون أي انحياز، اما الوصية الثانية وهي على غاية من الأهمية فتتمثل في الاطلاع على القوانين والنصوص التشريعية المتعلقة بالمهاجرين واللاجئين لان هذه المعلومات ضرورية جدا في صياغة التقارير، وتتمثل الوصية الثالثة لشبكة الصحافة الأخلاقية في إظهار الجانب الإنساني للمهاجر وإيصال صوته.. ودعت عائدة القيسي الصحفيين الى التضامن مع المهاجرين واللاجئين والعمل على إيجاد تصورات وحلول لوضعياتهم كما أوصتهم بالابتعاد عن خطابات الكراهية.. وهو نفس ما أكد عليه مرتضى بهبودي الصحفي الافغانستاني، واشار مرتضى الى انه من واجبات الصحفي السعي للوصول الى المعلومة ومن دوره نقل الحقيقة والتعريف بقضية المهاجرين وبين انه عوضا عن التركيز على مسائل هامشية أو على ما يسمى بأزمة الهجرة غير النظامية بإمكان الصحفي على سبيل الذكر ان يكتب قصة خبرية مؤثرة عن البحار التونسي الذي تطوع من تلقاء نفسه لدفن جثث ضحايا قوارب الموت.